“حذاء فيلليني” ملحمة سريالية تجسد صراعات الإنسان

آلاء العطفاوي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

آلاء العطفاوي

الاستبداد والقمع ليس مجرد منع للديمقراطية، بل هو عدم اعتراف بكيان الإنسان، واختزال كينونته في مستوى يطلق عليه “الرعية” فهم مجرد أغنام يمتلكها السلطان، ويتحكم في مصيرهم وإرادتهم، يهدر إنسانيتهم ويعتبرهم فائضا عن الحاجة، يمارس الوصايا عليهم في شؤون حياتهم فيخلق عقيدة ودين عمودهما عبادة السلطة وليس الإله فلا إله هنا إلا السلطة، ويبني ثقافة تجعل من عقل الإنسان كطفل قاصر لا يفكر خارج كتبهم وثقافتهم، ينقل لنا وحيد الطويلة من خلال روايته “حذاء فيلليني” الصادرة عن “نهضة مصر ودار المتوسط” سيكولوجية هذا الإنسان، مقتفيا أثر بشر حولتهم السلطة من “مطاع لمطيع” وكيف تتم صناعة الجلاد والديكتاتور في الدول فتضيق كل الأحذية.

سيكولوجية الإنسان المهدور

حين تقرأ حذاء فيلليني تتساءل أيهما مهدور الضحية أم الجلاد؟

فأنت أمام صراعات مشتركة وحكايات نفسية خفية لأشخاص تعبد الديكتاتور طوعا أو رغما عنها، صراعات لأشخاص لا يحكمها معيار أخلاقي واحد بل معايير تختلف حسب قسوة السلطة معها، وشكل تعذيبها لهم في السجون أو خارجها، مجموعة من الغنم أو روبوتات طاعة تخدم السلطة وتدمر نفسها عند انتهاء خدمتها.

في رواية حذاء فيلليني تتعلم كيف يتم إلغاء الشعور بالذنب وإسباغ المشروعية على كل أفعالك، فالجلاد يعتبر عمله واجبا ودفاعا عن قضية سامية، ونجد الضحية كيف تتحول لجلاد.

فالبشر عند وحيد الطويلة حكايات والغاز مليئة بالمشاعر المتضاربة فيجد القارئ نفسه يكره ويتعاطف مع نفس الشخصية.

في علم النفس نجد علاقات عديدة تجمع بين الضحية والجلاد، فنجد مثلا أن هناك حالات عديدة يتفوق فيها الضحية على الجلاد، فيصبح أكثر وحشية وسادية من الجلاد نفسه، فالضابط كان ضحية ضابط آخر متجبر، ثم مطاع حين وقع جلاده بين يديه وأخذ يتخيل طرقا عديدة لتعذيبه، ثم نجد مطاع هنا جمع بين حالتين الأولى تخيله طرقا سادية يعذب بها جلاده والأخرى تعاطفه مع جلاده ومحاولة البحث عن أي سبب حتى لو تافه ليسامحه (متلازمة ستوكهولم)

فوحيد الطويلة هنا نجح بجدارة في وصف جزء مهم من سيكولوجية الإنسان المهدور والتي نجدها في أرض الواقع متمثلة في كثير من الأشخاص وإدارة الدول

رمزية الأسماء وتطابقها مع عالم وحيد الطويلة

 ‏يحاول الروائي دوما وضع أسماء لشخصياته تحمل رموزا قادرة على وصف جزء من واقعها أو ما يدور من أحداث، يخفق الكثير وينجح القليل، فالرمزية تحتاج لذكاء الكاتب حتى لا يقع في فخ السطحية، والتي تشبه الروايات القديمة والتي كانت ترمز لكل شيء برموز وصفات سطحية ومباشرة لا تحتاج لتفكير عميق أو تأويل من القارئ، وحيد الطويلة هنا نجح في اختيار اسم مأمون الذي وجدت أنه يوحي بكثير من التفاصيل التي تعبر عن شخصية الجلاد أو الواشون في هذا المجتمع، فكل المأمين هنا تعتقد أنها الأمين والحافظ للوطن، وهي يد الله العليا في الأرض، والمسؤولة عن تحويل الطالحين لصالحين، فرجل السلطة يوهم كل مأمون في الدولة أن ما يفعله  العقيدة الصحيحة التي بها ندافع عن البلاد من كل شخص ظن أنه مطاع، وكما وصفهم وحيد طويل أشخاص ” تولد من طين واحد وتعبد عدة آلهة وقائدا .

‏فيلليني ملحمة أدبية نسجت من مشاهد سريالية سينمائية

 ‏استدعى الطويلة بعض ثيمات المخرج والرسام فيلليني لنصه، فيجد القارئ نفسه في عوالم مختلفة تحمل طابعا سحريا وخياليا لكنه يتسم بالواقعية أيضا ثم من خلال المونولوج الداخلي والألاعيب السردية وبشكل متناغم تتعرف على الصراعات النفسية لكل الشخصيات، فأنت أمام لقطات يتصارع فيها الجميع أمامك “جلاد وضحية وشيطان” ليثبت أنه الأفضل وأنه الحق الوحيد في هذا العالم، ثم تكتشف في النهاية أن العشق هو سبب عذابهم، عشق المرأة… السلطة… الوطن… السيطرة… الإغواء… الحياة.. الفن”، فنحن أمام ملحمة تجسد فيها كل صراعات الإنسان، ملحمة تعددت فيها الاصوات لتحكي حكاياتنا جميعا في وطن كلنا فيه “مطيع”.

مقالات من نفس القسم