فنيدة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد الرحمن أقريش
الزمان، 1980.
المكان، آسفي، مدينة مغربية مطلة على المحيط، يحتضنها البحر ويقضم أطرافها، مدينة يمتزج فيها البؤس والهدوء والبساطة والجمال بشكل عجيب.
لسنوات طويلة كانت (فنيدة) جزءا من المشهد الإنساني للمدينة القديمة، مشردة وبدون مأوى، هي سيدة متوسطة الطول، ممتلئة، بيضاء البشرة، وجه جميل ومشرق، ملامح رفيعة كأنما رسمت عنوة، عينان واسعتان مع بريق أخاذ يختزل تاريخ جمالها الذي يرفض الإنمحاء.
تقول الحكايات إنها عاشت حياة مجيدة أيام العز، عندما كانت جزءا من حريم القايد (عيسى بنعمر العبدي)، أيامها، كانت للجمال سلطة وحرمة، قبل أن تدور الأيام دورتها، ويبهدله الأجلاف (العروبية الشمايت)، التعبير – الشتيمة الذي تستعمله (فنيدة) عندما تشعر بالغضب.
فقدت (فنيدة) توازنها الداخلي بفعل الحسد، والحقد، والغيرة، وكيد النساء، وقسوة الحياة، ولكنها احتفظت دوما بروحها الشفافة في مدينة فقدت روحها من زمان.
كانت مسارات يومها مرسومة بدقة، تستيقظ متأخرة، تقطع شوارع المدينة في خطوات متكاسلة، تقف أمام السقاية عند بوابة القوس الكبير، تضع ملايتها جانبا، وتخرج عدة تبرجها المحفوظة بعناية، قطعة صابون معطرة، مشط خشبي، محكة حجرية، مرآة دائرية صغيرة…
ينساب الماء، يتدفق من الحنفية بسخاء، وتنخرط هي في طقوس اغتسال تمتد لساعات.
تتبرج، تعيد شد ضفائرها، تعدل هيئتها، تمرر أناملها المبللة على فساتينها المزركشة، وتهتم بالتفاصيل الأخيرة بشكل ينم عن ذوق وخلفية مترفة.
كانت (فنيدة) تتردد على عيادة (الدكتور الحلو) بانتظام، مرة أو مرتين في الأسبوع، وكانت الممرضات يتضايقن من زياراتها الصباحية بحجة أنها تزعج الزبناء – المرضى، وأنها تكسر نظام العمل.
أما هي، فكانت لها دائما حجتها لزيارة الطبيب، خدش بسيط في اليد، آلام في أعلى الركبة، وجع خفيف في أسفل العنق…
كانت تختار نقط الألم بعناية، كانت تلك طريقتها في الإغراء والكشف عن مفاتنها.
وبالمقابل كان الطبيب من طينة خاصة من البشر، رجل مديني من أصول أرستقراطية، مثقف، ذو حس إنساني رفيع، شخص يقطر رقة وحساسية، كان يغادر مكتبه بمجرد سماع صوتها واحتجاج الممرضات، يستقبلها مرحبا، يكشف عليها، يطهر جروحها، ويودعها مبتسما.
في النهاية تنصرف، تغادر العيادة وهي في قمة السعادة، تنظر جهة الزبناء – المرضى، تلقي نظرة خاصة على الممرضات وكأنها تقول:
– أترون، إنه يحبني!!
كانت تحبه.

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون