فصل من رواية “كتاب نجمي” للكاتب بن أوكري

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
ترجمة: مأمون الزائدي الفصل الثالث قبل أن تسمع الأسئلة بالنهر في ذلك اليوم المشؤوم،  كانت خجلة، ومحرجة دوما ، مجرد عاملة بسيطة مجدة . لا أحد يلاحظها  كثيرا. فهي لم تكن  جميلة. لم يكن أي من الرجال  قد اختارها للحب أو الزواج. لم  تلهب او تثير أية اعضاء . وكانت نوعا من العبء على والدتها،  نوعا من  مصدر قلق. تتحدث قليلا، وتهرب عندما يحدق أي شخص في وجهها. وتقول إنها لا تحتمل قضاء وقت طويل بصحبة الآخرين، كانت تبدو وحيدة وضائعة دائما . كانت كثيرا ما تجوب الغابة لوحدها ، أو تختار بقعة معزولة للجلوس قرب النهر، تحّدق في اللاشيء، تتوق لسعادة لايمكن سوى للموت أو لحب كبير  ان يحققها. ومن مخبأها في تلك البقعة المهجورة، كانت دائما تغنى أغاني حزينة لنفسها، شاردة الذهن، بصوت منخفض.

في بعض الأحيان، وهى لوحدها، ينتابها مزاج رائع فتطلق ضحكة مكتومة ثم تنطلق بالقهقهة، وتجري  مجربة الإنزلاق على طول الشاطئ، وأداء حركات رياضية  مع بعض الشقلبات والحركات البهلوانية ، وتلعب مقلدة سرطان البحر، أوأحد الطيور. وقد تشرع فى التحدث مع الريح، إلى الأرواح، او الى أصدقاء وهميين وخالدين ، وتفضي بأشواقها المجهولة العميقة الى الهواء، يغالبها فرح غامر يجعلها تكاد ترغب في القفزخارج جلدها. في أوقات مثل هذه كانت تؤلف  أغان وتلحن موسيقها الملائمة لها. أو أنها قد تهرع الى العودة إلى ورشة والدها وتبدأ في نحت الخشب، دون علم أحد.

  في واحدة من هذه الحالات المزاجية، وتحت إلهام تلك السعادة السوداء القوية، سعادة عميقة بحيث أنها اذا لم تجد شيئا  لتفعله فانها قد تدفع بها الى  الجنون أو تجعلها تنهي حياتها، تحت وطأة تلك السعادة المأساوية، بدأت إنشاء منحوتة جديدة  من الخشب. هذا المنحوتة ستحيلها إلى قالب. وبمرور الأيام والأسابيع التى كانت تمضي العمل فيها بسرية تامة مع والدها،  تتعلم فن صب البرونز، وصوغ الذهب، صنعت من ذلك القالب سبيكة من البرونز لوجه نقي جدا، غامض جدا، هادئ جدا لدرجة انها نفسها فوجئت بالكم  الهائل من الجمال الذي تكون على يديها. كان  تمثالا نصفيا لملكة. مشعة، هادئة، بغطاء رأس ملكي منقوش   ومن رأسها  تطل عيون  تتأمل بحسية، كان وجها  لم يسبق لها ان رات له مثيلا من قبل، لافى الواقع أو حتي في الأحلام،   كأنه وجه سعادة شبابها المتفجر. عندما انتهت من صب البرونز، قامت باستخدام سلطة والدها الغائب مع رجال المسبك، واخفت المنحوتة بين اشيائها، حتى تجد طريقة  ما تستخدمها فيها.

كل صباح، عند الفجر،   تجلبه وتنظر إليه. في الليل، وقبل أن تغرق فى النوم ، تهدهده فيشيع السرور في قلبها. في ذلك الوقت بدا تصرفها غريبا  حتى على والدتها، الذي كانت تعدها عبئا كبيرا عليها.

“ما الذي افعله بك؟ تقول والدتها. “لا يوجد رجل يرضى بالزواج منك. ليس لديك الجمال. وانت لا تتكلمين. أنت غريبة، كما لوانك أتيت من أرض الأرواح. أنت لست محظوظة. ولا تعرفين الفن الذي تتقنه النساء، فن تحلية الحياة. أنت غير ودودة للغاية. عيناك على الكثير من الاشياء . عيناك كبيرة جدا ومخيفة. سوف تشيخين وحيدة بدون حب، بسب طريقتك هذه . ماذا أفعل معك؟

‘لا شيء، ماما، ” تقول العذراء.

ثم تخرج، للقيام ببعض الأعمال المنزلية ، أو تذهب إلى البئر لجلب الماء، أو الى النهر لغسل الملابس، أو إلى الغابة لتهيم على وجهها وسط همهمتها الغامضة، أو إلى الساحة لتحدق في المنحوتات التي عرضت للعلن في الليلة السابقة، والتي كانت القرية كلها تتحدث عنها.

 

مقالات من نفس القسم