شوارعُ المدينة

تشكيل
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد ممدوح

فكّرتُ: ميزة الكتابة أنها تُربّي حاسة التلصص عند الكاتب. تجعله، دون أن يدري، شاهداً علي فعل الزمن الذي يطال الحجر والبشر؛ لكن هل يجب أن يكون الكاتب شاهداً عدلاً طوال الوقت؟

في رأيي لابُدّ من الكذب الفنيّ لنقل صورة الواقع بصدق!، فالتخييل ابن الواقع، وخيال الكاتب هو ابن مشوّه ومُحبّب لهواجسه وأحلامه إزاء هذا الواقع.

في شوارع المُدن الصغيرة وأبنيتها يحدث التغيير ببطء، ربما لأنها تحملُ طابعاً ريفياً ومدينياً مُشوّهاً من المُدن الكبيرة، ولأنّ النسبة الأكبر من المُترددين عليها ليسوا من قاطنيها، وإنما عابرون لقضاء أمرٍ ما والعودة إلى قراهم.

وكنتُ أُردّد دائماً أنّ أعمار البشر الحقيقية من عُمر الحجر.

والكتابة محاولة بناء أخري من الذاكرة للأماكن والشوارع، لكن ونحن نفعل ذلك نعلم أن هناك واقعاً جديداً قد تشكّل بالخارج.

في عام 2014م خضتُ مغامرة الكتابة عن شوارع المدينة في مقال مُطوّل نُشر في باب “كاتب ومدينة” بمجلة الثقافة الجديدة، كنت أكتشف المدينة من جديد مع كل حرف ٍ، وكل صورة ألتقطها بهاتفي، كنتُ أكتشف تاريخي الشخصيّ من خلال تأمُّل الشوارع، الأبنية، ولافتات الأطباء والمحامين، التي ازدادت بشكلٍ مرعب أثار دهشتي!، لكني ركّزتُ على تفاصيل حميمة وصغيرة شكّلتْ ذاكرتي وربما تاريخي الشخصيّ:

كُشك الجرائد والكُتب الوحيد الذي كان يلفظ أنفاسه ببطء حتى أُغلق ببطء.

المقهى الهادئ بجوار مدرستي الإعدادية الذي أُغلق وقتها، كما سمعنا، بسبب جريمة قتل وقعتْ أمامه!، وتحوّل إلى محل ملابس كبير.

البيت الهادئ من ثلاثة أدوار، المواجه لباب المدرسة الرئيسيّ، الذي أُزيل في غمضة عين، وأُقيم مكانه مبني زجاجيّ قبيح من خمسة أدوار يبيع كل شيء!.

                         *

منذ ثلاثة أيّام جلستُ مع الصديق “حسن الجزّار” علي مقهي يحتل رصيفاً كبيراً ونظيفاً، يقع شمال المدينة بمكانٍ هادئ لا يخدشه غير صوت القطار من وقت ٍ لآخر، كنت في مواجهة مدخل لسور يحيطُ بأرض ٍ فضاء وتاه اسم ذلك المبني من ذاكرتي، وكان موجوداً منذ ثلاثة أشهر فقط!،  فأسعفني حسن باسمه: “ده مبني الرعاية الصحية”

“والأرض هاتفضل فاضيه ومتحاوطه بالسور!؟”، تساءلتُ في دهشة.

“يا هتتباع، يا هايبنوا مبني جديد “، أجاب حسن بثقة؛ بينما كنت أتأمل ذكريات كاملة، حيوات، وتفاصيل، مرّتْ من هذا المدخل، في مواجهتي، يتيماً وبلا باب.

 

 

 

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار