في ديوانه الشعري الجديد، الذي تصدره دار الأدهم للنشر والتوزيع، في معرض الكتاب المقبل، يغوص الشاعر عماد عبد المحسن في أسرار عوالم وكائنات مهمشة، ليحلل من وجهة نظر عميقة ومفعمة برؤية فلسفية، رؤيته للعالم من خلال مجموعة قصائد تتحدث بضمير الغائب، مسلطة الضوء عن كائن بعينه، أو كائنين أو مجموعة من الكائنات التي قد تكون معايشة لتفاصيل حياتنا اليومية، إلا أننا نمر عليها مرور الكرام.
يقول عبد المحسن: “أعتز بهذه التجربة التي أدخلتني إلى عام شعري خاص، حاولت جاهداً أن أجدد خلاله في أسلوبي الشعري، وأن أتخلى عن المباشرة، ورصد اليومي والمعاش، لأنطلق إلى فضاء أرحب، أناقش من خلاله ماهية الكون، من خلال مفرداته الحية والجامدة”.
“نحن اسفنجتان
تمسح إحدانا بقايا كراسي المقاهي
وألسنة جالسيها
وتعكفُ الأخرى على زجاج حانات العواصم
تُزيل وجوها عالقة
وأصابع بعضها كان يهتف.
بعضها كان يتلصص.
بعضها كان يصرخ بانفعال”
هكذا يلتقط عماد عبد المحسن في ديوانه الأخير، تفاصيل استثنائية، نكتشفها في المقطع الشعري السابق، حيث يفتح الباب أمام “اسفنجتين” على سبيل المثال، لنرى من خلالهما رؤية مغايرة لعالمنا المعاش.
ومن الجماد إلى الطير، الذي يشاكسه عبد المحسن في قصيدة طويلة يستهلها بتساؤل استنكاري:
“وهل من منطق الطير
أن يصطفي ميادينَ دون غيرِها
هل من منطقِه
أن يستأثرً بالشجرِ – دون الزهور مثلا –
كم هو أنانيٌ
منحازٌ لعِرقِه
يتحدثُ لغةً لا تفهمها الكائنات”
إنها رحلة يقطعها الشاعر في إحدى وعشرون قصيدة، تدور في فلك مغاير، وكأنها دعوة للقاريء لإعمال العقل والفكر أثناء القراءة، لكي لا تكون المتعة هي الهدف فقط من هذا الديوان.
يقول الشاعر في آخر قصائد الديوان:
“قال الطبيبُ لآنيةٍ فُخَّارية
تشكو
آلاماً في المقبض
أنتِ تعانين من الوهم
تطاردُكِ نيرانُ الموقدِ
وقبضةُ سجَّانك
فترتعدُ مقابضكِ
احترسي
من وهمٍ لا يجدي”.