هايدى

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 45
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

لم تكن لتتحدث عن الزمن، ولا تلك الغفلات في الخطى، لولا إنصاتي للموسيقة وهي تخطو وقد تناستها الجاذبية، في سوتر كانت اللقطة طويلة تشبه فيلما فريداً في كتابته، بلا عنوان كانت الحكايا.

ترفع قدميها في الخريف، الشتاء، بخفة ما، وعينى ترقب الشارع وقت جلبة ما بعد الظهيرة وفراغ الأزمنة ودلالتها في وعي الظاهر، كنت أرقب هايدى، نعم، هذا اسم ووسم ورسم وشعرية من لا أعرفها. جاءت اليوم بثقة وخفة ريشة في مهب الريح، ولكنها سكندريتي التي لا تحزن الغرباء ولا تقطع شجرات وصالهم بهذا العالم الحسي الرائق الطلي، الرهيف في صبغات وجوه بشره.

كنت ألهث باحثاً عن مال مفقود قريباً من البحر، كانت الماكينة تعمل ولم تخرج الأموال، وأنا المنصت بوله لترحال الفصول قريباً من الأنفوشي.

عيني لم تر إلاها، هايدى وفخذيها. خفة نقل القدم من بقعة لأخرى فوق إسفلت المدينة الهائجة في تراب غروب ما جاء مبكراً، وأنا أعبر قضبان حديدية قديمة صادفتني بعد أن ودعت جامعة الإسكندرية، وقد أمسكت برأسي، أصرخ في صمت من الصداع السرطاني المقيم منذ ثلاثة أيام، أكور كفيّ فوق بقايا عظام بها هوات ناتئة تسمى رأسي والتي باتت تتضاءل يوما بعد يوم.

كانت قد تركت مبني الآداب، وخطت تودع سوتر على صوت طحن القضبان المنسية في الغبار والحصى الكثيف، وأنا الواقف مشدوها أتطلع لفمها وهي تتحدث بثقة عن سفرها القادم إلى حلمها هناك..تنصت كرم زميلتها في الدراسة وأنا أرقب من بعد، أتطلع لسماء حبلى بالأزرق والثلج والرومانتيكا وهي تلتفت يمنة ويسرة، تتطلع لملامحي وكأنها قد تأكدت من مراقبتي لها منذ الساعة والنصف وقتما خرجت، ما بين الثالثة وآذان العصر.

كانت الجلبة وقت زحام الطالبات المغادرات لحرم الجامعة ومكتبة الإسكندرية قد زادت، وثمة صوت مكتوم وهزة تأتي من تليفوني المحمول، وهي ترفع ساقها اليمنى لأعلى لتعبر القضبان وقتما توقف الزمن واللقطة التي ترصدها عين العاشق الزائر في ملكوت البحر والسماء وسفر الزمان، خرجت بتليفوني من جيب بنطالي الكاوبوي وكأن ساقها اليمنى قد علقت في المواقيت ثبتتها لحظة الدخول للبحر، بفرح حبات النبيذ المستوية فوق بلوزتها النبيذية والسويت شيرت الذي يتطوح فوق كتفيها،رسالة من محمد أحمد متولي الذي لا أعرفه يخبرني فيها للمرة السابعة أن أبيه مات غريقا في قايتباي، بعدما قتل في مظاهرة رأس التين.

أتيه وفي مخيلتي اللقطتين.. مابين البحر والرمل وسماء بركام سحب كابية وبيضاء وثلجية مسافرة، كانت هايدى قد زاغت بعيدا، في لحظة عبر فيها الترام، فأحجب الرؤية وعمى عيني اليسرى عربة العجائز التي زعقت عجلاتها الحديدية وهي تفارق مستشفى العظام في الجانب الآخر من سوتر الممتد بلا نهاية.

يئة وملامح أحمد متولي لا تفارق ذاكرتي ولا خيالي لها سنوات، أتذكر أن ابنه حدثني يوما فجراً، أتذكر أنني لا أعرفه، لا أعرف محمد وليد أحمد متولي..أتذكر أحمد متولي الذي جاءنا في بورسعيد عقب معاهدة كامب ديفيد بعامين وفور صدور قرار المنطقة الحرة، اتذكر حبات الترامادول التي كان يرمي بها في حلقه بلا عدد. كان يحكي عن الحرب، عن المقاتل عبد الرحمن القاضي إبن المراغة. وكيف فزع به متولي وهو يرفع علم مصر غارقا ًفي دم زملائه العابرين للضفة الشرقية. أتخيل ملامح هيئته وسط الجثث السارحة في فوران موجات التيه والهتك في قايتباى.

……………….

*من “يوميات البناية”

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون