سنة القطط السمان: الباحثون عن اللؤلؤ فى عالم ما قبل النفط!

سنة القطط السمان
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسن عبد الموجود

حين بدأتُ قراءة رواية «سنة القطط السمان» للكويتى عبد الوهاب الحمادى صُدمت، فمن السطر الأول طالعنى «الراوى المخاطب» ثقيل الظل وهو يحدِّث بطلها «مساعد»، وقد ظلت الصدمة ماثلة فى رأسى لصفحتين أو ثلاثٍ، حتى فوجئت بنفسى منسجماً مع الأحداث، عائداً مع البطل إلى ثلاثينيات القرن الماضي، مستعيداً مثله الكوارث الضخمة التى حلَّت بالكويت، من جرَّاء السيول التى جرفت الناس والبيوت، وسنة «الهدامة» التى نكَّست المبانى وسوَّتها بالأرض، ثم نسيت ذلك الراوى تماماً فجأة، حتى أننى سألت نفسى حين انتبهت: أين ذهب؟! وفهمت أن الحمادى قد وظفه ببراعة، وجعله يتحدث لغة سهلة، ومنحه وظيفة نقل المعلومات المهمة للقارئ، فاكتسب أهميته، وصار عين القارئ على «مساعد»، والأشخاص حوله، وأولهم منصور التاجر الذى يعمل عنده كاتباً، وكذلك الحال مع المعتمد البريطانى ديجورى الذى أوصى منصور بأن يعمل لديه «مساعد» كاتباً أيضاً، أى أن الراوى المخاطب لم يكتف بسرد ما يراه فقط بطريقة مملة، لكنه لعب دوراً مهماً فى تطوير الدراما، وفى كشف ما يخبئه مساعد تحت جلده، فماذا أخبرنا؟

يقترض مساعد من منصور بعض المال لمشاركة «الهندستانى» فى مطعمه، لكن الشرطة تقبض على الهندستانى لأنه يبيع لحم القطط للناس، ويطلب منصور من مساعد أن يعيد إليه المال، لكن المال ضاع طبعاً، وبالتالى يضع منصور يده على بيتى عائلة مساعد، فيشعر بالضياع الكامل، لأنه شرَّد أمه وزوجته، ويفكر فى سرقة بندقية المعتمد البريطانى لينهى حياة منصور.

ليست الحكاية هى ما يهم فى الرواية، ولكن فى المحاولة الذكية لرسم العلاقات بين السلطات المختلفة. فالسلطة الدينية ممثلة فى «الملا فالح البطانة» لها تأثير السحر على الناس، وتمنح المتحدث بها قوة مطلقة، وإن كان الملا فالح البطانة قد مات، فيمكن وضع شخص شديد التفاهة مكانه، هو خليفة، ومنحه لقب «الملا» فيصبح الملا خليفة، فتغير السلطة ملامحه وتمنحه المهابة المطلوبة.

كما أن سلطة الحكومة تواجه تحدياً من نوع خاص، إذ كان عليها إثبات قدراتها أمام المعتمد البريطانى ديجوري، حين أمر بإخراج «الهندستانى» صاحب المطعم لأنه أحد رعايا الملك جورج السادس، بل إنه قرر إجراء محاكمة صورية فى بيته، وهى خطوة كان يقصد بها غالباً كسر أنف رجال الحكومة.

هذه الرواية الرائعة تعود بنا إلى الزمن الماضى لتمنحنا فكرة عن الحياة قبل اكتشاف النفط، وكيف كان الناس يعيشون حالة من الفقر المدقع ينحنون أمام شيوخ الدين والمسئولين والمعتمد البريطاني، ويفقدون أرواحهم غالباً وهم يغوصون لمطاردة أحلام اللؤلؤ.

مقالات من نفس القسم