غرفتى زهرية اللون

ناهد السيد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ناهد السيد

أعلن أنى قد أديت واجبى.. وليس لدى طلبات أو اشتهاءات.. أننى مستعدة للرحيل.. يبقى سؤال واحد هام: تُرى من سأودعه أولاً وما آخر ما ترى عينى؟  سؤال وجودى ليس مرتبطا بمرض.  قد يكون سريرى الذى أثقلته بتقلبات القلق، أو جدران غرفتى الزهريه التى اخترت لونها لكى تصفو روحى كلما وطأتها. كانت الأقرب إلى قلبى ليلا تستمع إلى نحيبى وتمتص من حنقى وغضبى ما تستطع تحمله، ثم تلفظ الباقى لكى يبقى عالقا فى حلقى حتى صباح جديد، أعلقه كلوحة جمالية حتى يأتى المساء وتتفتت فى حلقى من جديد

أم ترانى سأودع سقف غرفتى الذى مل من نظراتى إليه فى صمت مطبق لأيام طويلة وأنا ملقاة بلا حركة لايعرف إن كنت افكر فى الحل أن الانتحار؟ لم يستطع أن يقرأ افكارى بعد لأنى أحكمت الغلق  عليها، ثم نسيت مكان المفتاح.. فصرنا أنا والسقف لا نعرف فيم نفكر. تدور اعيننا فى الغرفة ونعود لنفس النقطة متجنين بقعة الضوء فى المنتصف لكى لا تشتتنا وتختصر جولات اللف والتيه

كنت أشعر بالاستمتاع بتلك اللعبة ولا أريدها أن تنتهى..  فهى تشبه لحظة السرحان الذى لا تعرف بها فيم تفكر ولكنك تستمتع باللحظة وتدرك جيداً أنك فى خطر  ولا أبالى..فقد تأتيك وأنت تقود سيارتك أو تسبح وفجأة يتوقف عقلك عما أنت به ويجري بك إلى اللاشيء الذى تفضله. ويحاول عقلك الواعي أن ينبهك، لكنك تفضل الاستمتاع حتى الموت.

هذه الوداعات كلها فى  غرفتى لا أحبذ أن أموت بخارجها، ويكون آخر ما أراه الغرباء، ولا أريد أن أرى وجوه الأقربين أيضا.

افضل أن احتفظ بابتساماتهم فى الذكريات ونحن صغار معا. فعندما كبرنا صار كل لحال سبيله  وصار ما بيننا  محض حياة، اضطرارية وجود. ليس بها مشاعر حقيقية. كان أغلبه احتياجا. ليس به ود كما ينبغى أن يكون.

وبوصفى رومانسية أريد أن أستلقى وحدى، أودع أشيائى وحدى. فدائما ما كنت وحدى.تشعر بي الأشياء أكثر من البشر. سوف  تبكينى أكثر منهم وتغضب عليهم إذا اقتربوا منها بعد فترة الفراق  أتوقع أن يسكب الماء على هاتفى لأنه لا يريد يدا أخرى تعبث به ويفضل الموت حافظا أسرارى.

أما حاسوبى الشخصى سينفذ وصيتى التى همست له بها ويدعهم يطلعون على آخر ما كتبت. وربما يرفق أحدهم بى ويجمعه فى كتاب.يسعدنى أن يخلد اسمى على ألسنة الكثيرين

ستبكينى حديقتى الصغيرة وتذبل الأوراق حتى يفيق زوجى من ثبات الحزن ويعتنى بها. أما كلبتى ستظل تعوى وتبحث عنى فى الشرفات، وتنطفئ. لن تهرب كلما فتح الباب. دائما ستعود  لأن رائحتى فى أنفها تبقيها به

سيحتفظ مقعدي بسخونته ولن ينفصل عن صديقه الصغير الذى كنت أمدد قدمى عليه  سيحتويه  ويربت عليه لكنه سيشيخ قبل أوانه وتلتوي سيقانه.

هذه الأشياء التى لا أقوى على اخذها معى. أكتفى بوداعها. أقدم لها  اعتذارا  بأن قبرى صغير،  لكن قلبى أكبر.

مقالات من نفس القسم