في القصيدة أخذوا كل شيء، هكذا قالت الشاعرة، وقالت أن كل الرجال الذين أحببناهم أخذهم شيء ما، الموت، الحياة، الحرب، ونساء أخريات، قالت لماذا لا تُفكّر أنت أن تعود من فكرة الفقد، أنت وحدك، لماذا؟ عُد بالعار الملتصق بجلدك كلّه، أريدك بعارك، عندما قلت أحبّكِ. لن أتخلّى عنكِ. ثم عضضت على الكلمات بأسنان الخيانة المدببة، التهمتها بلحمها وماءها وتركت لي كيسا من العظام على طاولة الأكل، ألصقت على الكيس قصاصة ورقية صغيرة، كانت صفراء ربما، كتبت عليها أن هذا كل ما تبقى وأنني لو أريد بإمكاني الاحتفاظ بهذه العظام في فيترينة الصالون مع باقي التحف الرخيصة.
“أعيدي رجُلي إليّ”.
إنكِ لا تعرفين شيئا ولكن أي شيء تعيشينه اليوم، كان من صُنعي أنا، في أحلامي حضّرتُ كل شيء، في قدور مخيّلتي طبختُ كعكة الحبّ الذي تعيشينه الآن، الصور وأنتما متعانقان على النيل، الليل، كل كلمة همس بها في أذنك، قبلاته المختلطة بطعم النبيذ، يده التي على كتفك، أنفاسه المختلطة بأنفاسك، صوته، أصابعه، كل شيء يا عزيزتي كل شيء، الأرض المعشبة حيث تقفين اليوم أنا التي هيأتها، كنت آتية ولكنكِ سبقتني، جئت لأفتح الباب فأطلّ أحدهم من الباب المقابل ليقول أنهم غيروا القِفل، أنتِ لا تعرفين الباب، أحدهم زرعك هنا دون أن تعلمي، في لحظة واحدة، لماذا كان عليّ أن أحضّر لكِ كل شيء؟ فعلته لنفسي والرجل الذي أحبه فتح لك ذراعيه كما كان يفتحهما دائما لأي شاردة. ما الذي تغيّر؟ لقد غيّر اسم المرأة فقط. غداً سيعود ليقول: “أنا وأنتِ مرضى ببعضنا”، تركته يجاري الزوبعة، أتركه باستمرار، أعرف أكثر من أي شخص آخر أنها لن تخرج من الفنجان.
تقول الشاعرة: أخذوهم، أبي وأخي وحبيبي وابن عمّي!
على سرير المشفى حلمت أن يحمل لي الزهور أو الشوكولا. كلما نمت رأيته يعانقكِ. تزداد الآلام في جسدي مع اقتراب الفجر، هكذا أيضا مع الحب، يتصاعد الألم ثم يأتي النهار، أمدّ يدي إلى حبوب المسكّن. وأفتح صورته على شاشة هاتفي. بالله كيف؟ كيف لا تشعر أنك غاليت في عقابي على عُقدة أحكمنا ربطها معاً طيلة أعوام؟ ينبّهني الهاتف قبيل الرابعة بقليل أن هنالك رسالة واردة، السماء مظلمة في النافذة، قلبي غرفة مهجورة في فندق رخيص، عملي هو أن أحلم لنساء أخريات، جسدي محقّ في الرغبة بالتخلّي عني، أنا أسوأ من عرفتُ على الإطلاق. لا أفتح الرسالة لكن قلبي قال: إنها منه!
شعرت بالهدوء كأنه بعد سنين وحدة طويلة جاء أخيرا أحدهم ليطرق بابي، طارق مع أول الفجر، طارق في آخر الحبّ.
أشغل أغنية أحببت دائما الرقص على إيقاعها، لا أشعر تقريبا بقدمي المنتفخة، أحاول رفعها ولا أقدر، أصبحت أثقل من أثقلِ عبء، كيف سأرقص بعد الآن؟ يقول عقلي بسرعة: في خيالك! أبدأ إذن، بنفس زي الرقص الأزرق، الركح الكبير، الجمهور الذاهل، وأنت لم أكن أعرفك وقتئذ، أين تذهب عندما أفتح مخيلتي؟ أين؟ في مخيلتها؟ ما الذي يمكن أن تتخيله عنك امرأة عرفتها منذ أسبوعين؟ وتقول لها كل يوم أنك تحبّها!
“تُحبها وتموت بها ولن تتخلى عنها” أكثر من ذلك “عمرك بدأ الآن معها”.
الآن؟
البارحة حلمت بابنتك، أراها باستمرار في أحلامي، لم أقل لك ذلك، ولكن اسمع أنا والفتاة الصغيرة التي تشبهك لا نتكلم أبداً، لم نتكلم في أي مرة، نمشي فقط، والبارحة كنت تمشي وراءنا، كنت أعرف أنك وراءنا، لكني لم ألتفت لك، أقول كما في الحياة: ستختفي كل شخصيات المسرحية من حوله للمرة الألف، سيلتفت حوله ولن يجد أحداً، عندها سيخفض رأسه إلى قاع البئر حيث يقبع قلبه وهناك لن يجد سواي وسوف يناديني وسألتفت لأنه يوم قال : سامحيني دائما. قلت له ببساطة: سأسامحك دائماً! ولم يحدث أن نقضتُ عهدي ذاك أبداً.
تقول الرسالة: “سلامتك، يا ريت كنت أنا الي مرضت مكانك”.
لم أفتحها كلها خشيت أن يقول: صديقتي العزيزة. لا يعرف ماذا يفعل. كثيرا ما يلقي بي في الحفرة ثم يضحك. يدير ظهره ويرحل. دائما في الطريق هنالك امرأة ثم لا يعود يراني وأنا أعافر كي أصعد. لا يعود يسمعني وأنا أنادي عليه حتى تنقطع أنفاسي. في الحفرة والظلمة: من يراني؟ وأظلّ منشغلة بشيء وحيد: كيف؟ أنا المرأة التي لم يحبه أحد كما فعلت!
“يا ريت كنت أنا”
ثم كتب في صفحته شيئا عن فرحة الحب، وسكان قلبه الذين يحتفلون..
أنكمش على جسدي جيداً
مفكرة بالسرطان على سبيل المثال!