سَرْحانة في كتاب

محمد الفخراني
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد الفخراني

القراءة تُجَمِّلنا، ونُجَمِّلها.

واحد من أكثر المناظر جمالًا.

أحد أجمل المناظر.

مِن الأكثر جمالًا: فتاة سَرْحانة في كتاب.

في كل مرة أُصادِف هذا المَنْظر أتوقف عنده، ربما أتوقف بمكاني لثوانٍ، أو أتمهَّل في المشي، أيًّا كان.. كلما صادَفْتُه أعطيه وقتًا خاصًّا، لأنه يعطيني وقتًا خاصًا.

أعتبر هذا المنظر هدية خاصة تظهر لي، وأنا لا أُفَوِّتها أبدًا، ولا أُفوِّت الاستمتاع بها، ولا أنسى أن أقول لها: “شكرًا”.

أُصادفها في معارض الكتب، فتاة جالسة على الأرض سَرْحانة في كتابها، ظَهرها يُلامس جدارًا أو شجرة أو لا شيء، فتاة جالسة على مقعد في محطة قطار، أو داخل عربة قطار، مترو، أتوبيس، صالة انتظار بمطار، أو مقعد في مقهى، أو جالسة على رصيف لشارعٍ جانبي.

كل هذه، وغيرها، فُرَص لأصادِف هذا المَنْظر الفاتن.. لنتقابَل.

مَنْظَرٌ هو بذاته قصة حب.

فتاة سَرْحانة في كتاب: أحد أجمل تجليات الذكاء.

للحظة أو أقلّ أفكر فيما تقرؤه الفتاة، وأتجاوز هذا، لا يُهِمّ، أنا أفكر في جمال المَنْظَر، هل تعرف كم هي جميلة وفاتنة، كيف يمكنها أن تكون بكل هذا الجمال.  

البساطة، الشفافية، الحضور، الطفو، وكتابها أيضًا سَرْحان فيها، يحبها، مُغرَمٌ بها، ينظر فيها، متماهيان معًا، كأنه جزء من روحها، كأنها تقرأ شيئًا منها هي ذاتها، أو شيئًا هو كل الغرابة عنها.. كل الألفة معها، حالمة وخيالية وحقيقية، لطافة وخِفَّة، وذكاءها شفاف ومرئي، يضيء وجهها وعالمها من حولها، يداها تزيدان الكتاب جمالًا، والكتاب يزيد يديها جمالًا، هذا الجمال الذي ينتقل منها إليه ومنه إليها في اللحظة نفسها، يدور بينهما، جمال مرئي ومحسوس، يزداد الكتاب جمالًا كونها تنظر فيه، وينظر الكتاب فيها فيزيدها جمالًا.

فتاة سَرْحانة في كتاب: إحدى أجمل رقصات الحياة.

هي بهذا المَنْظَر: فتاة سَرْحانة في كتاب، يمكنها أن تُنْبِتَ العالمَ من حولها، يَنبْتُ حولها فِعْلًا: شجرة تصعد بجوارها، مطر خفيف يهطل، عُشْب يكسو الأرض، نهر يَمُرُّ، بحر في المدى القريب، طيور وحيوانات، شمس، قمر، شوارع، نجوم، ليل، نهار، ألوان وموسيقا، وتستمرّ هي بالنظر في كتابها ويستمرّ العالم في النموّ حولها، بسببها، هل تشعر هي بذلك، ها؟ هل تشعرين به يا فتاة سَرْحانة في كتاب؟

كيف لعَيْنٍ ترى هذا المنظر ولا تتوقف عنده، كيف ليدٍ تُصادفه ولا تتشوَّق أن تربت عليه، كيف لقلبٍ يقابله ولا يبتسم له.

هناك لقطات ومناظر تجعل الروح تَدُبُّ في عالمنا، وتمنحه جمالًا وفتنة ورقَّة، تجعل مزاجه رائقًا وشفافًا، أحد هذه المناظر: فتاة سَرْحانة في كتاب.

مَنْظَر يمكنه أن يُحَسِّن مزاج اليوم بكامله.. أقصد اليوم نفسه، بذاته، اليوم كله سيتوقف عند هذا المَنْظر، يتفرَّج عليه ويبتسم.

فتاة سَرْحانة في كتاب: إحدى أجمل ابتسامات الضوء.

ماذا لو رَسَمْنا خطًّا بين كل فتاة سَرْحانة في كتاب بالعالم، كيف سيكون مَنْظَر كل هذه النقاط السَّرْحانة في كتابها، ماذا ستُشَكِّل معًا،  لو أن لَقْطَة للعالم من أعلى، ما الشَّكْل الذي نراه وقتها عندما يَظْهَرن معًا: كل فتاة سرحانة فى كتاب، وكيف يكون شَكْل العالم.

أفكر في فتاة تقرأ كتابًا بأصابعها لأنها لا ترى بعينيها، وأفكر في فتاة تستمع إلى كتاب لأنها لا ترى بعينيها ولا تعرف القراءة بأصابعها، وأفكر في فتاة تستمع إلى كتاب، هي ترى لكنها لا تعرف القراءة بأيّ وسيلة.. كلهن، كل واحدة منهن: فتاة سَرْحانة في كتاب.

فتاة سرحانة في كتاب، ليست حُلْمًا يجلس هناك، ولا لَحْنًا جميلًا، ليست مزيجًا من أجمل أشياء، فقط هي: فتاة سَرْحانة في كتاب.

  “فتاة سرحانة في كتاب”، لا تحتاج أن نُشَبِّهها بأيّ شيء لتكون أجمل مِمّا هي عليه.

  ويَبقى عالَمنا بخير وجمال طالما فيه هذا المَنْظَر: فتاة سَرْحانة في كتاب.

 

 

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار