رسائل مع دفا “2”

تشكيل
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ممدوح رزق

“وهج قصير من الصرخات المكتومة”

دفا…

لا أدري بالفعل: هل احتوتك هذه اللحظة من قبل أم لا؛ أن تجلسي وحيدة في المنزل، وحيدة تمامًا، حيث كل شيء صامت كميت غادره منذ قليل قاتل سري.. تتطلعين إلى ما حولك ثم تهزين رأسك مبتسمة وعيناك لأسفل.. حقيقة أنت لا تنظرين لشيء محدد.. فقط.. تشعرين بأن الأمر لا يناسبه سوى أن تفعلي ذلك.. هذا ما يناسب أنك بالفعل لا تعرفين.. أنك غير مصدقة.. تبتسمين أو تضحكين في أعماقك لمجرد أن البكاء في تلك اللحظة يتوقف عن أن يكون ذا جدوى.. نعم.. كيف يمكن أن تسير الأمور هكذا؟!.. تهزين رأسك وتبتسمين.. ما هذا الذي يحدث بالضبط؟!.. تهزين رأسك وتبتسمين.. كيف؟ّ!!.. لماذا؟!.. وهكذا.. كأنك تتفحصين أشلاء حميمة جدًا تعجزين عن تسميتها.. ثم.. تنهضين في ترنح مذهول لا يريد شيئًا.. أي شيء سوى فقط أن يعرف الفرق المؤكد بين الحياة والموت.. ولأنه لن يعرف؛ ستتوقفين فجأة عن الابتسام وعن هز رأسك مقررة أن الأمر أصبح سخيفًا بدرجة لا تحتمل.. لأن العالم ببساطة لم ينته بعد.. وأنك ستستمرين في التنفس وفي تحاشي الموت كما يريد ذلك القاتل السري الذي لم يغادر منذ قليل.. فقط.. كان مختبئًا كجبان ليراقب نتائج مزحته المتكررة ويضحك.

دفا…

هل يمكن لما سأكتبه الآن لكِ أية جدوى؟.. حقيقة لا أعرف.. لكن فقط أشعر بضرورة أن أكتب لكِ.. حتى ولو كان بلا جدوى.. من يمكنه أن يتحدث أصلا عن جدوى الأشياء!…

كنتِ ومازلتِ بالنسبة لي مجموعة احتمالات مختلفة ومتعددة (عادة ما يكون الآخر هكذا في نطاق عدم الاحتكاك المباشر ولو أن العكس صحيح أيضًا).. منذ البداية اخترت أن تكوني الاحتمال الذي أريده.. أن تكوني ذلك الطائر الذي يشاركني السقوط بنفس الطلقة الواحدة.. هذا ما كنت أريده بالفعل.. وهذا ما أردت أن تكونيه معي.. لا أستطيع أن أقول أنني قررت ذلك بمنطق خاص من جانبي.. لا.. معطيات كثيرة جدًا منك أثبتت أنكِ بالفعل كذلك.. كل ما يشكّل تكوينك كحالة غير عادية ومختلفة في العالم.. كل تفاصيل ألمك وأرقك وأفكارك وحزنك وضحكاتك وحيرتك ودهشتك و أفراحك العابرة وتساؤلك المتكرر للأشياء.. كل هذا كان مبررًا كافيًا لأن تضمني لي صلاحية تحقق ذلك الاحتمال الذي طالما بالفعل تمنيته وحينما كتبت عنه كنت مؤمنًا به ويائسا منه.

ما الذي حدث؟!

هكذا تساءلنا كثيرًا ولم تكن الإجابة صعبة كما تعرفين.. أن الأمر لم يعد مرة واحدة.. ماذا تعني أصلًا المرة الواحدة ؟.. لا شيء.. أنا هكذا.. وأنتِ هكذا.. (ذاكرتان مختلفتان تتصافحان بحزن).. لا أريد منكِ شيئًا.. لا تريدين مني شيئًا.. لأننا فقط (لا نعرف سببًا للذي حدث.. ويحدث.. وسيحدث).. لا أكثر.. نمر كوهج قصير من الصرخات المكتومة.. لا يمكن لأحد أن يشعر به أو يحتويه.. لأنه عجوز جدًا.. ومتعب جدًا.. وضئيل جدًا.. ولم يعد يفترض الخلاص.. فقط.. يشير بسلام شاحب وواهن للأشياء وللكائنات التي عرفها والتي لم يعرفها.. كأنما يقسم بعدم فهمه أنه لا يصدق.. نعم.. تحية محتضِر يبتسم ابتسامته الأخيرة للشر (صباح الخير أيها الخوف).. لأنه ببساطة سينتهي دون أن يعرف.

كان من المفترض أن يكون الأمر بيننا مجرد توحد خاص جدًا.. وعابر جدًا.. لسبب بسيط.. حيث يتوقف الأمر في هذه اللحظة عن أن يكون رجلًا وامرأة.. لا.. رجل وامرأة في حالة استثنائية غير معهودة.. تخيلي.. رجل وامرأة اتفقا على ألا يريدان شيئًا من بعضهما بل يريدان أن يصنعا معًا حكاية مختلفة عن الموت.. لن تُقرأ أو تُسمع.. حكاية ليست لها غاية سوى أن تحدث فقط.. (لأن الذي حدث سيظل كما هو، والذي يحدث سيظل كما هو، والذي سيحدث سيظل كما هو).

تصوري معي: هل كان من الممكن أن نتكلم معًا للمرة الأولى لنتعاطى سويًا في تلك المرة كل شيء.. الهزائم.. الهواجس.. الأفكار.. الخوف.. الألم.. الضحك.. الحزن.. الصمت.. التساؤل.. الابتسام.. الذكريات.. الموت.. كل شيء.. كل شيء.. ثم في النهاية نتبادل تحية الوداع وينتهي الأمر دون أي تواصل من أي نوع بعد تلك المرة ؟!.. هل كان من الممكن أن يحدث ذلك؟!

صدقيني لا أعرف.. بالفعل لا أعرف.. أنا مؤمن جدًا بجمال تلك التجربة بما يطابق إيماني بأن الحزن كائن جميل.. لكن كيف يمكن أن تتحقق.. العادي والمنطقي ألا تتحقق.. وهذا ما حدث (سبق وسألتك من قبل هل العالم بالفعل أقوى من المرة الواحدة؟) يبدو أن الأمر فعلًا كذلك.. لكن يكفي أن يظل هناك دائمًا ذلك الشعور الثمل الرائع باحتمالية تحقق الأمر (الاحتمال يجعل الأشياء تحدث حتى ولو لم تحدث).

بالطبع.. هناك استيعاب تام لديك بأن الأمر بيننا بتجاوزه للمرة الواحدة صار في نطاق ما يحدث دائمًا، حيث أصبحت المسألة ببساطة عبارة عن محاولات مستمرة ومتكررة وسخيفة لإثبات الذات من خلال الآخر.. أنا أريد منك.. أنتِ تريدين مني.. أنتِ لست كما أريد.. أنا لست كما تريدين.. هكذا.. قلت لكِ كثيرًا أحبك.. مثلما قلتيها لي.. ومثلما قالها ويقولها وسيقولها ربما كل من في هذا العالم.. هل تفهمينني؟…

دفا…

أنا لا أريد أن ينقطع تواصلنا.. لكنني فقط أريد أن تحاولي معي تجنب المزيد من الخسائر الحتمية الناجمة عن فساد الأمر.. ولأنك ـ كما سبق وذكرت لكِ ـ مجموعة احتمالات مختلفة بالنسبة لي، أتفحصها بين راحتي يدي وأنتقي منها ما أريد؛ فاسمحي لي أن أجعلكِ احتمالًا مغايرًا لما سبق واعتبرتك مناسبة له.. هذا الاحتمال كان واردًا بالطبع منذ البداية، ولكنني كما أخبرتك اخترت الاحتمال الذي أريده، والآن أنا أريدك كصديقة رائعة (الأصدقاء يكذبون ويخونون دون اعتبارات حمقاء وساذجة).. ما رأيك؟.. أصدقاء.. مسموح لنا بكل شيء تسمح به الصداقة: نصدق ونكذب بلا مسئولية تجاه الآخر.. ربما ينتج عن هذه الحالة ما يضاف لرصيدنا من التجارب، ولأنه بيننا ـ ولا تنسي ذلك ـ لحظات جميلة سابقة.

ممدوح 

السبت 4 سبتمبر 2004

“ما تسمح به يد الموت”

ممدوح

لا أعرف مثلك ما الذي يعنيه أي شيء؟ ولأجل أي شيء كان أي شيء؟…

المرة الواحدة تعني أن تسأل دون تفكير بأني أسمعك: لماذا لم يكن الأمر رائعًا كما ينبغي؟.. ربما المرة القادمة!.

هذا ما يحدث دائمًا، ويحدث الآن…

لم يكن رائعًا كما ينبغي عندما كانا الحالة الاستثنائية؟

لم يكن رائعًا كما ينبغي عندما تبادلنا كلام الحب؟

لم يكن رائعًا كما ينبغي عندما………….و عندما……….و عندما…..إلخ

لم أعد أتساءل مثلك عن وجود تلك المرة الواحدة التي هي أقوى من الحياة، لأنه أصبح يشغلني شيء واحد فقط: لماذا لن يكون الأمر رائعًا كما ينبغي؟.. هل تفهمني؟

أنا أيضًا أريد التحدث معك مجددًا، ليس كصديقين، وليس كحبيبين، وليس كحالة استثنائية تحدثنا عنها طويلًا.. أريد أن أتحدث معك بلا هدف، مثلما تحصل كل الأشياء بلا هدف.. دون أن أعيق يد الموت أن تمتد كما تشاء لما تريد أن تاخذه منا.. فقط أريد أن أتحدث معك لأني فقط أريد ذلك، و يسمح لي الموت بذلك حاليًا.

ارسل لي رسالة اليوم من فضلك يا ممدوح

دفا

الأحد 5 سبتمبر 2004

مقالات من نفس القسم