قصتان

حسان الجودي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسان الجودي

1- هل استوت على الجودي؟

يفكر المراهق فيما يقوله والده الشيخ، ويقرر التأكد من ذلك فجر أحد الأيام.
يغافل الجميع وهم نيام، ويخرج إلى شجرة العائلة المنتصبة في الحوش. يتجاهل تحذيرات والده اليومية حول ضرورة الابتعاد عن الشجرة. يضع سلماً عليها، ثم يصعد إلى داخل الشجرة الفرعاء. يجد نفسه قرب اسم غريب لا يعرفه، فيتساءل عن سبب وجود جد له يدعى حائر في شجرة العائلة. يتجاوز الحائر بمهارة، ويوالي صعداً. يصل إلى اسم جدٍّ يحبه فقد سمع الكثير من روايات والده عن خوارقه. كان اسم الجد طويلاً مؤلفاً عدة مقاطع صوتية. ففكر بالاستفادة من ذلك الطول، وبدأ يستخدمه كسلم إضافي لمواصلة الصعود.

بدأ المراهق يواجه مشكلة نفاد ضوء المصباح اليدوي. ولم يصل بعد إلى الجودي.
فمس جنبه الأيمن ملاك زيت كان يعمل لدى أحد أجداده؛ تاجر الزيتون، فأضاء للمراهق طريقه الطويل. ثم مس جنبه الأيسر ملاك حنّة كان نائماً في حضن جدَّه العطّار، فخضبه بضوء إضافي لن ينفد.

واصل المراهق الصعود، وهو غير مبال بجماجم الأجداد، التي جالت فيها الريح مصدرة الأصوات الغريبة.

إنها رياح البحر! صرخ الفتى سعيداً، لقد بات قريباً من الجودي.
شعر برطوبة البحر أيضاً، وأيقن أنه موشك على الوصول إلى الجودي الجبل الوحيد في غمر الفيضان.

حث الصعود، وواكبه رفيف أجنحة غامض، ثم حطت حمامة فوق غصن قريب وهي تحمل أغصان زيتون. أجالت نظرها في الشجرة، ثم وضعت الأغصان عند اسم الجد الحائر. الذي كان يدعو للفتى جهاراً:

-اللهم لا تبلغه المنال!

لم يستوقفه ذلك، بل خاض بسرعة في الماء الذي انكشف عنه الكون. ومشى عليه بسهولة وهو يتفحص الجهات. شاهد في البعيد كتلة سوداء ضخمة غائمة الملامح، لكنه تصورها جبلاً ضخماً، وشاهد قربها كتلة صغيرة غائمة الملامح أيضاً، فتصورها سفينة. ثم شعر باليقين يهبط عليه، وها هو الجودي العظيم يحضن تلك السفينة الناجية.

تلقاه والده بالركلات أسفل الشجرة. كان ينتظره بالشتائم والصراخ:
– لقد سببت الخلل لميزان الوجود يا كلب!

قاده من يده بعنف صوب ميزان الوجود الضخم. كانت كفتاه النحاسيتان تتأرجحان دون هوادة. باءت محاولات الوالد بالفشل لإعادتهما إلى التوازن القديم، فاقترح الفتى أن يقوم هو بذلك. فشل الفتى أيضاً. ولازمهما سوء فهم عميق طوال حياتهما.
لقد ظن الوالد أن الفتى، بوصوله إلى نهاية الشجرة ، قد اكتشف الخدعة. فلا يوجد هناك جبل يدعي الجودي إطلاقاً. وظن الفتى أن والده ضبطه وهو بين الأغصان يتخفف من حمولة مثانته الثقيلة في مياه الغمر.

*****

2-الرجل والقطران

عقد الرجل الطويل العزم على شراء مركب صيد. لكن جميع المراكب التي عاينها، كانت مدهونة بقطران غريب سبب له حساسية غريبة، فعدل عن الشراء.
ذهب مرة إلى جرف صخري مطل على البحر لاصطياد الأسماك. مد ساقيه الطويلتين باتجاه الماء، وجلس بانتظار الصيد.

بعد ساعة بالضبط، نهضت مدينة كاملة من الماء وصعدت على ساقه اليسرى، فالتقطها ووضعها في سلة الصيد، ثم بعد ساعة أخرى، نهضت من الماء امرأة جميلة، وتسلقت ساقه اليمنى، فالتقطها، ووضعها في سلة الصيد. ثم صعد الأطفال، وتتالى بعدهم صعود الأصدقاء. وفي آخر النهار، صعد منزل فخم إليه.
وضع المنزل في المدينة، وسكن فيه مع المرأة الجميلة، وفرحوا بالأطفال والأصدقاء.
لكن الرجل الطويل ظل حزيناً في أعماقه. فهو لم يستطع تحقيق حلمه الصغير في شراء قارب صيد متواضع لا يسبب له الحساسية.

قرر ذات يوم أن يخاطر بحياته بحثاً عن حلمه الكبير. ذهب إلى الجرف الصخري، مد ساقيه، حتى لامسا سطح البحر، فخاض فيه بثقة، ومضى بهدوء يجوب البحار. لكنه سبب الفزع لكل الطيور والأسماك والبحار. لقد كان رجلاً طويلاً يشق الموج بساقيه القويتين، لكنه كان يعطس باستمرار.

كان الرجل الطويل هشاً، ولم يكن ذكياً ليلاحظ أن ساقيه بالذات خلقتا وهما مطليتان بذلك القطران.

…………..

*كاتب وشاعر سوري مقيم في هولندا

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون