سَيدة النص

رواية للبيع
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد غانم عبد الجليل

 لا أعرف من أين أبدأ بالتحديد، لكن يجب أن تكون البداية قوية، مشوِقة، ولا توحي بفكرة تقليدية، المهم أن أبدأ ولا أترك الحماس الذي باغتني عند اتفاق بيع النص يتبدد إلى غير رجعة، فالأمر لم يعد متعلقًا بالأهواء المجنونة، اهدأ وتعقل، فقط امضِ في الكتابة، دون محو جملة واحدة، حتى تتخلص الفكرة من تشنجها وتسترخي بدلال مغرٍ في فراش السرد الناعم والمثير، ذات إثارة فتنتها المنعكسة في نظرات العيون المحدِقة بها، رغم أنها ليست شديدة الجمال، لكن ملامحها من النوع المحَبَب، بعينين واسعتين قد توحيان بما لا تقصد، فماذا لو أنها تعمدت، بخفاءٍ ماكر، مصحوب بابتسامة تمد أي رجل مغتَر، ومحتقن الشهوة في آنٍ واحد، بثقة أنه الرجل المختار دون سواه للتربع على عرش أنوثتها المصقولة بنهدين رائعي الاكتناز وإن تداريا خلف ثوب من الأثواب، الواسعة إلى حدٍ ما، والتي كان يحرص زوجها الغيور أن ترتديها.

 هي المرأة التي كانت بانتظارك طيلة أعوام تخشُب أناملك ومقاطعتها للكتابة التي استحوذت على زهو أحلامك وانصرفتَ لأجلها عن سكينة بيت الزوجية والفرحة المتنامية مع عمر الأولاد، فلا تضِع آخر سبيل للنجاح أمامك، دونه ستظل مركومًا بين أنقاض الفشل.

 وكأن تلك الثرية الملعونة تعلم كل هذا عني، وربما أكثر، لذلك عرفت أين ترمي صنارتها بالضبط، واثقة من حصولها على مبتغاها، فما عليّ سوى التفرغ وانتشال تركيزي من شتات أيامه الراكدة ضمن ذات الإيقاع العبثي الممل، حتى لو اضطررت إلى أخذ إجازة طويلة من العمل، لكني أعرف إن هذا الأمر شبه مستحيل، فأنا لست ذلك الموظف المنضبط والكفء الذي يحرص صاحب العمل على ابقائه في شركته، ولستُ الوحيد المستعد لكتابة كلماته المنمَقة التي يتحمس لإلقائها كل فترة في مهرجان خطابي يمجد الحاضر ويلعن الماضي، أو لدى اقتراب الانتخابات البرلمانية التي تؤهله للحصول علي مقعد العضوية دورة تلو أخرى، مقابل مكافأة بالكاد تنفق على ليلة صاخبة لا أمضي مثلها سوى مدعوًا خالي الوفاض، فأستغل فرصة كرم السكارى الحاتمي لأستمتع (مجانًا) بساعات الانعتاق من صرامة دنياهم الخانقة.

 تُرى هل تعرف (سيدة الابداع المُشتَرى) عني هذا أيضًا؟ عليّ أن أفتش عنها في ذاكرتي جيدًا، من غير المستبعد أن أكون قد التقيتها في أي مكان اعتدت الذهاب إليه، ولو بين فترةٍ وأخرى، لكنني لا أعرف من تمتلك مثل هذه الرفاهية المسرفة إلى حد عرض مبلغ مغرٍ من أجل شراء رواية لم تحدِد موضوعها حتى، فقط ذكرتُ لها إنها تتمحوَر حول شخصية امرأة، دون أن أكشف لها عن أيٍ من ملامحها، عمرها، طبقتها الاجتماعية، صفاتها ومواصفاتها… ولا من أي بلدٍ هي، حالها حال من تراسلني، فأنا لست متأكدًا، أو بالأحرى لا أعرف حتى جنسيتها، تقيم في بلدها أم أنها مغتربة، مثل الكثيرين ممن شردتهم الحروب والصراعات وخيبة ثورة تلو أخرى، يومياتها في الفيسبوك لا تشي بشيء، اقتباسات وخواطر أدبية، بالإضافة إلى صور اغلفة نصوص كلاسيكية، أشك إنها قد قرأت جملةً منها، كما أن أصدقاءها من جنسيات مختلفة عبر العالم، على كل حال أنا لا أنوي تحديد مكان للأحداث، هذا أفضل وأكثر متعة، كي أعطي لعقلي حرية الخيال بالكامل، دون أن أخضع لأحداث أي بلد تُعتقل فيه الأفكار من قبل أن ترفرف أجنحتها.

 كنتُ قد أقسمت أن تكون السياسة لديّ من المحرَمات، منذ أن استدعاني رجل أمن الكلية ليسألني عن التلميح المُشار إليه ضمن قصة نُشرت لي في إحدى جرائد الحائط، وقد رسمتُ خلالها بعض ملامح الشخصية الديكتاتورية برؤية ساخرة تثير الضحك، أجبته في ارتباك من طريقة الاستدعاء بحد ذاتها أن النص يتهكَم من الأنظمة الرجعية التي سبقت ثورتنا المجيدة، ضحكَ ضحكة صاخبة زادت من رعبي أمامه، فصرتُ أشبه بحشرة تنتظر نفخة هلاكها، حدقتْ نظراته في قسماتي المسخوطة من شدة الخوف.

 أخيرًا رقَ قلبه لانكساري وتشبثي بحبل نجاة راح يتفلت مني دقيقة تلو أخرى، قال كما لو أنه يهدئ من روع طفلٍ تائه عن والديه إنه سوف يتناسى الأمر برمته لأنه يتفهم نزق الشباب وانفعالاته غير المحسوبة، ولأنه أيضًا لا يريد لموهبة مثل موهبتي أن تضيع سدى، أو ربما يتم استغلالها من قبَل أعداء الوطن بحجة كبت الحريات…

 خرجتُ شبه مهرول من غرفة مكتبه المنزوية قريبًا من بوابة الكلية، اجتزتها كما لو أنني في مطاردة ستجوب بي أنحاء المدينة بلا توقف لإلتقاط الأنفاس المبعثرة مني في كل شارع  وزقاق أمر فيه سريعًا ومن يلاحقونني يقتفون أثر خطواتي الراكضة بلا كلل يهبني فرصة الخلاص.

 في تلك الأثناء بالتحديد كانت تمر، شخصية السرد الأولى أقصد، في شارع جانبي، بسيارة صغيرة وقديمة الطراز لا يمكن أن تجذب الأنظار، تحدِق بين دقيقة وأخرى نحو المرآة الصغيرة المعلَقة أمامها كي تتأكد إن ما من سيارة تتعقبها، رغم أن ما من سبب يستدعي قلق السيدة المهابة، ذات السطوة المتنامية في بلادٍ تتغير وجوه صفوتها كل حين، بينما عرفتْ كيف تركن إلى الجانب الآمن، المستظِِل بسلطة القيادات العليا، منذ أن ذهبتْ إلى قصر الرئاسة كي تعلن براءتها من زوجها المعدوم حديثًا بتهمة الإعداد لانقلاب مدعوم من قبَل جهة أجنبية، نالتْ صك الغفران ومباركة بطل الأمة، وهو على أعتاب بدء مرحلة (نضال) جديدة، بعد أن تراءى للكثيرين إن دعائم نظامه موشكة على الانهيار…

 البيت الذي اشترته وجددت بناءه، من الداخل فقط، ثم فرشته بأثاثٍ فاخر مع كافة مستلزمات الحياة المريحة، يقع في حيّ متطرف بعض الشيء عن المدينة وضوضائها، بدأ بعض الأغنياء يشترون البيوت القديمة هناك كي يهدمونها ويبنون محلها بيوتهم الفاخرة، لذا تبدو المنطقة شبة خالية، إلا من الحرّاس، عند حلول المساء، بعد انتهاء يوم عمل طويل ما بين هدمٍ وبناء، أوقفتْ السيارة في مرآب الدار، خلف سيارته الجديدة التي أقنعته بشرائها لتناسب وضعه الجديد، تنهدت متذمرة من عدم مبالاته بما طلبت منه، أن يفعل مثلها، فيستخدم سيارة أخرى عندما يلتقيان، ثم أنه لم يغلق الباب الحديدي العالي، والذي كان من ضمن التحديثات التي قامت بها في حصنها الهادئ، حريصة ألا تكشف عنه لأحد، لم تبين له ضيقها كي لا تثير حنقه من تنكرها له ولتلك اللقاءات المنفصلة عن كل ما يتعلق بحياة كلٍ منهما.

 “لا يريد أن يفهم أني أخاف عليه أكثر مما أخشى افتضاح سر علاقتنا، رغم أنه يعرف جيدًا ما الذي وصلت إليه، وكما إن هناك الكثير من العيون التي تنظر إليّ بمهابةٍ أكثر من مهابة أي وزير وتتوَسل التقرب مني، هناك آخرون يترصدون تحركاتي ويريدون الإيقاع بي، إما بغية الانتقام من منافسيهم الذين ارتبط معهم بمصالح تعزز من مكانتهم داخل وخارج البلاد، وإما لغرض الابتزاز كي أنضم إلى فريق آخر من الفرق المحتمية بقبضة يدٍ قوية لا يمكن أن تضعف، والأهم ألا تبدي ضعفها، فأكون من أوائل المطرودين من الجنان السيادية”.

 السيادية، أم المخلبية، الحديدية… المباركة؟ لا يهم الآن، قد أعود إلى تحديد المفردات بدقة فيما بعد، لا يجب أن أجعل التحيّر في انتقاء كلمة حجتي للتلكؤ وأنا في خطوات البداية، حتى أنها وحبيبها لم يلتقيا بعد، لم يعتصر جسدها ولم تعانقه كما تترجى أشواقها نحو رجلها الذي جعلته مؤهلًا لمشاركتها الفراش بعد طول فراق سبق زواجها الأول.

 بددتْ حياته الشقية بالكامل، استبدلت خيباته بآمالٍ وأحلام لم يصلها خياله المجهَد من عناء سنواتٍ أمضاها ما بين حروب الجبهات، وحروبٍ أخرى كانت بانتظار نزعه البزة العسكرية الملطَخة بدماء رفاقٍ لم تُكتب لهم الحياة، لفظوا أنفاسهم الأخيرة أمامه، وسط أدخنة النيران المتصاعدة من كل صوب، لم يستطع أن ينقذهم تعالي صراخه في فضاء البرية، ولم تخمد جذوة الحياة في روحه تمامًا ليسَلِم نفسه إلى ذات المصير، فظل يمضي متطوِحًا في عرَض الصحراء، بما تبقى له من أنفاس تخفق بين أضلع صدره، حتى تمكن من الوصول إلى الخطوط الخلفية…

 تعانقه بحنوٍ كادت تنساه في غمرة صخب دنياها داخل قصورٍ توصد أبوابها على أسرار السلطات العليا، دولة أخرى ما كان يمكن لها أن تتخيلها من قبل، ولجتها بنظرات متلصصة وأذنين تسترقان السمع على همس الشفاه الغليظة المتفوهة بالخطب الرنّانة المهللة بأروع الانتصارات على الدوام.

 تشتعل حمى رغبته أكثر وأكثر ليؤكد لذة انتصاره على سادة دمار أعمار كثيرة، لا عمره فحسب، ولأطول وقتٍ ممكن، يستملكها بين ذراعيه فوق أحد أسرتهم الوثيرة، كما تهيء له مخيلته الشاردة في كل اتجاه وكأنها تجوب الصحراء الفسيحة التي عبرها من قبل، رغم تأكيدها له إنها جددت الدار واشترت كل أثاثه لأجلهما فقط، لا سرير العشق والأشواق الصاخبة فحسب، بمنأى عن كل شيء آخر، هي ذاتها تكون معه امرأة أخرى، فتاة في العشرينات من عمرها، ظلت تنتظره ولم تتزوج غيره، لم تنجب ابنة صارت في زهو الشباب.

 جميلة، جميلة جدًا ومثيرة، بدأ الشبان بملاحقتها، مما زاد من مخاوف الأم، لذا عملت على إقناعها بالسفر إلى الخارج من أجل إكمال دراستها، إلا أن الفتاة عاندت رغبة والدتها في إبعادها عن وحل المصالح والشهوات، أخبرتها في تحدٍ عنيد إنها تريد أن تكون محظية مثلها، صفعتها، ضربتها بقوة، ثم احتضنتها وأخذت تشاركها البكاء… دراما مسرحية كلاسيكية سأحاول التخفيف من وطأة انفعالاتها عند الكتابة.

 أشد ما كان يؤلمها حقًا، أكثر حتى من كل الثرثرة التي تداني الهمس حول سمعة والدتها وخفايا مغامراتها المثيرة للشهوة والحنق في آنٍ واحد، تلك الشائعات التي ظلت تتسرب إليها كالسم الزعاف كل حين بشأن ابلاغها عن والد ابنتها الوحيدة، أقسمت لها مرارًا إنها كادت تلاقي ذات المصير لو لم تعلن براءتها من زوجها المعدوم، ومن ثم الإذعان لمطالب السلطات الأمنية، بأن تكون من أعوان النظام وتنفذ بلا نقاش ولا تردد، لأي سبب كان، كل ما يًطلب منها.

 “ماذا كنتِ تريدين مني أن أفعل؟ أختار الوفاء لميِت لم يفكر في ما يمكن أن نواجهه جراء تهوره وحماقته وأضَحي بحياة ومستقبل طفلة بعمر العامين!…”

 داهية هي في الإقناع، وبقدر ما لديها من سحر وإثارة يكاد لا ينجو منهما أي رجلٍ يلتقيها،  تمتلك أيضًا صرامة مخيفة تجعل المرء يحتاط في التعامل معها، وكذلك يتخوف منها، من مدى تأثيرها عليه أن سلًم نفسه لإغرائها، من قدرتها على الاستيلاء على ما تريد دون أن يستطيع أقوى المنافسين، أو المنازعين، الوقوف في طريق مصالحها المتزايدة والمتشعبة في كل مكان، حتى هو ـ حبيبها القديم ـ صار يتوَجس من المرأة مغدِقة الحب والحنان والأنوثة بين يديه وفي أوصاله، يدرك أن كل هذا قد يتحول إلى النقيض ما أن يثير غضبها بأي تصرف تلاحظ أنه يدور خارج فلك إرادتها إلى الحد الذي لا يمكن لها التجاوز عنه وكأنه لم يحدث.

 عاتبته عندما قرر الزواج دون أن يخبرها، أخبرته إنها فوق كل منافسة مع أي امرأة أخرى، ولو تزوج وطلق العشرات ستبقى لعلاقتهما خصوصية تسمو فوق أي ارتباط يجمع أي إثنين، ولمّا أخذ يتوَسع في تجارته أبلغته بغنجٍ يغشى صرامة أمر لا مجال لمناقشته أن يأخذ رأيها في كل ما يود فعله، في أمور عمله خاصة، لا أن يتركها تعرف عنه ما كان يجب أن يخبرها به بنفسه، لأنها تعرف ما لا يعرفه أكبر تجار البلاد الذين يسعون لكسب رضاها من أجل تيسير أعمالهم ومضاعفة أرباحها، فلا يجرؤ أن يجادلها أحد بشأن أي نسبة تقررها… ثم يجب ألا ينسى إنها شريكته، حتى وإن كان كل شيء مسجلًا باسمه، دون أن تأخذ عليه أي ضمان، معها سوف يعلو ويعلو بسرعةٍ لا يدركها عقله، وقد أدركه الوهن قبل أن تعثر عليه كي تجدد معه عنفوان الشباب الآخذ في الأفول.

“إياك أن تتلاعب معي، حتى لو كنتَ الرجل الوحيد الذي أحببته يمكن أن تصيبك لعنتي التي يخشاها الجميع…”

 كوَمتُ الكثير من الأحداث مرةً واحدة، وبسرعة استغربتُ تدفقها، بغزارة منعشة بعد جفاف سنوات ظننت خلالها إني لن أعاود الجلوس لساعات كي أنصت إلى شخصيات ترتسم في مخيلتي كما أشاء، بالتأكيد تحتاج إلى الكثير من التشذيب لدى تجسيد ما كتبته في أسطر ضمن أحداث تلملم شتات العاشقين.

 عشق حقيقي أشقاه ظمأ الحرمان طويلًا، أم سيل من الشهوات المسترسلة ضمن رغبة في التملك والاستحواذ والسيطرة؟ في كلتا الحالتين تتحول علاقتهما إلى حرب خفية تدور بينهما في سوح الفراش، محاولة للتعويض تبقى دون ارتواء، وقد فقدَ كل منهما طمأنينة أحلامه التي كان يجدها في عينيّ الآخر، يشعر بها ولو عبر لمسة حب دافئة وقبلات لا يسعيان إلى تفسير خباياها…

 تداعيات مشاعر وهواجس مضطربة تواصل التدفق كي تطرز ثنايا السرد، يمكن للاسترسال في تفاصيلها ملء عشرات الصفحات، قد لا تستحقها ثَرية الماسنجر، لكنني لا أستطيع خنقها داخلي ما دمت قد غطست في بحر الحكاية.

 حكاية امرأة جدلت شخصيات العديد من النساء قبل ملامح وجوههن وإغراء أجسادهن، رغباتهن تتحول إلى أوامر، حتى لو نجحنَ في تجسيد دور الضحية المغلوبة على أمرها، تنساق مرغمة نحو شهوات ذوي النفوذ والسلطة، تترك مخالبهم تنهشها باستكانة الضعيف الخاضع للمهانة في صمتٍ أقرب إلى الخرس المخَضَب بدموعٍ اعتادت التواري عن الجميع…

 ليس مثل هذه المرأة الذليلة من تغريني بولوج عالمها المنغلق على نصوص كلاسيكية تثير السآمة والجزع وتشحن العواطف والانفعالات الباكية، إنما المرأة التي تجبرني على عشقها، رغم كل ما تبدي من غطرسة، أتشبث بها لتكون وسيلتي إلى مكامن خصوصيتها التي تريد دومًا حجبها عن العيون لئلا يُستشعر فيها ضعفًا يتم استغلاله من قبَل كل من تعرف، لا الرجال المنجذبين إلى سحرها الأخاذ فحسب.

 توَجهني ثرثرة أفكاري، عن عمد أو دون عمد، نحوها دون سواها، زميلتي المثيرة أكثر من أي امرأة عرفتها، أدركتْ مغزى نظراتي المخاتلة، مثلي مثل الكثيرين، نحو مفاتنها التي تبدو لي أشبه بشاشة عرض مستمر تتحرى عن أثر إغوائها في نظرات العيون المتطفلة لتتخيّر هي أي عينين تستحقان اقتناصها، إذ تتحول من فريسة عصية على الإمساك إلى مفترِسة يسوق الدلال طريدتها المستمتِعة بوهن الاستسلام حتى النهاية نحو شَرَك مخالبها الناعمة.

 كثر الكلام وتنوع بشأن علاقاتها وعشاقها، صدقتُ بعض تلك الشائعات وكذبتُ البعض الآخر، لعل أكثرها مثارًا للدهشة أنها مبعوثة صاحب الشركة إلى من يود الدخول معهم في شراكات وصفقات كبرى لإقناعهم بشروطه، أغلبهم من الأجانب الذين يأتون في زيارات سريعة من أجل الاستثمار في بلادٍ يتسول أبناؤها فرص العيش عبر قارات الدنيا، لكنني أجد في هذا الأمر مبالغة كبيرة قد تصلح لأحد أفلام الإغراء والسلطة والمال التي تجذب الكثيرين من أجل متابعة مشاهدها الجريئة، تبقى دون غيرها في الذاكرة، أيضًا قد تناسب رواية أسعى أن أتناول من خلالها تلك الشخصية الثرية، التقليدية لدى البعض، بشكل مختلف تمامًا، ولم أعرف أن الفكرة التي داهمني سياق سردها بسرعةٍ غريبة ستكون بمثابة مسرى اللقيا الحقيقية لبدء حكايتنا، بعيدًا عن إغراء المال أو أية مصلحة، فأنا بالكاد أستطيع كل حين طرق باب دار فتيات كادحات يرضينَ بالقليل ضمن الواقع البائس الذي اضطرني إلى كتابة رواية في مقابل حزمة من النقود، تلَوِح لي بها امرأة مجهولة كل صلتي بها مراسلات محتجَبة داخل هاتف بحجم قبضة اليد.

……………………….

* فصل من رواية “رواية للبيع”

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون