ناهد السيد
لا تندهش إذا طفى فى ذهنك اسم ما، وتوقف عنده عقلك للحظة، وكأنه يردده لك بإيقاع موسيقى رتيب جدير بالحفظ، ثق أن هذا الاسم سيصبح له مكانة خاصة في حياتك فيما بعد، وغالباً ما سيكون القشة التي تتعلق بها للنجاة من كارثة ما، أو نفسَاً جديدا فى رئتيك بعد ما لاذت كل أنفاسك بالفرار إلى الخارج بلا رجعة.
قد يكون ملهمك، شريكك، سببا فى عودتك إلى الله.
لا تستهن بالأسماء التى يضعها الله أمامك، بالطبع ليست كلها، ولكن كما قلت لك تلك التى يرددها عقلك البعيد برتابة تدفعك لحفظها.
فى صغرى، كنت أهوى قراءة اللافتات وتتسابق عينى مع نافذة الميكروباص لكى لا تترك أحدها إلى أن يلتقط عقلى اسما يظل يردده برتابة للحظة.
لم أنتبه وقتها لتلك اللعبة، لكن عندما نغزنى قلبى نغزة غريبة مؤلمة، وأصر أبي أن يأخذنى إلى طبيب القلب، وجدتنى أقول له اسما وأصرح بأن عيادته فى مكان ما بالقرب منا. لم أكن أعرف تحديدا مكانه، ولكنى أثق أنه فى الشارع الذى تمر منه سيارات الأجرة.
كنت صغيرة لدرجة أن أبى لم يأخذ اختيارى على محمل الثقة، وراح يبحث بين أصدقائه، لكن شيئا ما بداخلى يريد هذا الاسم ويخشي أن نختار غيره.
ظل الاسم يتردد بسرعة أخافتنى، وأنا أترقب شفاه أبى تردد أسماء أخرى عن اقتناع.
لم اسأل وقتها لم هذا الخوف، من أين أعرف هذا الاسم؟ وما الضير فى غيره؟ لكن أبى اختار لى طبيباً بناء على ثقة أحد الكبار الواعين، وحجز لى بالفعل، فاستسلمت بسرعة، واختفى ترديد الاسم الآخر. لكنى لم أردد اسم الطبيب الذى اختاره أبى، ورحنا بالموعد لنجد زحاماً غير متوقع. رغم ان أبى حصل على إذن انصراف من العمل لمدة ساعة فقط، وكان مسرورا بوجود العيادة بالقرب من مكان عمله.
كانت العمارة قديمة ذات أسقف عالية ونوافذ شاهقة مفتوحة على مصراعيها على أسطح المنازل المقابلة. ولافتات كثيرة جذبتنى لممارسة لعبتى المفضله فوقفت فى إحدى النوافذ لأقرأ اللافتات
فأجد ذلك الاسم مطلا من أحدها: دكتور صفاء فؤاد.
جريت إلى أبى وأخذته من يده بالقرب من النافذة وأشرت إلى الاسم، عندئذ كان الأمر في صفى، إذ أن ساعه الإذن كادت تنتهى. والزحام يعيق دخولنا.
ولم يفكر أبى فى أي حسابات مسبقة تجعله يرفض، ساقته جاذبية القدر مثلما ساقتنى، ودون تفكير أخذنى من يدى للعمارة المقابلة لنجد هذا الاسم يسمح لنا بالدخول دون حجز لأننا وصلنا قبل الحاجزين.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولم تكن الأقدار تردد هذا الاسم لى وحدى، ولكنه منذ ذلك الحين أصبح طبيب أبى المعالج. وصديقه الذى يستشيره ويستمع لنصائحه بعد أن أصابه داء الربو، حتى أنه ظل ملتصقا بى أنا شخصيا عندما وضعنى القدر فى اختبار مع إحدى الفتيات المريضات بالقلب من أهل زوجى وجاءت إلى مصر لعمل قسطرة، وجدتنى أشير على زوجى بذلك الطبيب، والأغرب أنى صرحت بعنوانه الجديد بالقرب من سكنى فى الهرم.
لا اعلم متى رأيت لافتته، ولماذا لم يرتكز عليها عقلى الباطن وقتها؟ متى احتفظت بها؟ لا أدرى.. تساؤلات، تساؤلات مخفية لن تخرج على طرف اللسان وكأنها سر ببنك وبين القدر لا يحق لك الإفصاح عنها، حتى عندما أفصحت عن الاسم لزوجى كنت ناسية تمام أنه طبيب أبى، ونسيت قصتى مع اللافتات ولم أذكر سوى الاسم ومكانه.
تعمد القدر أن يفعل ذلك، ولم أتأمل تلك اللعبة من قبل لانشغالى الشديد بمجرد قراءة اللافتات، وتوقفت عنها عندما بدأت اركب المترو لتتحول إلى قراءة الوجوه
وأدخل لعبة أخرى فى تأليف قصص قدرية من نوع آخر.