عبد العزيز دياب
تستطيع الأم في لحظة معينة أن تكون إوزة، ويأتي عيال الشارع ليكونوا إوزات خفيفات الظل، فرحين بالأدوار الصغيرة التي منحتهم الأم إياها، لكن إخوته البنات رفضن أن يكن إوزات، تهامسن: ماذا يتبقى لديهن لو كن إوزات، هن يكتفين بالصمت والمشاهدة والغضب الداخلي لأن الولد قد وصل إلى مرحلة من الدلع ينبغي الوقوف عندها، هكذا قالت المتفلسفة منهن، قامت بتنحية كتاب “ميراث الخسارة” ل “كيران ديساى”: هل أقرأ رواية لكاتبة هندية وفى النهاية أقوم- يا للمهانة- بعمل إوزة؟!
كل ذلك لأن الولد الحيلة لم يستطع التقاط صورة لإوزة تركض على حافة البحيرة، اندفعت تركض بعد أن كانت داخل الكادر، اندفع الولد يركض وراءها وينكفيء، ينهض وينادى عليها: انتظري يا إوزة لا تخافي… سنكون أصدقاء لو انتظرت دقيقة واحدة.
“هأ… هأ… هأ”، تطارده سخرية القائمين على حافة البحيرة.
الإوزة لا تفهم معنى الحلم الذى أرهق الولد في نومته الإسبوع الفائت بأن إوزة مثلها، ربما كانت هي نفسها الإوزة التي تركض وراءه تريد أن تخطف الجيتار الذى يعزف عليه مقطوعة رائعة، فكر الولد في الحلم: ربما كانت الإوزة تجيد العزف فلماذا يركض بالجيتار هربا منها، لكن الأم قبل أن يتخذ قراره مع الإوزة أيقظته للذهاب إلى المدرسة…
قارئة كتاب “ميراث الخسارة” كانت تستهويها مسالة الغوص في رؤى وأحلام الآخرين متأثرة بقراءتها “ابن سيرين” و “سيجموند فرويد”، ربطت ما بين قراءات الولد للقصص في مجلات “قطر الندى” و “العربي الصغير” و “صور الكومكس” و “الألغاز” وما رآه في حلم الإسبوع الفائت.
الكل كان يسعى لإرضاء الولد، الأخ الأكبر الموظف صاحب الكادر المرموق كان مهموما ب (فك الاشتباك ما بين الولد وبين إوزة رآها في الحلم حسب تعبير الفيلسوفة قارئة “ميراث الخسارة”)، منح الولد كاميرا فوتوغرافية حديثة ليصطاد داخل الكادر المرسوم في بطنها إوزة، فكان يركض وراءها وهى تضرب بجناحيها الفضاء، تنفلت من داخل الكادر تاركة غضبه وإحباطه.
جلس يبكى وليسامح الله كل من جعل من إوزة حكاية، إوزة كانت تركض على شاطئ البحيرة، أو تركض وراءه داخل حلمه لتخطف منه الجيتار دون أن يعرف إن كانت تجيد العزف أم أن لها غراما مع الجيتارات، أو الكمنجات، أو الأكورديونات.
يجب إسكات الولد بأي شكل، ولأنهم لا يمتلكون إوزة يضعونها على شاطئ البحيرة ليقوم بتصويرها اندفعت قارئة “ميراث الخسارة” إلى شاطئ البحيرة تتعرض لمعاكسات الشبان، اضطرت كذلك لدخول الغابة على صهوة سيارة جيب مكشوفة يقودها أهوج للإمساك بإوزة، ستكون عرضة في هذا المكان أن يهاجمها وحش لكن بندقية قائد السيارة تطمئنها، الأخطر من ذلك أنه ربما اختل ميزان قائد السيارة نفسه وراودها عن نفسها وهو ليس وسيمًا بقد أهيف ونظرة حالمة مثل “جون ديب” قرصان الكاريبي، أو طلعة “شكري سرحان”.
الحمد لله رغم كل هذه الهواجس استطاعت البنت اصطياد إوزة كانت تجتر ذكرياتها على حافة الطريق الذى يشق الغابة.
بذلك انتهت أزمة الولد، قام بتصوير إوزة، لكن شيئا جديدًا ألم بهم، فقد لاحظ الناس أن الفيلسوفة قارئة “ميراث الخسارة” صارت تخرج كل صباح إلى شاطئ البحيرة عندما تنقشع الغبشة تمامًا فتكون إوزة خفيفة الظل، ربما خشية أن يأتي ولد آخر معه كاميرا تعانده، لا تفتح حدقتها إلا إذا صورت إوزة بيضاء مشاكسة.