كتابة وحوار: أسعد الجبوري
وجدناها واقفةً أمام مرآةٍ عملاقة، وهي تتفحصُ وجهها بتلك الأنامل الرقيقة تحت تلك مصابيح كبيرة. فيما كان نسرٌ أسود يقف إلى جانبها على صولجان مرصع بالذهب والمجوهرات. كان الوقت ليلاً. يفرضُ فيه الهدوءُ سطوته على كافة الأحياء في تلك المنطقة المفتوحة.
ما أن اقتربنا من الشاعرة الروسية آنا أخماتوفا (1889 – 1966)، حتى التفتت إلينا مبتسمةً، وهي تمدُ إلينا يدها مصافحة. بعد ذلك بقليل، حلق النسرُ فوق رأسها، بينما تناولت هي الصولجان المرصع، ثم أمرت حراسها بفتح باب منزل كبير، فدخلنا مندهشين من روعة المكان وسحره.
ما أن وجدتنا منبهرين بتصاميم المكان وهندسته، حتى ابتسمت قائلة:تفضلوا بالجلوس. فهذا المنزلُ مكان إقامتي الآن. آنذاك. . وجدنا في المعلومة التي قالتها بخصوص مكان إقامتها مفتاحاً للحوار. فسألناها على الفور مبتسمين :
■هل كانت ولادة آنا أخماتوفا في روسيا بالخطأ الفادح؟
ـــ وربما لولا ذلك الخطأ الافتراضي، لم يقدني قدري إلى الشعر، فأكون ثرية بكل تلك الآلام.
■ آلام مشنقة الشعر المُثقلة بحبل الإرهاب الحديدي الذي رفرف فوق رأسك تقصدين؟
ـــ ومن غير حديد ستالين؟ لا أحد. كأن ذلك الديكتاتور تربص بي منذ أن ولدتُ في بلدة بلشوي فونتان إحدى ضواحي مدينة أوديسا الواقعة على البحر الأسود، ليلاقيني في فترة تبلور صوتي داخل رحم الشعر الروسي في بدايات 1911.
■ هل تدينين بشيء لزوجك الأول الشاعر الروسي نيقولاي غوميليف فيما يخص التجربة الشعرية؟
ـــ كان نيقولاي غوميليف حبي الأول الذي قام معي بتربية الشغف المتبادل على جميع طرقات جسدينا الملتهبة العاصفة. خاصة وأنه مُنظر حركة ((مُحترف الشعراء )) المناهضة للشعر الرمزي.
■ ولكنكما انفصلتما بعد ثمانية أعوام من الزواج. هل كان ذلك لأسباب سياسية؟
ـــ تلك فترة زواج كافية. فقد شعرتُ أن تربتي تحتاج إلى الإصلاح الزراعي قبل أن أدخل مرحلة البوار الأيروسي.
■ وبعد سنتين تم إعدام طليقك نيقولاي غوميليف بتهمة معاداة الثورة البلشفية. أليس كذلك؟
ـــ ذلك ما حدث لكتّاب الحداثة ومنظري الأفكار المتطايرة خارج الصندوق البلشفي. كان وضعنا النفسي والأدبي في الأربعينات صعباً وقاسياً ومذلاً. زوج يُعدم. وأبنٌ (ليف) ينفى إلى سيبيريا. وأنا أخرج من السجن في لينينغراد بعد سبعة عشر شهراً ، لأرفع صوتي في الإذاعة، مشجعةً الجند على مقاومة الغزو الألماني لبلادي، وكذلك لأقرأ القصائد على الجرحى في المستشفيات
■ ولكنك طُردت من اتحاد الكتّاب السوفيت على الرغم من قصائد المديح بحق الديكتاتور الحديدي ستالين؟
ـــ لقد سقطتُ في أمراض الواقعية، وكان علىّ أن أقفز فوق حبالها، للتعلق ولو قليلاً بالأشكال التجريدية وتلك التي تعتمد على تكريس مواد المخيّلة في بناء النصوص وتكوين تصاويرها.
■ لماذا جعلت نصوصك أسيرة لطقوس بوشكين وباتيوشكوف وآخرين من قائمة الأسلاف السوفيت؟
ـــ كنت شاعرة شعبية، وكانت كلّ شوارع العالم، تمرُ بين حروفي ضمن التعابير البسيطة التي تنتمي إلى قوة نفوذ الإيقاع الخاص بالناس المضطهدين ولغاتهم المتكسرة على الألسن وفي أعماق القلوب الحزينة.
■ ولكن على الرغم مما لحق بكِ من اضطهاد سياسي، بقيتْ محركاتُ العواطف تدور في أعماقك دون توقف. كأن المآسي هي إيقاعك الشعري. أليس ذلك غريباً؟!!
ـــ لقد تطبعنا بالعهد الستاليني. ولم يكن أمامك إلا الصمت أو الانتحار أو الهجرة. وأنا رفضت مغادرة روسيا، لأنني نباتٌ لا يستطيع فراق جذوره.
■ فعلت ذلك على الرغم من حملات الانتقاد التعسفية ضدك شخصياً كأرستقراطية وصوفية وضد شعرك ((المنفر للشعب السوفييتي)) ؟
ـــ كنت مثل مدخنة تتصاعد منها الآلام بصمت. فقد زُجّ بي في سجون ستالين، الأمر الذي جعل الأنثى التي أنا في حضنها، وكأنها سفينة جانحة توشك على الغرق.
■ هل تعتقدين بأن قصيدة “قداس جنائزي” تختزل الوجع التراجيدي للناس خلال فترة القهر الحديدي. أم هي طرازٌ شعري من الغناء النفسي الفَوّار بالأرجوان.
ـــ “قداس جنائزي” ليست قصيدة. كانت سجناً بملايين الأرواح.
■ بمعنى إنها كانت قصيدة الذّرْوَة. قصيدة الشجاعة بكامل حذافيرها. الشجاعة التي قلت عنها : ((كلمة روسية عظيمة، تلاءم أغاني أحفادنا، نقية وهي تجري على ألسنتهم، حرة)).
ـــ بالضبط. فتلك كانت قصيدة روسيا بكامل طبقاتها الجيولوجية.
■ كيف للشاعر أن يلتحم بالموت؟ وإذا كان لا بد من ذلك، فمن أجل ماذا يفعل ذلك؟
ـــ كنت أشعر بأن الموت في داخلي عبارة عن رادار، يدير رأسهُ إلى حيث يتحرك الموت خارج الجسد أو على مقربة منه. لم ينل مني خوفٌ من وراء عمل مثل ذاك، ((كلُّ شيء جاهز للموت، وأفضل ملاذ للمقاومة على هذه الأرض هو الحزن، وما سيمكث هي الكلمة الحرَّة )).
■ كل ذلك يجري على حساب الحب؟
ـــ لا أبداً. لم أترك جسدي جداراً عارياً في الهواء، يتآكل بالرطوبة والتعفن والتشقق والانهيارات المتلاحقة في بنيته. الحب مركز قوة الجسد، وباختفاء تلك القوة، نكون قد أحلنا أنفسنا على التقاعد إلى الأبد. ولم أفعل ذلك أنا بشكل شخصي.
■ هل بزيجاتك الثلاث، الزوج الأول أعدم سنة 1921 لنشاطاته “المعادية” للثورة، والزوج الثاني عالم الاشوريات فلاديمير شيليجكو ثم الباحث الأدبي نيقولاي بونين (توفي في معسكرات الأشغال الشاقة). استطعتِ الحفاظ على جسدك من التلف؟
ـــ ليس بالجنس وحده يمكن تجديد الحياة والجسد، بل باللغة كذلك. فالأخيرة تدخل جسدك، وتطهره من التصحر بالشعر.
■ هل تعتقد آنا أخماتوفا بأن الشِعرَ لحمٌ إلهي، لا يطاله تعفنٌ أو فساد؟
ـــ لحمٌ إلهي مُقَطرٌ كالفودكا. هذا ما يجب أن يتوقعه كلّ عاشق وعاشقة. فالشعرُ لا يؤلف بالكتابة وحدها، بل يُؤلف تأليف الجمرات في السرير.
■ هل من أجل ذلك الاعتقاد كتب – غيل براستنيتزار – عن جمالك ممتدحاً:ً
(( تبدو وهي بيننا وكأنَّها العذراء، تحمل بين يديها أوجاعها بابتسامتها الفاترة وحضورها المهيب وجمالها المتشامخ. ولا نراها في لوحات عندما أدركها الهرم وإنَّما في رسومات تظهر جمالها الآسر في سنواتها العشرين. لقد كانت في تلك السنِّ تجسيدًا للجمال المحض العصيِّ على الذبول؛ ولم يفلح الزَّمن حيث أخفق الجلاَّدون. . . النَّيل من هذا الجمال)).
ـــ لم أرَ نفسي أيقونةً تستحق العبادة أو التبجيل وكلّ تلك المدائح، بقد ما أنا شاعرةٌ وجدت نفسها ذات يوم في حديقة حيوانات الاستبداد. كان وجودنا مرتبطاً بالصمت وحسن السلوك وعدم التوحش والاستغناء عن الكتابة ليس غير.
■ لماذا معاداتك للشيوعية. هل لأنك من عائلة برجوازية فقط؟!
ـــ كنتُ سريعةً وسعيدةً في مسألة ما يُسمى بتغيير الثياب، ونجحت إلى حد ما بعدم لصق الفستان الأحمر طويلاً على جسمي. أنه لا يليق باللحم الذي اسمه آنا أخماتوفا. هذا كلّ ما في الأمر.
■ يبدو أنك لست سريعة بتغيير ثياب الأيديولوجية وحدها، بل وبنزع الثياب الأخرى للإيقاع بالعشاق، ممن كنت تتربصين بهم، فيلتهمون الطعم من صنارتك بكل ارتياح.
ـــ لا يوجد مانع يحول دون ذلك. فما فعلته أنوثتي بالآخرين، كان شيئاً يتعلق بالغرام الحُرّ المتحرر من التوابع وأنظمة القمع الاجتماعي المتعددة. ولكن عليك تذكُر، بأن الجسدَ، قد لا ينزعُ ثيابك عنكَ مع من لا تشتهيه، حتى لو نمت عارياً معه.
■ هل كان عشاقك من فئة الشعراء فقط يا آنا؟
ـــ لا. كنت أغوي الرجال على المزاج والصّدْمة، ولا أحْرم نفسي من شئ. كانوا كثيرون إلى حدّ أن رحمي لم يتحمل المزيد من الزوابع التي حرمني منها الشيوعيون.
■ ثمة من يُعلق على شعرية آنا أخماتوفا قائلاً : أنها ((متخلِّصة بسرعة من الزخرفة والبهرجة البالية للرمزيَّة شادت آنَّا أخماتوف لغة شعريَّة قائمة على إيقاعات رشيقة ومرنة وقافية ثريَّة وخاصَّةً على مفردات مجرَّدة وشفَّافة؛ ويبدو بناء هذه اللغة حقيقة آسرًا من فرط طراوته ونقائه، إذ تنهل في كتابة الشعر من معين أنفاسها الشفيفة والمتسامية. وستعرض آنَّا عن السحر المصطنع الذي يعتمده شعراء آخرون (إسّين، بلوك، ماياكوفسكي. . . )، ليبقى صوتها متفرِّدًا أصيلاً وساحرًا. )).
ـــ أنا متأسفة لأمرٍ عظيم، لم أفعله في حياتي، إلا وهو تحديث اللغة. كنت مشغولة بتحرير جسدي من عبودية الزمان والمكان. ومرة أخرى، كنت مُخَدرّة بالتقاليد الرسمية للشعر الروسي، ولم أفتح أبواب المخيّلة على مصراعيها، لأكتب بغير تلك الطريقة التي وضعني بها القدرُ كمناوئة للشيوعية وحسب.
■ بعد أن مُنعت من نشر قصائدك، كان اتجاهك نحو الترجمة، لتشمل أدب بوشكين وفيكتور هيغو، وطاغور، وجياكومو ليوباردي، وشعراء من كوريا وأرمينيا وقصائد عاطفية من مصر وسواها، إلى جانب كتابة سيرة الشاعر ألكسندر بلوك الذاتية. لماذا تم اختيارك للترجمة، وليس لعمل آخر؟
ـــ عملتُ ذلك من أجل لقمة الخبز بالدرجة الأولى. وثانياً، لأنني أردتُ الانغماس أكثر فأكثر بأرواح النصوص الخاصة بشعراء وكتّاب عالميين، لترصين تجربتي الشعرية، وجعلها أشدّ انهماكاً بالقضايا المختلفة للحضارات التي تقع وراء جدران روسيا.
■ كيف تفسرين علاقاتك العابرة مع الفنانين التشكيليين؟هل غلب عليها الطابع العاطفي مثلاً؟
ـــ كان لجسدي علاقات عاطفية شديدة الانفجار، وبخاصة مع الرسام الفرنسي مودلياني. كما أثار جسدي في قلب الفنان (ناثان التمان) عاصفة، دفعته إلى رسم مجموعة من البورتريهات لي. ليس هذا وحسب، بل سرعان ما امتزجت تلك اللوحات بالموسيقى، عندما خصني موسيقيون أمثال فيرتنسكي الذي أحاط بعض قصائدي بمعزوفات، وكذلك ما فعلهُ الموسيقار الايطالي (( ومونتوفاني )) عندما أسند لي بطولة افتراضية لعمل أوبرالي.
■ هل تؤمنين بأن لا فائدة من جسد يتخلى عن احتفالات الآخرين به؟
ـــبالضبط. فلكل جسدٍ قراءٌ يتفحصون مناطقه ويحللون حواسّه ويفجرون لغته، ليندمجوا بذلك اللهب الشهواني المشترك.
■ مع أن آنا أخماتوفا عاصرت عهد نيكولاي الثاني آخر قياصرة روسيا. ومن بعد ذلك عاشت الثورة البلشفية، هذا إلى جانب معايشتها للحربين العالميتين التي دخلتهما روسيا. ولكنها لم تترك الحبّ على طاولة الخريف!!
ـــ كان الحبُّ في حياتي مختلطاً بالألم. وطالما شعرتُ بأن في جسدي قلباً طويلاً يتدلى من الرأس حتى القدمين.
■ هل كان ذلك بسبب كونك امرأة شهوانية؟
ـــ أنا شاعرة الأيروسي الروسي الحارّ، هكذا خُلقتُ، دون أن أكبح جماح تلك النعمة الإلهية فأوقف دواليب مراهقتي في محطة أو عند حدّ ما. العشاق يكونون أعظم شأناً، عندما يستمرون بإنتاج الربيع للحومهم حتى وإن كانوا داخل الطواحين الكبرى .
■ يبدو أن ((آنّا أخماتوفا “دفنت حية لكنها استطاعت أن تتحول من ضحية للتاريخ إلى قاهرة له))كما قال ذلك عنك الشاعر الروسي جوزيف ألكسندروفيتش برودسكي، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، لم يف الغرض ذلك وحده، بل يتعداه إلى كونك مُشعلة غرام حتى الرماد!!
ـــ أنا في الحبّ حيوان إسفنجي متعددة الخلايا، في كل مسام رجل. وفي كل قناة مائية متيمٌ ينتظر الاضمحلال بجسدي أو الصيد بمياه لذلك اللؤلؤ الثمين.
■ هل فعلت ذلك بسبب انتمائك للطبقة البرجوازية الحرّة المنفلتة من التقاليد والأعراف، على غرار ما تفعله بنات الأثرياء والنبلاء في أوروبا أيام زمان؟
ـــ ذلك لا يهم. فالحرير تصنعه دودةٌ.
■ ولكن ملفك الشخصي يقول عنك غير كل هذه الادعاءات التي تشيرين إليها، فقد كنت غارقة بمصائب التعسف السياسي والسجون والإعدامات والحصار الألماني لمدينة لينينغراد وبقية الحروب الأخرى!
ـــ ليست التفاصيل مهمة برأيي، ما دمت أحمل سريري بداخلي مع كل من مروا بحياتي، وتمتعت بهم على درجات متفاوتة من اللذّة حتى الرماد. كنت أقاوم الاستبداد بغليان سريري وتدليل كل كيلو غرام من لحم جسمي المُتبل بالشجن والشهوة والأمل والجنون.
■ من كان من الشعراء الروس محط نظرك؟
ـــ بوشكين.
■ ألا تعتقدين بضعف شعره. أو ببرودته على أقل اعتبار؟
ـــ رؤيتي لهذا الشاعر مزدوجة ما بين اللغة والعاطفة. ربما لأنني قرأته وترجمته في فترة كنت فيها ضحية مشاعر مفرطة بالتوحش والحزن. لا أدري.
■ كيف يمكن أن يكون الإنسان شاعراً برأي آنا أخماتوفا؟
ـــ يمكنني القول، أن الشعر ليس إنسانياً، لأنه إلهي بالدرجة الأولى. وعندما نؤكد على تلك الخصوصية، سنشعر في الحال، كيف يمكن صياغة الشاعر وخلقه داخل تلك القوة التي تؤسس للكلمات المباني العظمى داخل المستوطنات اللغوية، أو خارجها المسماة بالمنازل الفضائية التي تُمكن الشاعر الكتابة على خطوط الهواء.
■ أنتِ مضيتِ مع الشعر، مضي نَصْل المِحْراث في التراب. ما ردّك؟
ـــ هذا صحيح. فقد كنت أشعرُ بطاقة هائلة من وراء احتكاكي باللغة. فثمة نار، كانت تخرجُ من تحت جلدي، وتتركني مستفيضةً بمشاعر غامضة، عادة ما تدفعني إلى الاغتسال بالحب، لأنطفئ وأحصنُ قلبي من بلاد الجليد.
■ أنت لم تقومي بتسهيل عمل المخيّلة في رأسك كما تقولُ نصوصكِ، فهل ثمة بديل للخيال في الشعر برأيك؟
ـــ أجل. أنا وقعتُ تحت تأثير دراما الواقع المأساوي التدميري الفظيع على شخصيتي الشعرية، مما أدى إلى تعطيل مفعول الدورة الدموية في مخيّلتي. ومع ذلك، كنت أجتهد باستحداث البدائل الأخرى التي تُمكنُ النص من مقاومة البلادة.
■ بالاعتماد على نزعات القوة بالتحدي في مقاومة الاضطهاد التي كنت تواجهينها، والتي أصبحت عندك فيما بعد بمثابة لذّة كامنة في أعماق جسدك؟
ـــ ليس سهلاً التعامل مع المخيّلة في جو من الحرية الكاملة. هناك خطوط حمر، لا يمكن السماح بتجاوزها، خاصة فيما لو كنت تقاوم نظام العهد الستاليني المثقل بالدم والرصاص والمشانق والحرمان وإرهاب KGB جهاز المخابرات السوفيتي. الذي تأسس في 20 ديسمبر 1917 برئاسة فليكس دزرسنسكاي.
■ كنت مثيرة للشغب ومشاكسة نظام ديكتاتوري. فكيف تطلبين الرحمة من الحديد؟
ألست أنت من كتبت في سيرتك الذاتية : ( أنا لم أكن وحدي، كنت مع بلدي كله الذي كان يقف في أرتال طويلة جداً أمام السجون )؟!
ـــ أنا لم أطلب الرحمة من ذلك النظام الحديدي، إلا من أجل إنقاذ ابني (ليون) من معسكرات الاعتقال (الغولاغ ). فأن أمتدح ستالين في قصيدة، وأصبح بوقاً إذاعياً في خدمة روسيا الستالينية، فكل ذاك الفن السينمائي المرتبك آنذاك، لا يعنيني شيئاً أمام قطع الحبل عن رقبة أبني.
■ هل تتذكرين لحظة موتك يوم 11 مارس/آذار 1966 في ضواحي موسكو؟
ـــ أجل. أتذكر ذلك. فقد جاء رجلُ طويلٌ وأخذني من يدي إلى الحَمام أولاً، ومن بعد ذلك الاغتسال الروحي، أهداني فستاناً أحمر، ثم هبط بي في قاع الدنيا السفلى.
■ لك ولزوجك الأول نيكولاي غوميليوف ولابنك ليون تمثالٌ ضخم مشترك في محافظة تفير بمنطقة بيجيتسك الروسية. أهو تمثال مصالحة أم ندم؟
ـــ هو تمثالٌ شبيه للبيريسترويكا القبيحة، ولا يعنيني بشئ أبداً.
■ الآن. . ما الذي يشغل آنا أخماتوفا في السماء؟
ـــ التخلص من السعال وطباعة كتبي الجديدة على القماش.
■ هل كتبت ما بعد الموت قصائد كثيرة؟!
ـــ أجل. فلقد كان البرزخُ مكاناً لائقاً بكتابة الشعر. الصعود من الأرض إلى هنا، رحلةُ تأليفٍ مُنْتَشٍ بالتعبير الحر الأقوى. فالموتُ، لم يكن سوى دُوّامة هوائية.