صابر و راضى

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 شريف الغريني

قرية باردة و البحر فيها دائماً هو السيد الغضوب . تقف على حوافه بيوت الصيادين متردية مرتعشة و مستسلمة ، توارثوا اسطورة " البحر سيرضي عنهم و سيلقي إليهم كنزا ذات يوم" ، مات أجدادهم دون ذلك ولم تتحقق الاسطورة ، ظل إيمانهم بها يتجدد و يقوي من جيل إلي جيل إلي أن جاءت تلك الليلة الباردة بعد أن خلفت وراءها نهارا بائسا , اجتمع صابر وأهله حول النار , ارسوا فوقها القدر الوحيد لديهم والقوا فيه قطع اللحم ! قال لزوجته بعد أن شبع أنفه من البخار المتصاعد من القدر "لا يوجد أحلي من رائحة اللحم المسلوق في ليالي الشتاء الباردة".... رفع يديه للسماء داعيا لمن نفحه الفخذة الضأن التى صارت قطعاُ تتقلب فى النار:

– عفي الله عن اصحاب القافلة وأبقي وأكثر من أمثالهم …

لم يرضى ذلك الزوجة التى كانت صابرة قبل ان تصبح مؤخراً ناقمة ، أعيتها الحيلة لتدبر أمور الحياة ، قالت “طبعا ! ما بقي امثالهم الا ليساعدوكم علي التسو ل … يارجل اتذكر اخر مرة زارنا فيها اللحم قبل هذه ؟!

زوجة الصياد الحزينة هذه قبلته زوجاً مجبرة وآملة ، لكنها سقطت فى ملوحة الفقر عندما جاءت من الريف هاربة من مرارة الصبر .

كان الرجل يتعلل دائماً أمامها مثل بقية أهل القرية :

– ما حيلتي؟ لم تمر قوافل منذ شهور!

– تعني أنك لم تجد من يتصدق عليك منذ شهور ؟ …و الله لو كان الأمر بيدي لتركت هذه البلد و بحثت عن بلد آخر .. مالذي يبقيكم هاهنا! … لا بحر يجود .. ولا أرض و لا سماء ..مالذى يبقيكم !!

– الكنز ، قريبا جدا سنصبح أثرياء ، كل النبوءات  تؤكد أن الآوان قد اقترب

– أف

– تقولين هذا لأنك لست من أهل هذه البلدة

– كان يوما أسود

– ماذا تقصدين؟

– اليوم الوحيد الذي خرجت فيه من قرية الصيادين لتزورنا

– (متظاهرا بالندم ) نعم , كان يجب أن اتزوج ابنة صياد ، لكن … النصيب غلاب !

أومأت مستنكرة .

– نعم إنه النصيب الغلاب.

وضعت في فمه قطعة كبيرة من اللحم , عله يصمت …. ناموا بعد أن استقر اللحم والمرق في بطونهم التي لم تعتد إلا الخواء والجوع ، اتفقت معه وهى تحل جدائل شعرها المرهق علي أن يذهب بكرة إلي البحر مع أول شعاع ليصطاد ويبع ويكسب قوته كالرجال و هددته بأنها ستذهب للصيد إن هو لم يفعل ، لم يستيقظوا حتي انتصف النهار، أيقظتهم أشعة الشمس المتسربة من شقوق اسقف وجدران المسكن.

اعدت له الشاي ، ثم وضعت شبكته علي عاتقه

– اذهب…… فتح الله عليك

في منتصف الطريق بين المساكن والخليج التقي براضى و آخرين عائدين من الصيد ، تبادلو التحيه.

قال راضى

– انتصف النهار يا صابر! هل تنوي الصيد في منتصف النهار؟!!

( بهدؤ واثق) نعم

– وفقك الله ورزقك من حيث لا تحتسب!

مضي في طريقه حتي بلغ مجمع الخلجان ، احتفظ بسرواله و تحلل من بقية أسماله المهلهلة ، القاها بجوار حطام قارب صغير . بسط شباكه وراح يذرع الشاطيء حالما ، ولي أدباره للبحر ونظر إلي شرق الجنوب حيث طريق القوافل ، ترك شباكه مبسوطة و راح يخطو متسللا نحو الطريق ، اعتدل في مشيته عندما علم أنه لا يتسلل إلا من نفسه التي تلومه ، راح ولم يقابل أي قافلة ، تمني لو كان قد عاد بمثل ما عاد في اليوم السابق فيريح نفسه وينقلب إلى أهله مسروراً ، لكنه عاد إلي البحر يسابق قرص الشمس ، لملم أطراف شباكه ، جذبها لكنها لم تنجذب ، تاكد له أنه لن يفلح بمفرده . ربط أطرافها في قائم المرسي القديم وهرع إلى البلدة يطلب العون . هب راضى لنجدته ، ذهبوا وبيدهم مشاعل شقوا بها الظلام في اتجاه الخليج . انطفأت المشاعل واختفى راضى ، عاد صابر إلى أهله بلا شبكة ولا صيد ، يحمل علي وجهه ذهول و تسأولات اثارت تسأؤلات

– أين جلبابك وشبكتك يا صابر؟

توعدها بعينيه ، لو سألت مرة أخري …….

قبع وحيدا ً في ركن من المسكن ، استند إلى الحائط ينظر إلى  الباب ، قضى الليل يغفو ثم يصحو حتى استقبل شروق الشمس بلهفة الهارب من الأسر ، وجد أهل البلد مجتمعين عند الخليج ، صدم أذنيه نشيج مختلط بهدر البحر و عبارات العجب ونظرات الاتهام ..و أسئلة كثيرة لا إجابة لها

– اين راضى ؟

– هل خطفه البحر؟

– ولماذا لم يخطف صابر أيضا؟

لم تكن لديه إجابة ولا تتمة لقصة ، كل ما كان يذكره أن البحر اختطفه بين الغروب والعشي ، لا يستطيع تذكر كل ما حدث ، كان يشعر برعدة كلما حاول أن يتذكر ” انها يد سوداء امتدت من جوف الظلام وابتلعت راضى المسكين”

– ماذا اقول للناس؟ و إن قلت ..هل سيصدقونني؟ سيتاكد لهم جنوني

عاد الي مسكنه ، القي جسده المنهك للنوم ، التهمه حلم جمعه براضى الذى قال له مقهقهاً

– هل تظن أن البحر خطفنى حقا ؟ ثم قال:

– اخشي أنك و أهل القرية واهمين ، تظنون أنى غريق في أعماق البحار؟! … لقد ذهبت ياسيدى مندوب عن أهل البلد… أتفاوض من أجلكم ..من أجل الكنز.

صحا صابر من نومه مضطربا ، دنت اليه يد في الظلام ، ازداد اضطرابا ، ارتعد ثم اكتشف أنها يد زوحته الممدودة بالماء ، جلس راجفا ممسكا ذراعها ،  قذف الكوب المرتعش بعض ماءه 

قالت له زوجته فى الظلام :

– مازلت لاتريد أن تجيبني ؟ اين جلبابك وشبكتك؟ ماذا حدث لك ولصاحبك ؟ أين ذهب ؟

قال بضمير مستريح مستعيداً نبرة صوته الواثقة بعد ان تنهد زافرا توتره و إضطرابه:

          راضى ذهب مندوباً عنا جميعاً …عن كل أهل البلد…يتفاوض من أجل الكنز

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون