حوار مع ماديسن

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

بقلم: أماندا كوزيك

ترجمة: د. إقبال محمدعلي

مسرحية قصيرة

My Conversation With Madison

By: Amanda Kozik 

(تقف ماديسن في وسط المسرح بفستان جميل يليق بعمرها. كايلا، الفتاة الأخرى، أنيقة الملبس أيضاً، تسير ببطء بأتجاه ماديسن، متحاشية النظر في وجهها طوال المشهد).

كايلا: (بِتجهم)، من الغريب ان نلتقي بهذا الشكل منذ دخولنا المستشفى!.

ماديسن: إذا سمعتي بمحاولة إنتحاري ؟

كايلا: (تصرخ فجأةً)..كيف تَجرأت على فعل ذلك؟ كان تصرفك في منتهى الأنانية. كيف سمحت لك نفسك أن تؤذينا بهذا الشكل؟ ألم تفكري بمشاعرالآخرين يا ماديسن؟

ماديسن: هَيْ، هَيْ، أهدئي قليلاً (تتحرك ماديسن باتجاه كايلا التي كانت تذرع المكان جيئة و ذهابا بذهول في محاولة لتهدئتها..)

كايلا: أنتِ في منتهى الأنانية.

ماديسن: أنانية؟ هل تسمين ما فعلته أنانية!! كنت اتألم..كنت موجوعة.. متى اصبح الأحساس بالوجع أنانية؟

كايلا: لم أكن أعرف ما تمرين به، كما أنكِ لم تطلبي مساعدتي أو مساعدة أقرب أصدقائك !

ماديسن: لم أقصد إيذاءكم. تصورت أنكم ستكونون افضل حالاً بدوني. أحسست ان لا قيمة لي و ان ما أقدمت عليه كان فضلاً مني عليكُم.

كايلا: كنت أتوقع مِنكِ ذلك. تريدين القيام بكل شئ بنفسك. لم تطلبي مساعدة أحد رغم حاجتك لمن يسندك حين بدأت تمرين بنوبات الإكتئاب. أنا نفسي، لم أكن أعرف حجم ما كنت تمرين به.

ماديسن: لم أتصور ان أحداً منكم لاحظ ذلك أو كان مهتماً بما كنت أمر به.
كايلا: لِم لمْ تخبريني انك كنتِ تشعرين باليأس؟ أنا أقرب صديقاتك!

ماديسن: لم أرد ان أثقل عليك. كنت أحس بوحدة غريبة.. لم أعد أهتم بما حولي، لم يَعُد احد يأبه بأمري.. ما الذي كان بإمكانكم فعلهِ؟

كايلا: ليتك صارحتني بما يثقل قلبك.. ليتك تحدثتِ معي.. كان بإمكاننا إيجاد طُرقٍ أخرى..!

ماديسن: لم يكن الأمر بالسهولة التي تتصورينها..

كايلا: انا واثقة ان ما مررت به في البداية كان صعبا لكن كان بإمكاننا إيجاد حلولٍ لما كان يزعجك.

ماديسن: حلولٌ لما كان يزعجني!! لم تكن الأمور بالسهولة التي تعتقدينها.

كايلا: كان لديك كل ما تعيشين لأجله؟ كانت الحياة كلها أمامك!

ماديسن: أها.. حياة الفشل.

كايلا: هل كان ذلك بسبب والديك، ها؟ كان قلقي عليك يزداد في كل مرة كنت أزوركم بها، بسبب الطريقة التي كانوا يتعاملان بها معك.

ماديسن: (تنظر إلى قدمها) نعم، كانا يتوقعان الكثير من أبنتهم. كُنتُ مقارنة بما حققوه من نجاحات، أنسانة متوسطة القدرات. يبدو انهما كانا على حق، فالواقع يقول انني كُنت انسانة فاشلة أهدم كل ما يقع تحت يدي.. صَدِمت سيارة أبي، لم انجح في درس المثلثات.. لماذا أتهجّى كلمة إشارة بِ أشرَ؟ كنت بالنسبة لهما، مجرد اسطورة فاشلة.

كايلا: أنا أعرف انهما كانا يتوقعان منك الكثير وأدرك أيضاً مدى معاناتك لتحقيق ما في ذهنيهما.. لكن يبدو انك الوحيدة التي لم تلحظ ما كانت تتمتع به ماديسن من قُدْرَات!

ماديسن: هل تقصدين سقوطي من أعلى السلم و كيف تمكن أحد الشباب من إلتقاطها بكامرته و وضعها على الأنترنيت لأصبح و لأشهر أضحوكة للآخرين ؟؟

كايلا: كان يجب ان لا تحبطك هذه الحادثة و تؤثر على معنوياتك، فلديك الكثيرون من الأصدقاء و الناس الذين يحبونك بصدق.

ماديسن: ألم تلاحظي الفرق بيننا؟ أنتِ كنتِ رائعة وأنا كنت شخصية مهزوزة ضعيفة الإرادة لدرجة لا يمكن ان يتصورها العقل.. كان الألم يثقل صدري.. كان من الصعب عليّ ان أتنفس.. بدء الوجع على شكل وخزات خفيفة لتشتد و تشتد و تتحول إلى كتلة من الهواء المسموم تطبق على رئتي.

كايلا: (وقفة)، ليتك كنتِ تنظرين إلى نفسك بنفس الطريقة التي كنا ننظر بها إليك يا ماديسن. كنت سندي في أية مشكلة أقع فيها. عندما أنهى براد علاقته بتفني، كنتِ أنتِ من أقترح على البنات ان نحتفل مساءً بهذهِ المناسبة.. منكِ تعلمنا الضحك في الأزمات الصعبة.. لربما بسبب مواقفك هذهِ، لم أفطن لما كنت تمرين به من ألم. نعم، تغيرتي لكنك لم تنقطعي عن المزاح و الضحك.. لم تنقطعي ابداً.. (صمت) يإلهي.. !! تذكرت الآن.. كنتِ قبل أسبوع تمزحين” بقتل نفسك”. كنت في منتهى الغباء لأنني لم ادرك انك كنت تريدين قتل نفسك حقيقةً!!

ماديسن: كايلا، ما حدث لم يكن غلطتك، وتوقفي عن لوم نفسك.. انا من يجب ان يعتذر لأنني لم أخبرك برغبتي في الإنتحار.(لحظة صمت)

كايلا: أنا آسفة، آسفة جداً لأنني لم أخبرك عن مدى تعلقي بكِ و حبي لكِ.. كُنا جميعا نحبك.

ماديسن: لا بأس عليك (تبتسم بحزن) ٍسأزورك من الآن فصاعداً.. كنت أشعر بالإخفاق بسبب الأفكار السوداوية التي كانت تعشعش بمخي. بدأت صحتي تتحسن بعد خروجي من المستشفى.. أشعران هناك حياة كاملة أمامي.. حياة تستحق أن أعيشها.

كايلا: حانت لحظة الوداع. (تمسح دموعها)

ماديسن: هه؟ ماذا تقصدين؟ (تسير كايلا مبتعدة ثم تقف مواجهة الجمهور).. هل ستتوقفين عن صداقتي لأنني حاولت الإنتحار؟

كايلا: اتمنى ان تعلمي مدى حبنا لك.. شيء غريب.. أشعر اليوم بحاجتي إليك أكثر من أي وقتٍ مضى و أفتقد حركات وجهك و انت تجلسين في الصفوف الخلفية التي كانت تثير ضحكاتنا و تبعث البهجة في نفوسنا. (تتوجه كايلا إلى يسار المسرح ثم تقف لتواجه الجمهور). أعتذر لخروجي مبكرة هذا الصباح.. ذهني مشوش هذه الأيام فأقدام اعز اصدقائك على الانتحار يشعل غضبك عليه.. الغضب على ما أقترف بحق نفسه يشتد ليصبح أقوى من الحزن.. وتغضب أكثر، انه لمْ يلجأ إليكَ قبل تفكيره بالإنتحار!! وتغضب على نفسك أكثر، لأنك لم تستطع منع ما حدث. بعدها وبالتدريج تتحول مشاعر الغضب إلى فقدان وجودهم. اليوم، من بين كل الوجوه التي اعرف، أبحث عن وجهها.

 ماديسن: انتظري.. لا أفهم عم تتحدثين فأنا أقف هنا ( تنظر إلى ملابسها)، لم ألبس هذه الملابس؟ لِم لا أتذكر اليوم الذي خرجت به من المستشفى.. أنا.. أوه، لا..

 كايلا: حان دوري لأحدثكم عن صديقتي ماديسن. كانت لدى ماديسن الكثير مما تتمناه كل فتاة لنفسها بل الكثير ما تتمناه أية امرأة لنفسها. (صمت) لم تكن تابعة عمياء، بل كانت تعبر عن آرائها بشجاعة. سرعة بديهيتها و روح دعابتها كانتا تضفيان على المكان الذي تحل فيه البهجة و الفرح. لم تتبجح يوماً بتفوقها رغم انها كانت في منتهى الذكاء.. طيبةً مرحة، كريمة النفس، خطأها الوحيد انها لم تعرف قيمة نفسها. كانت في حالة قلق دائم.. تعتقد انها لم تكن نحيفة بما فيه الكفاية او أنها لم تكن ذات شعبية.. كانت لا ترى في نفسها إلا الجوانب السلبية في حين ان كل من عرفها عن قرب، كان مؤمناً بأنها الأفضل. ألقيتُ عليها تحية الوداع قبل ان أتي إلى هنا، مُتَمنيّة ان تعرف كم كنا نحبها.

ماديسن: (تواجه الجمهور) تذكرت الآن.. (باكتئاب) أنا لم أحاول الانتحار، بل أنا انتحرت بالفعل.

..

06/09/2022

 

 

مقالات من نفس القسم