دسوق .. المدينة تاريخها وتراثها في كتاب جديد 

مدينة دسوق
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. خالد عزب

صدر للباحث المتميز احمد عبدالفتاح والذي يعمل في جامعة الازهر كتاب ( دسوق وقراها في العصر المملوكي ) عن الهيئة المصرية للكتاب ، الكتاب يعد اعادة اكتشاف للمدينة، التي تعد واحدة من اهم المدن المصرية ، لقد طغت القاهرة بتراثها علي مدن مصر ذات العراقة والتراث، وعندما نشرت منذ سنوات كتاب عن تراث مدينة فوة كان صادما للكثيرين الان يقدم لنا احمد عبدالفتاح مدينة دسوق في العصر المملوكي في دراسة ضافية وافية . 

فقد تميزت مدينة “دُسُوق” طوال تاريخها، وفي العصر المملوكي على وجه التحديد بأنها كانت من المراكز التجارية المهمة في وسط الدلتا؛ وذلك لوقوعها على الطريق المائي بين ساحل البحر المتوسط والقاهرة – عبر فرع رشيد، فكانت حلقة الوصل بين القاهرة والإسكندرية، وتميزت – أيضًا – بخصوبة تربتها؛ نتيجة وقوع الكثير من أراضيها على نهر النیل،وترسب الكثير من الطمي بها، وقد ساعد هذا على كثرة بساتينها، ومزارعها، وتنوع محاصيلها؛ ولهذا اهتم بها السلاطين والأمراء المماليك، وبخاصة في النشاط الاقتصادي، فكانت مركز نشاط وجذب ديني، وعلمي،وتجاري طوال العصر المملوكي.

وقد استمدت شهرتها من ضريح ومسجد العارف بالله الشيخ إبراهيم الدُسُوقي (653-696هـ = 1255-1296م)، وتُعد شهادة “شمس الدين السخاويّ” في كتابه “البلدانيات” خير شاهد علي ذلك؛ حيث ذكر أن لها جلالةً بالشيخ إبراهيم بن أبي المجد الدُسُوقي ذي الأتباع المعروفين بين طوائفالفقراء بالطائفة الدُسُوقية والإبراهيمية، وقد شجعت مكانة الشيخ “الدُسُوقي” في قلوب الناس – على الرحلة إلى ضريحه، وجامعه، للزيارة، والتبرك، والاستماع إلى ما يذكر من مناقب، وكرامات، وأقوال الشيخ، مع ما يُصاحب ذلك – عادة – من إقامة الشعائر، وخطب الجُمَع، ودروس الوعظ، والإرشاد، وما يتخللها من الآيات القرآنية، وتفسيرها، وأحاديث نبوية، حتى غدا الجامع منارة علمية، ومقصدًا للزيارة، ومثار اهتمام من حكام البلاد، تمثل هذا الاهتمام في تجديده، وتوسعته في فترات متلاحقة، وحُبِسَ على المسجد الكثير من الأملاك، والعقارات يصرف ريعها على الجامع، والعاملين به، وطلاب العلم، وكانت الدراسة تسير فيه على منوال الجامع الأزهر.

وقد اقتضت طبيعة هذه الدراسة تقسيمها إلى مقدمة، وتمهيد، وأربعة فصول، وخاتمة، وعدد من الملاحق، ثم ثبت بالمصادر والمراجع التي اعتمدت علیها، وفهرس الموضوعات:

أما المقدمة فتتضمن تعريف عام بالموضوع، وأهميته، وخطة البحث، ثم تحليل لأهم المصادر والمراجع.

وقد جاء التمهيد تحت عنوان: دُسُوق (نشأتها، وتطورها الإداري) تحدثت فيه عن أصل التسمية، والموقع الجغرافي، والتطور الإداري متتبعا ذلك منذ أن كانت “دُسُوق” كورة تابعة لأبروشية قسم ثاني بالوجه البحري، والتي كانت قاعدتها مدينة “كباسا” قبل الفتح الإسلامي لمصر، مرورًا بظهورها كقرية أو ضاحية تتبع كورة “شباس” في فترة الكور الصغرى بعد الفتح الإسلامي، وتابعة لكورة “السنهورية” في فترة الكور الكبرى، وصولًا إلى ظهورها كمدينة تتمتع باستقلال إداري من نواحي أعمال الغربية في العصر المملوكي.

وتناول الفصل الأول: “قرى مدينة دُسُوق” تحدثت فیهعن القرى القديمة المُنْدَرسَة، والقرى القديمة الباقية، والموقع الجغرافي لكل قرية، وأعلامها، وما ورد عنها في المصادر، والمراجع الجغرافية، والتاريخية المتنوعة.

وجاء الفصل الثاني تحت عنوان: “النشاط الاقتصادي في دُسُوق وقراها خلال العصر المملوكي” تحدثت فیه عن أنواع الأراضي الزراعية، وطرق الري، وأشهر الحاصلات الزراعية، بالإضافة إلى العوامل التي أثرت على هذا النشاط، كما تحدثت أیضًا عن الحيازة الزراعية، وتطورها، ثم الثروةالحيوانية، والسمكية، وانتقلت إلى الحديث عن الحرف والصناعات، والنشاط التجاري، والنقل والمواصلات.

وحمل الفصل الثالث عنوان: “الحیاة الاجتماعية في دُسُوق وقراها خلال العصر المملوكي” افتتحته بالحديث عن عناصر السكان المختلفة، وتأثيرها على أوجه النشاط الاقتصادي، والاجتماعي، كما تحدثت عن رحلات السلاطين الترفيهية، وتأثيرها الإيجابي والسلبي على المدينة، وانتقلتمن هذه النقطة إلى الحديث عن العادات والتقاليد الاجتماعية، والأعياد والاحتفالات، وأماكنها، ثم تحدثت عن الأزمات التي حَلَت بـ “دسوق” وقراها، وأثر ذلك على أوضاع المجتمع.

وخصص الفصل الرابع للحديث عن: “الحياة العلمية في دُسُوق وقراها خلال العصر المملوكي”، تحدثت فيه عن النشاط العلمي بـ “دُسُوق”، وأهم العوامل التي كانت تقف وراء ذلك النشاط العلمي، وأشهر المؤسسات التعليمية بها، وأهم العلوم، ودور علماء “دُسُوق” في هذه العلوم، واستعراض مؤلفاتهم، وإسهاماتهم العلمية.

وبعد استعراض احمد عبدالفتاح لواقع مدينة “دُسُوق” وقراها في العصر المملوكي وعبر فصول الكتاب استنتج ما  يأتي: –

-​كانت مدينة “دُسُوق” قبل الفتح الإسلامي لمصر كورة تابعة لأبروشية قسم ثاني بالوجه البحري، والتي كانت قاعدتها مدينة “كباسا”، وهذه الأبروشية تابعة بدورها لإقليم مصر، ثم بعد الفتح الإسلامي في فترة الكور الصغرى أصبحت قرية أو ضاحية تتبع كورة “شباس” التابعة بدورها لإقليم الحوف الغربي، وفي فترة الكور الكبرى كانت تابعة لكورة “السنهورية” التابعة بدورها إلى ولاية الغربية الكبرى، وفي العصر المملوكي ظهرت كمدينة تتمتع باستقلال إداري من نواحي أعمال الغربية. 

-​تُعد مدينة “دُسُوق” من أهم مدن الدلتا في العصر المملوكي، وقد استمدت شهرتها من ضريح ومسجد العارف بالله سيدي “إبراهيم الدُسُوقي”، وتُعد شهادة “شمس الدين السخاوي” في كتابه “البلدانيات” خير شاهد علي ذلك، حيث ذكر أنها لها جلالة بالشيخ “إبراهيم بن أبي المجد الدُسُوقي” ذي الأتباع المعروفين بين طوائف الفقراء بالطائفة الدُسُوقية والإبراهيمية.

-​مدينة “دُسُوق” من المراكز التجارية المهمة في وسط الدلتا في العصر المملوكي؛ وذلك لوقوعها على الطريق المائي بين ساحل البحر المتوسط والقاهرة – عبر فرع رشيد، فكانت حلقة الوصل بين القاهرة والإسكندرية، فالسفن القادمة من القاهرة إلى الإسكندرية والعكس كانت تمر عليها، وتميزت أيضًا بخصوبة تربتها نتيجة وقوع الكثير من أراضيها على نهر النیل وترسب الكثير من الطمي بها، وقد ساعد هذا على كثرة بساتينها ومزارعها وتنوع محاصيلها وثرواتها الحيوانية والسمكية والداجنة، وقد ساعد تنوع هذه الثروات والصناعات القائمة عليها على الرواج التجاري؛ ولهذا اهتم بها سلاطين وأمراء المماليك وبخاصة في النشاط الاقتصادي، الأمر الذي جعلها مركز نشاط وجذب ديني وعلمي وتجاري طوال العصر المملوكي.

-​إن حيازة الأراضي الزراعية بمدينة “دُسُوق” وقراها في العصر المملوكي لم تستقر على نمط واحد بل حدث لها العديد من التغيرات، فكانت معظم أراضي مدينة “دُسُوق” في بدایة الدولة المملوكية تخضع للديوان السلطاني مع قلة بسيطة كانت للإقطاع والأوقاف وبقیة الحیازات الأخرى، ثم تعرضت هذه الأراضي للضعف والتدهور بسبب بیعها عن طريق بیت المال، حیث أصبحت أملاكا وأوقافا.

-​من خلال العرض العام للطوائف والفئات التي تكوَّن منها المجتمع في مدينة “دُسُوق” وقراها في عصر سلاطين المماليك، يمكننا أستنتج الموءلف أن هذه الطبقات متميزة بعضها عن بعض في خصائصها وصفاتها ومظاهرها فضلًا عن نظرة الدولة إليها ومقدار ما تتمتع به من حقوق أو تقوم به من واجبات.

-​كانت مدينة “دُسُوق” من أماكن التنزه والفسح أو سرحات الصيد للسلاطين والأمراء، حيث كانوا يقومون بالتجول فيها لعدة أيام للاستجمام وصيد الحيوانات البرية، وكان لهذه الرحلات الترفيهية دور هام في الحیاةالاقتصادية، سواء بالسلب كالضرائب النقدية والعينية التي كان يقدمها العربان والفلاحين والأهالي وتعرف باسم “التقادم”، وإغلاق الحوانيت الواقعة على الطريق الذى يمر به السلطان، أو بالإيجاب كوقوف السلطان على مشاكل الناس وحلها، كما حدث مع السلطان الأشرف أبو النصر سيف الدين قايتباى في سنة 884هـ/1479م، عندما قام بزيارة “دُسُوق”، وزار ضريح سيدي “إبراهيم الدُسُوقي” وحوله الأمراء، واستغرقت تلك الزيارة والتجول للصيد إلى حوالي منتصف العام. 

-​أن الأزمات التي حَلَت بمدينة “دُسُوق” وقراها في العصر المملوكي، ترجع إلى العوامل الطبيعية من انخفاض مستوى نهر النيل أو الزلازل أو الأعاصير المصحوبة بالأمطار الغزيرة التي أتلفت الكثير من الحاصلات الزراعية، أو القوارض مثل الفئران التي كانت تأتى علي كامل المحاصيلبعد نضجها في الحقول، أو انتشار وباء الطاعون الذي كان يقضي على أرواح كثيرة أدت إلى تناقص العدد السكاني للمدينة وقراها، والذي لا يقل أهمية عن العوامل البشرية من ظلم الولاة والسلاطين في المعاملات السيئة للأهالي وتحصيل الأموال.

-​كانت للدولة وسياسة حكامها أثرًا فعالًا في استقرار أو اضطراب الأوضاع الاقتصادية بـ “دُسُوق” وقراها، ففي ظل الحكام الأقوياء اتسمت الأسعار بصفة عامة بالاستقرار لإحكام السيطرة على إدارة الدولة، وفي ظل الحكام الضعفاء اضطربت أوضاع الدولة الاقتصادية لفساد الإدارة. 

-​الدور الفاعل الذي نهضت به المؤسسات التعليمية في تطوير وازدهار النشاط العلمي بدُسُوق وقراها، وتمثلت هذه المؤسسات بالجوامع والمساجد والزوايا والربط والكتاتيب، ودور الدولة في رصد الأوقاف لإمداد هذه المؤسسات بكل ما تحتاجه في سبيل نهضة العلم وتشجيع طلابه، ويبرز هذا الامر جليًا من خلال درجة شيوع تلك المؤسسات على اختلافها.

-​الإقبال الواسع النطاق على العلوم الشرعية على اختلاف أصنافها بمدينة “دُسُوق” في العصر المملوكي؛ وتعليل ذلك أن المسلمين على اختلاف عصورهم التاريخية كانوا قد ركزوا على علوم عقيدتهم الدينية لكونها تؤسس القاعدة الإيمانية للإنسان المسلم، ولابد من القول إن علماءدُسُوق لم يهملوا سائر العلوم حتى العقلية منها؛ لأنهم يعتقدون أن جميع العلوم تساعد بعضها البعض وصولاً إلى هدف الإنسان المسلم، والمتمثل ببناء شخصيته على أسس علمية وفكرية رصينة تعمق إيمانه وتحقق الصلة مع الله سبحانه وتعالى ومع الذات ومع الآخرين.

مقالات من نفس القسم