فاصل للدهشة

محمد الفخراني: روايتي القادمة سأنتهي منها في يونيو
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد الفخراني

ربما لهذا أحبته "نعيمة"، فحلمها قريب من حلمه، فكرتها عن الأرض قريبة من فكرته، إلا أنها لا تنتهى بالفراغ وإنما بالماء، بالبحر تحديدًا، بتحديد أكثر.. "بحر اسكندرية المالح".

الماء يا "نعيمة"؟

ربما أكثر شاعرية أو رغبة فى موت ما؟

“نعيمة” تريد أن يشربها البحر، يؤنسها بصوته وهيجانه.

 البحر سيكلمها كثيرًا، ينصت لها كثيرًا، لن يسألها إن كان “خليل” أو غيره “فتحها” أم لا، لن يتوقف عند هذا.

البحر لا يتوقف أبدًا.

لماذا كل الأشياء التى تحبها “نعيمة” تحوّلها لرجل طيب دافئ، وكل رجل طيب دافئ تحوّله لبحر أو قارب كبير؟

تخرج كل ليلة للبحر تحضن هواءه الساقع، تتركه يدخلها من كل ناحية حتى ينفخها شراعًا وتسافر.. تسافر حتى تبتعد عن الأرض.

حيث لن يكون ثمة أرض أبدًا أبدًا.

تستقبل البحر فى حضنها، أو ترمى نفسها فى حضنه، لا يهم، تُطعم النوارس من فاكهة تنبت فجأة على صدرها، تقف على الشاطئ تبصّ بعيدًا تتخيل على الشاطئ الآخر بنات مرحات يضحكن بعلو الصوت، يعرفن السباحة، كل واحدة منهن –يا بختها- يضاجعها البحر مرة فى الأسبوع على الأقل.

تتأمل النقط المضيئة على سطح البحر، تتمنى لو كانت هنااااااااااااااااك.

تنام للبحر، تفتح ملاءتها ليبرك عليها يحتويها كلها كلها كلها.

 

“وجنات”  

سمراء بشفتين محقونتين شهوة.

لم تكن بجمال “نرجس”، ولا فيلم سكس يمشى على الأرض مثل “فراولة”، لكنها تملك سر الانثى.. الرائحة.. رائحة الأنثى، تشتغل خادمة فى بيوت بعيدة، تمارس فيها سرقات صغيرة لا تتعدى خمسة أو عشرة جنيهات كل مرة، تترك نفسها دقائق لأزواج يفضلونها “خادمة”، ومراهقين يفضلونها “من فوق الهدوم”، ترمى روحها لعضّات لن تؤذيها بشكل حقيقى، وتُؤَمِّن لها بعض الجنيهات الزيادة التى يغتصب أبوها نصفها أو أكثر، وإذا رفضت يرميها على بطنها، يقعد على ظهرها يَحُكّ وجهها بالأرض حتى يدميه.

لا تريد غير بيت حقيقى بعيد عن العشش يجمعها مع “هلال”، يحتميان فيه ببعضهما بعضًا، وأطفالاً يروحون مدارسهم الصبح ويرجعون لحضنها بعد الظهر.

مشغولة دائمًا بحلم الأمومة، تمارس حلمها دون قصد مع كل الأشياء.

 

“فراولة”

الوحيدة تمامًا.

 لا تعرف إن كان أبوها مقتولاً أم مسجونًا، تعرف أن أمها ماتت قبلما تكمل رضاعتها بأسابيع، عمها “بدرى” تناديه باسمه مجردًا، تحسُّه غريبًا عنها.

 هو رجل افتضها فى الحادية عشرة من عمرها.

استيقظت مفزوعة فى نهار حار جدًا لتجد “بدرى” منتصبًا بين فخذيها العاريين، ليس معهما فى العشّة غير ڤيديو، تليفزيون، شريط سكس، قطعة حشيش بين فلقتيه تساعده على انتصابه المتشنج.

افتضها.

لم يكن سكرانًا يا “فراولة”.

تدفع “فراولة” له مقابل نومها فى عشّته حتى تصل الرابعة عشر من عمرها، فتستقل بعشّة تخصّها.

مرمطها بامتياز.

 صار قوادًا لها. 

“فراولة”، ما زالت ترقص فى قوارب الفقراء بعشرة جنيهات فى الليلة، تنام مومسًا تحت الطلبة وغيرهم من مستخدميها.

أحيانًا.. خاصة فى ليالى الشتاء التى يَشحُّ فيها الشغل على القارب، تتنقل “فراولة” بين شقق الطلبة، تعيش فى كل شقة مع مجموعة الطلبة أسبوعًا أو أسبوعين، تطبخ، تكنس، تغسل، وتمارس تحتهم الانسحاق المتكرر.

صوت تلك الآلة الموسيقية، “الكَوَلَة”، يدغدغها تمامًا، يشق طريقه الشجى وسط الآلات الموسيقية الأخرى، يحفر فى عمق “فراولة” نهرًا حزينًا يغسلها.. يريحها.

تترك نفسها لصوت “الكَوَلَة” يبكى داخلها.

“فراولة” تسلم روحها “للكَوَلَة” القاسية/ الحنون.

كل هذا الشجن يشقُّ روح “فراولة”؟

شىء يبكى داخلها.

كل هذا البكاء يا “فراولة”؟

كل هذه الراحة؟

 

“سماح”، لم تؤمن طوال حياتها بشىء أكثر من إيمانها بالإنسان.

 أبطالها هم المهمشون الذين تبحث عنهم، تفتش فى حياتهم، تنحاز إليهم وتكتب عنهم فى عمودها الصغير.

مليئة بالأسئلة، تجد إجاباتها الكبيرة بين الناس، فى الشوارع، وهى تشترى علبة “الكليوباترا” من عجوز فى كشك جانبى، أو علبة مناديل من امرأة قاعدة على الرصيف، أو لمّا تجرى آخر الليل لتلحق بائع الصحف المتجوّل تعطيه عدة صحف قرأتها مبكرًا، ليبيعها ويحطّ ثمنها كاملاً فى جيبه.

تقول إن العقل الفارغ شارع ملىء بالقاذورات.

تحب جدًا الكشرى أبو دقة وشطة زيادة.

 تحب جدًا لوحات “جوجان” العريانة.

تحب أن تتعرف على أشخاص جدد، تفعل أشياءً جديدة لأن اعتياد الأشياء يميتها، واعتياد الأشخاص يحنطهم.

تعشق السفر.

تكتب كلامًا وترسم أشكالاً صغيرة فى وسادتها، ملاءة سريرها، سطح مكتبها الخشب، والمساحة الجربانة فى ركبة بنطلونها الچينز.

“سماح” لم تكتب رسالة عاطفية واحدة فى حياتها، تعرف أن حبيبها هو من يقدر أن يجعلها تقعد معه ثلاث ساعات متصلة فى مكان عام دون أن تملّ أو تزهق منه، فتشرب معه قهوة وشايًا، تحرق سجائر وشيشة، تلاعبه شطرنج، دومينو، كوتشينة، تكلّمه فى كل شىء.. ولمّا يشوفهما من لا يعرفهما لا يعرف إن كانا صديقين أم حبيبين أم عشيقين أم زوجًا وزوجته أم أخًا وأخته أم خليطًا من كل هذا.

تحب الأطفال، البطيخ، تفطر فى الشارع على عربة فول، حول معصمها ساعة بعقارب متعرجة.

لها وحمة حمراء لذيذة على شكل عنقود عنب بناتى صغير، أو فحل توت كبير عند بداية الخط الفاصل بين فلقتيها، تظهر أحيانًا لمّا تنحنى لتدخل الميكروباص مثلاً، تحت الوحمة مؤخرة بحجم وجبتين مشبعتين من الچيلى القوى.

على صدر “سماح” بزّين بحجم قنبلتين تملآن قبضة اليد، ويُتوقع انفجارهما فى أية لحظة.

لديها مخزون كبير من الحزن.

تحب “سماح” الصوفى القديم الذى يقول إن طاعة الرب تكون أحيانًا سببًا فى غضبه، لمّا يجترئ ناصعو البياض بهذه الطاعة على الرب، يتبجحون، يملؤهم الزهو والغرور ويفتحون أعينهم فى عين الرب بجسارة، بينما قد يكون لك سر صغير مع الرب يجعلك تنظر له بأدب معتذرًا طوال حياتك وتنتظر –هذا الانتظار الذى يحبه الرب– أن يمد يده فى أية لحظة يربت قلبك، ويهمس فى أذنك: سامحتك.

ـــــــــــــــــــــــــ

*فصل من رواية “فاصل للدهشة”

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون