حول بلانكا الغائبة .. والكتابة ندندن

في غياب
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

   بدايةً، أود أن أشكر المترجم الكبير (أبانا الذي في المقطم) أحمد حسّان، على ترشيحه لي للقائمين على دار سرد لإنجاز ترجمة هذه الرواية، كان ذلك في بدايات أزمة جائحة كورونا، وقد ساعدتني الرواية، والانغماس في عملية الترجمة والتوحّد مع شخوصها وما يدور في فلكهم، على تخفيف وطأة تلك الفترة العصيبة، حيث تلاحمت الأسئلة الوجودية الفردية مع حيرة العالم من أمره، قبل توصّل العِلم للقاحات واقية، في هذه الفترة ربما أعاد كثيرٌ منا اكتشاف جدوى الفن والأدب والعلاقات الإنسانية في تشكيل الوجدان ونجاة البشرية من أمراضها الروحية والجسدية على حدٍّ سواء.

    بعد ذلك بشهور سافرت إلى إسبانيا، خلال فعاليات معرض الكتاب بمدريد في صيف 2021، وبالمصادفة عَلِمت بمناقشة أحدث إصدارات مولينا في إحدى الندوات، فذهبت بصحبة صديقة للحضور رغم أن الدخول كان بدعوات ولم تكن معنا بالطبع، فحاولت التواصل مع المُنظّمين خارج القاعة وشرحت لهم أني مترجمة الكاتب للعربية، ورغم تشكّك صديقتي في جدوى المحاولة كُلِّلت بالنجاح، بعد الندوة -التي تحدّث فيها عن تأملاته أثناء الإغلاق الكُلّي الذي عانينا منه جميعًا وكيف ساعده ذلك على إنجاز كتابه الأخير- اقتربت من المَنصّة وتعرّفت على الكاتب الذي رافقني شهورًا بصفتي واحدة من مترجميه إلى العربية، وتهلّلت أساريره لذلك، أخبرني أنه يَكِنّ لرواية “في غياب بلانكا” مَعزّة خاصة، وترك لي بريده الإلكتروني إن احتجت إلى التواصل معه طلبًا لأيّ توضيح.

المترجمة "أسماء جمال" مع الكاتب "أنطونيو مولينا"
المترجمة “أسماء جمال” مع الكاتب “أنطونيو مولينا”

    لم أُكذِّب خبرًا وكاتبته لطلب ميعاد لعمل لقاء معه، تأخّر في الردّ عدة أيام حتى ظننت أن بريدي لم يصله وكانت المفاجأة حينما أجاب مُقترحًا أن يكون ميعانا ظُهر يومٍ تصادف أنه يسبق تاريخ عودتي للقاهرة بيوم واحد فوافقت رغم ضيق الوقت للتحضير للقاء أحد أهم كُتّاب وأكاديميّي إسبانيا المعاصرين وعضو الأكاديمية الملكية الإسبانية للّغة، والحاصل على جائزة أمير أستورياس.

     ذهبت إلى منزله بوسط المدينة في اليوم المُحدّد، استقبلتني كلبته بصحبة القائمة بأعمال المنزل، وهناك اكتشفت أني نسيت كرّاس الأسئلة في المنزل ولا ذاكرة للتسجيل بهاتفي محدود الذكاء مكسور العدسة، بدا علىّ التوتّر وبدأت أتعرّق، فإذا به يقترح عليَّ أن يُحضر لي كوبًا من الماء، اقترح عليّ أيضا استخدام هاتفه في التسجيل، لكننا اكتشفنا أن لا ذاكرة كافية لديه أيضًا بعد تسجيل فيديو قصير، حينئذٍ نهض وأحضر كرّاسًا أخضر لاستخدامه في تدوين إجاباته على أسئلتي التي أسعفتني بها الذاكرة قبل دقائق من اللقاء، و أهداه إليّ في نهاية المقابلة، كان حوارًا هادئًا تخلّله الحديث عن علاقته بالمترجمين من اللغات المختلفة لكتبه، وبعض الصعوبات التي واجهتها أثناء الترجمة، ومحاولاتي مقارنة الأصل بالترجمة الإنجليزية وتأمل تصرفات المُترجِم في تمرير بعض التعبيرات إلى لغته (ربما أكتب عن الموضوع في المستقبل)، وكذلك تحدّثنا عن بعض رواياته متصلة المواضيع، وأخرى تحوّلت إلى أفلام، عرّجنا على ذكر أدب محفوظ كممثّل للثقافة المصرية والعربية التي أتيت منها، وسألني عن الأوضاع في وطني وعن دراستي وتعليم الفتيات المصريات وسفرهم للخارج، ونبّهني لكوني محظوظة بدعم أهل بيتي، أظن أنه ذَكَر أنه لم يزُر العالم العربي قطّ، ثم انتهى الحوار وغادرت إلى مصر في اليوم التالي.

بعد تحرير الترجمة من قِبل فريق عمل دار سرد امتننت لهذه التجربة وللدقة والدأب في مراجعة ترجمتي، بالمقارنة بالنص الأصلي وترجمته الإنجليزية أيضا، وخَطر لي تتمّةً لهذا المجهود أن أُكاتب صاحب “الشتاء في لشبونة” مرة أخرى ليكتب كلمة خاصّة للترجمة بدلًا من الحوار المدريديّ الضائع، وها هي بين يدي القارئ.

في النهاية لا يسعني سوى شكر أهلي وأصدقائي الذين شاركوني بالدعم النفسي، وكذلك بالردّ على استشاراتي وتقديم اقتراحات سديدة خلال المراجعة وأخصّ منهم (أبجديًا مع حفظ الألقاب): أحمد حسّان، أريج جمال، آية طنطاوي، إبراهيم عادل، غادة خليفة، فاطمة جمال، محمد الفولي، محمد مهدي، محمد هاني، مصعب السيد، ياسر عبد اللطيف. كما أكرر شكري لأستاذ فايز علام وفريق سرد على المهنيّة والدأب في إخراج الرواية بأفضل صورة ممكنة لقارئها العربي.

                                                                                                                 
                                                                                         
                                                                                                                   ميديين – كولومبيا                                                                                                                   31 /7/ 2022

مقالات من نفس القسم