“عجائز قاعدون على الدكك” محطات انتظار للرحيل

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 42
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ياسمين مجدي

بكل بساطة تحدث الأشياء المؤلمة في عالم الطاهر الشرقاوي. فالحالة نفسها من النعومة الخشنة العنيفة، تظهر في مجموعته القصصية الأخيرة “عجائز قاعدون على الدكك”، حيث “البنت التي لم تتخذ قرارًا في حياتها. دخلت الحمام، صبت على جسدها صفيحة جاز، وأشعلت عود ثقاب”! طوال قرائتك للمجموعة ستصاحبك قبضة من الخوف والألم تمسك قلبك، وأشخاص قاسية، لكن في أعماقها أشياءً جميلة، تستحق البحث.

يدور عالم “عجائز قاعدون على الدكك” في مساحتين، الأولى تعرض لأحلام وانتظار العجائز، مثل امرأة تكنس سلالم محطة القطار، وتتطلع في المارين، أو رجل مسن يتحدث عن لحظة موته. المساحة الثانية في قصص الطاهر، تدور حول شاب أسمر رفيع، يعاني من مشاكل تخص هيئته، “عود قصب ممصوص، مرقش بحب الشباب”. يتكرر هذا الشاب كثيرًا، بأشكال مختلفة، فها هو شاب آخر بوجه مشوَّه، فمه في جانب وجهه، “كان هناك ولد صغير، لم يكن فمه تحت أنفه كبقية الناس، كان في جانب وجهه، لم يكن بشعًا أو مقززًا، لكنه كان غريبًا، وغير مألوف”، وهؤلاء الشبان في القصص محل سخرية طوال الوقت من الآخرين والبنات والمجتمع.

سيبدو نموذج الشاب والكهل بعيدين عن بعضهما البعض للوهلة الأولى، لكن ثمة رابط دائم يجمع هذا الشاب المتألم والعجائز، إنهما ملجأ لبعضهما البعض، فالشاب الوحيد هو من يحقق أحلام العجائز، ويحضر لهم ماء البحر ليشربوا به الشاي، أو يحرس الموتى، ويبيع الجريد للمقابر، وحين يقرر الولد النحيل الطيب احتراف الشر، سيحرص على تعليق لمبة نيون على السلم من أجل “العجوز ساكن الدور الأخير، والمواظب على صلاة الفجر”، هذا ما يصنعه الشبان النحاف للعجائز. أما من الناحية الأخرى، فيحصل الشبان على ملجأ لمخاوفهم من الوحدة والموت، فيقول شاب في أحد القصص: “أجالس هؤلاء العجائز، القاعدين في الظل، أرقبهم وهم يَذكرون الموت برضا”، فكلاهما “روح طافية. سأظل هكذا، أبص على العالم، وأنا أرى اسمي، يتلاشى تمامًا”. فالاثنان في حالة انتظار، كما جاء في التصدير الذي سبق المجموعة “سأضع سريري في المقابل، منتظرًا صافرة طويلة، تتبعها رفرفة جناحين في الهواء”.

في مثل هذا العالم نجد أجواء الموت حاضرة بشدة، لأن أبطال القصص ليس لديهم مهرب سوى انتظار الموت، والحلم بالجنيات، فـ”أصواتنا التي صارت بفضلهن جميلة”، وبسبب ألحانهن.

إن البطل في “عجائز قاعدون على الدكك” هو الدكك نفسها.. تلك المساحات التي يجلس عليها أفراد هم على هامش الحياة، كبار في السن.. أو مشوهون.. أو بأجساد ضئيلة. حيث الدكك.. محطات انتظار لصبي نحيف وأحلام للعجائز.

عن لغة الطاهر الشرقاوي، فكعادته يستعمل مفردات فصحى بسيطة، نظن للوهلة الأولى إنها عامية، مثل: “غصبًا عني، حين شفته قدامي”، و”بصت”. نشم، أيضًا، في مفرداته عالم الريف، فكلمة “الدكك” تفوح برائحة الريف الذي ظهرت تفاصيل كثيرة له في القصص.

يذكر أن للطاهر الشرقاوي مجموعة “البنت التي تمشط شعرها”(2001)، مجموعة “حضن المسك”(2002)، مجموعة “صوت الكمان”(2004)، وقصص للأطفال بعنوان “شجرة البرتقال”(2005)، و”رواية فانيليا”(2008).

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم