ترجمة وتقديم: د. عفاف عبد المعطي
استطاع المترجم الكبير دينيس جونسون ديفيز أن يخلص في تقديم النص العربي، سواء أكان إبداعيًا أم دينيًا، لما يربو على ستين عامًا، منذ أن ترجم أولى قصص الكاتب نجيب محفوظ سنة 1945. وفي مذكراته «ذكريات في الترجمة»، التي صدرت عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، يسافر دينيس عبر الذاكرة ليقدّم مذكراته الشائقة، التي تضمّنت ترجماته لأعتى وأهم الكتّاب العرب.
في الجزء المرفق من ترجمة مذكراته «ذكريات في الترجمة» يشرح دينيس كيف افتُتن بنصوص الكاتب الدكتور محمد المر، ثم كيف قضى في دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر سنواته إنتاجًا، حيث ترجم نصوصًا من القرآن الكريم، فضلًا عن نصوص أحاديث النووي، مما ساعده على اعتناق الدين الإسلامي، ومن ثم لم يرغب بعد ذلك إلا أن يُنادى باسمه الجديد، حيث أطلق على نفسه اسم ولقب «الحاج عبد الودود».
النص
أمضيتُ جزءًا من حياتي في الخليج، وعلى الأخص ما يُعرف الآن بالإمارات العربية المتحدة، وقد طال انتظاري إليها لإنتاج مجلد من القصص القصيرة في المنطقة. لقد قرأتُ العديد من قصص كاتب دبي محمد المر، حيث وجدتُ مجلدين قد تم إصدارهما بالفعل بترجمة إنجليزية؛ أحدهما ترجمة بيتر كلارك، والآخر ترجمه صديقي منذ زمن بعيد في قطر جاك بريفز. وما زلتُ في انتظار أن يُنتج محمد المر رواية عن دبي والطريقة التي تطورت بها في غضون خمسين عامًا، بعد أن تحولت إلى مركز تجاري، إلى العاصمة الشاهقة التي أصبحت عليها اليوم.
في عام 1950 كنت أعيش في قطر، وقمتُ بزيارة قصيرة إلى دبي، وذهبتُ إلى هناك لأترجم بالنيابة عن الحاكم الشيخ سعيد، والد الشيخ راشد وجدّ الشيخ محمد الحالي، في مفاوضات كان يجريها مع شركة للتعاون الاقتصادي. وأوضح لي أنني لن أتقاضى أتعابًا، لأن المشيخة لا تزال فقيرة، ولكن كانت مكافأة كافية لي قضاء بضعة أيام في دبي، التي بقيت دون تغيير لمدة طويلة جدًا، ثم قررت مؤخرًا فقط أن تتحدى بقية العالم بمبانيها الشاهقة ودخول المزارات السياحية. لم يكن هناك فندق في دبي آنذاك، وكنت قد مكثتُ مع روان كوري، المؤرخ في تلك الأيام، ولم يكن ويلفريد ثيسيجر في هذا الجزء من العالم.
في تلك الأيام كنت أزور أبوظبي مرتين في السنة، وأقضي بضعة أيام في دبي كضيف لدى الروائي محمد المر. وأثناء إحدى زياراتي الأخيرة أخبرني أنه قرر أن يقرأ كامل نصوص نجيب محفوظ الأدبية، وأنه تأثر بذلك كثيرًا. لقد وعدتُ نفسي أن أجد الوقت لأبحث بين الكتّاب في الإمارات عن مواد كافية لمجلد من القصص القصيرة. ساعدني في ذلك صديقي كامل يوسف حسين، الذي يعمل منذ فترة طويلة في دبي، والذي يتابع المشهد الأدبي في المنطقة منذ بداياته.
كان كامل يوسف حسين مسؤولًا أيضًا عن تزويدي بتجربة فريدة من نوعها؛ فقد أجرى معي مقابلة في مجلة العربي الكويتية، وبعد عدة أشهر، عندما كان في القاهرة، اتصل بي هاتفيًا صديقي محمد المخزنجي، الذي يعمل في قسم الأطفال في المجلة، ليقول لي إن لديه مبلغًا من المال أتعابي مقابل الحوار، وهي المرة الأولى التي أتقاضى فيها أجرًا مقابل حديث صحفي.
أجهّز نفسي باستمرار مع ترجمة كل كتاب على أنه سيكون الأخير، ومع ذلك، وكمدمن النيكوتين، أجد نفسي عائدًا إلى هذه العادة. وبعد أن اتخذت القرار الرئيسي بمغادرة القاهرة والذهاب للعيش في المغرب، جلستُ وأصبح عدد الكتب التي ترجمتها من الأدب العربي الحديث ثمانيةً وعشرين كتابًا، وتمكنتُ من إقناع نفسي بضرورة رفع العدد إلى ثلاثين. وقد حان الوقت ليقوم أحد الناشرين بإنتاج مجلد يتضمن ترجمة قصص من الإمارات، وقد وافقت دار النشر التي تم إنشاؤها مؤخرًا في دبي من قِبَل أصدقاء لي.
وافقت عائلة أبو الهول على إصدار مثل هذا المجلد (كان محمد أبو الهول رئيس الشرطة في دبي، وهو الآن متقاعد، ولكنه لا يزال نشطًا كأي وقت مضى في التعامل مع مجموعة متنوعة من المصالح، بما في ذلك مزرعة تمر تم إنشاؤها مؤخرًا خارج دبي، والتي مع كل زيارة لها نغادر بكميات كبيرة من أفضل التمور المحلية المعروفة باسم «برحي»). فزوجته الإنجليزية إيزابيل، وابنهما منصور، نشيطان في مجال المكتبات وفي مشروعات النشر بأحجام مثل هذه الكتب.
تكمن الصعوبات في قراءة أعمال الكتّاب ثم اتخاذ قرار الترجمة، وقد خفف صديقي المصري كامل يوسف حسين، الصحفي والمترجم المتميز في دبي، من مهمتي في هذا الصدد في مجلد الإمارات، حيث وافق على تزويدي بالمجلدات اللازمة ومساعدتي في الاختيار.
ويُحسب أيضًا اجتهادي في كتاب المختارات من القرآن الكريم، الذي تم ترتيبه موضوعًا موضوعًا، والذي تشاركنا فيه أنا وصديقي عز الدين إبراهيم خلال السنوات القليلة الماضية. وربما نغامر أيضًا بإعداد مجلد رابع من مؤلفات الأحاديث للنووي. وجدتُ أن عز الدين تخلى خلال تلك السنوات عن وظيفته في قطر، وحصل على الدكتوراه من جامعة لندن مع بوب سرجانت، وعمل فترةً من الوقت أستاذًا للأدب العربي في جامعة الرياض، وأصبح الآن مستشارًا ثقافيًا في أبوظبي للشيخ زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
في رحلة عمل ذهبتُ إلى أبوظبي لرؤيته في مكتبه في الحصن القديم الرائع، أحد المباني القليلة التي سُمح لها بالبقاء بعيدًا عن أبوظبي القديمة. وهناك وجدتُ أن مساعد عز الدين هو علي رياض، أحد تلاميذي في جامعة القاهرة. خلال الأيام القليلة التي قضيتها في أبوظبي أعطاني عز الدين نسخة من كتاب رياض الصالحين، وهو جوامع الصالحين (أقوال الرسول ﷺ) للنووي. وعندما أعدتُ الكتاب قلت إنني وجدتُ الكثير من المواد المبهرة. في الجامعة لم أرَ سوى القرآن للقراءة.
بعد ذلك اقترح عليّ عز الدين أن نعمل معًا على إنتاج ترجمة إنجليزية لمجموعة أصغر حجمًا من الحديث، بقلم المؤلف نفسه، المعروفة بـأحاديث الأربعين للنووي. وأعرب عن رأي مفاده أن الطريقة المثلى لترجمة النصوص الدينية، وهي نصوص تتطلب قبل كل شيء الدقة التامة، تتمثل في أن يتعاون شخصان: أحدهما مترجم لغته الأم هي اللغة الإنجليزية ويجيد، مع ذلك، اللغة العربية، إلى جانب عالم آخر لغته الأم العربية ولديه إلمام جيد باللغة الإنجليزية.





