رواية “أنا العالم”: الكتابة في مواجهة الوحدة والخواء

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 102
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

فايز علام

 طرح الروائي "هاني عبد المريد" في روايته الجديدة "أنا العالم" فكرة الشعور بالاغتراب والوحدة داخل المجتمع، وكيف أن الكتابة يمكن أن تكون علاجاً لهذه الوحدة، وخلاصاً منها، فبطل الرواية شاب وحيد يخلق عوالم متخيّلة ويعيش فيها، ويكتب عنها، مازجاً الوقائع بالأساطير.

يحكي بطل الرواية “يوسف عبد الجليل” قصة عائلته، بدءاً من الجد الأكبر الذي ترك القرية البعيدة وأتى إلى القاهرة، منتظراً تحقق النبوءة في أن يكون من بين ذريته شاعر، وجدته التي كانت لها طقوس غريبة، وأسرار ومعجزات في شفاء الناس من أمراضهم. مروراً بوالده الذي يرى في مهنته “رفو الثياب” (إصلاحها) فلسفة، ويمتلك حضوراً طاغياً على أي مجلس، ووالدته التي ينتهي بها الحال بين القطط في “عشتهم” ولا تفارقها ليل نهار، وانتهاء بالأولاد الذين ولدوا لهذه العائلة، وكل منهم يحمل عاهة ما، لم ينجُ منها يوسف الذي ولد بعينين مختلفتين، واحدة بلون السماء والثانية بلون الحقول، “ما لم تقدم له غالية تفسيراً، هو العاهات التي نعاني منها، والتي تبدو لي كلعنة أصابت أولاد عبد الجليل، وكأنه يتاجر في الفاكهة المعطوبة فقط، حتى أن عيني المختلفتين تبدوان لي أهون العاهات، فالتالي جاء بما يشبه غرة الحصان، الذي يليه جاء مزدوج الأسنان، التالي كان يضحك لكائنات لا يراها سواه“.

هكذا، يروي “يوسف” فصولاً من سيرة العائلة، ضافراً الوقائع جنباً إلى جنب مع الأساطير العجائبية، والفانتازيا، في بناء غريب للرواية، التي تتشكل من مجموعة حكايات وأحداث تأتي إلى ذهنه بما يشبه التداعي الحر، دون أن يكون التسلسل الزمني أو المكاني أو الموضوعي عائقاً في وجهها، إضافة إلى تضمينه الرواية مجموعة من “المشاهد المربكة” التي تأتي إلى رأسه، معبّرة عن مخاوف معيّنة لديه، كما يضمّنها مشهداً مسرحياً كان والده يؤديه أمامه، وقصة قصيرة بعنوان “تقرباً للصحراء” كان “يوسف” قد ألّفها.

كل ذلك التعدد والتنوع الذي نراه في الرواية له ما يبرره، إذ نكتشف في منتصفها أن كل تلك الكتابة وما يليها، هي عبارة عن خواطر “يوسف” وخيالاته، بعد أن أقنعه معالجه النفسي أن كتابة مخاوفه ستبددها، لكنه بدل أن يكتب عن مخاوفه فقط، صار يكتب عن كل شيء، فقد وجد في هذه الكتابة الوسيلة التي تبعد عنه شبح الوحدة والعزلة، “أنا العالم. هكذا كانت أول الجمل التي كتبتها، هكذا كان شعوري، أنا العالم وكلي أسف، أنا العالم وشعور الوحدة يملؤني. فراغ، لا شيء سواي، العالم فراغ ممتد أمام عيني إلى ما لا نهاية، (…) بقيت أكتب وأكتب، وفي روعي أنه عندما يسألني أحد لماذا تكتب؟ سأجيب على الفور، أنني أكتب كي أبدد مخاوفي وشعوري بالوحدة، أكتب حتى لا ينتهي العالم“.

يشتبك فعل الكتابة في الرواية بفعل الحب، فالبطل يحاول على امتداد السرد الإجابة عن سؤال واحد: “لماذا أحبك هكذا يا ريم؟”، فتراه يروي حكاياته الفانتازية تارة، ثم يعود إلى الحكي عن علاقته الغرامية مع “ريم” تارة أخرى، محاولاً معرفة سبب حبه لها، ومع تتابع السرد يجد العديد من الأسباب، لكن أبرزها: “سأقول لك يا ريم لماذا أحبك هكذا، جاءني ظن أنه ربما يكون لأنك الوحيدة التي تدفعني للحكي، بدونك أنا صندوق أسرار مغلق بمتاريس عتيقة، معك أبوح، وأستلذ البوح، دون أن تطلبي مني ذلك، معك أثق وكأنني أعترف أمام نفسي، لذا سأحكي ما لم أحكه لأحد قبلك“.

نجد في الرواية أن الحب والكتابة فعلان متلازمان في حياة البطل، فعلان متممان أحدهما للآخر، غير أن صوتاً آخر يبدأ بالظهور في ثنايا السرد. إنه الرقيب، الذي يفرد له الكاتب صفحات عدة تحت اسم “صفحات مدسوسة من الرقيب”، ويسمح له بمطاردة الراوي، وحصاره، والتضييق عليه بذريعة أنه يحمي الشخصيات من المؤلف الذي يتحكم بمصائرها. يطرح الكاتب أفكاره حول الرقابة بأنواعها من خلال هذا المحور، لكن “يوسف” يهزم الرقيب أخيراً صانعاً أسطورته الخاصة بين “ظلال أوراق النعناع الذي لم يذبل، ولم يفقد رائحته أبداً“.

هاني عبد المريد روائي مصري من مواليد عام 1973، له ثلاث مجموعات قصصية: “إغماءة داخل تابوت”، “شجرة جافة للصلب”، و”أساطير الأولين” التي حازت المركز الثاني بجائزة ساويرس الثقافية 2013. كذلك صدرت له ثلاث روايات، هي: “عمود رخامي في منتصف الحلبة”، “كيرياليسون” التي حصلت أيضاً على جائزة ساويرس الثقافية 2009، و”أنا العالم“.

………………….

موقع رصيف22، بتاريخ 14 يوليو 2016

عودة إلى الملف

 

 

مقالات من نفس القسم