ولد الدكتور ميشال أونفراي بفرنسا في 1 يناير / كانون الثاني 1959 وبعد نيله الدكتوراه قام بنشر اكثر من خمسين كتابا ضمن تخصصه الفلسفي والجمالي واقترح عدة نظريات ربط بين المتع الحسية من جهة وانعكاساتها على النفس البشرية متسائلا عن العلاقة بين هذه المتع والاخلاق والتحرر ، وماذا يمكن ان نتوقع من فرص لها لما بعد الحداثة ، وفي سياق تلك النظريات وضع اهم أعماله التي اراد لها ان تكون بوابة لشرحها خاصة ما تناوله في الحواس البصرية والجمالية منها ” العين البدوية ” عام 1993 ، و ” ما وراء الطبيعة من اطلال ” 1995 ، و روعة من الكوارث ” 2002 ، و ” أيقونات باغان ” 2003 ، و ” فصل من الطقوس ” 2004 ، و ” دراسة الأعمال التي رسمها جاك باسكيير ” 2008 ، اضافة الى كتبه فقد نشر العديد من بحوثه في مجلة ” الفلسفة ” الفرنسية الشهيرة ، وترجمت اعماله الى اللغات الهولندية والبرازيلية والاسبانية والالمانية والبرتغالية اضافة الى الانكليزية ، لكن اهم ما أنجزه باعترافه هو تأسيسه للجامعة الشعبية عام 2002 .
ومن بين الذين تصدوا بقوة وقسوة متناهية على أونفراي الباحثة النفسانية المعروفة ” ايليزابيث رودينيسكو ” صاحبة مؤلف ” التحليل النفسي بفرنسا ” الصادر بجزأين عن دار فايار للنشر ، حيث كتبت دراسة مطولة على موقع المجلة الاسبوعية الفرنسية ” لونوفيل اوبسيرفتوار ” فندت فيها ما جاء في كتاب أونفراي من تفاصيل اعتبرتها تلفيقات عارية عن الصحة متسائلة بالوقت نفسه عن دواعي تجاهل المؤلف لأربعين سنة من الدراسات الجادة الأخيرة الصادرة بكل اللغات عن فرويد والتحليل النفسي ، وعلى النقيض من ذلك راح يخوض في اساطير تم دحضها منذ سنين وكأن أونفراي – بحسب رودينيسكو – اكتشف حقائق جديدة لايرقى اليها الشك ولايشوبها ريب ، فإذا كان التحليل النفسي هو مجرد خدعة كما يزعم أونفراي فكيف يمكن ان نفسر نجاح فرويد ، نحن نعلم ان الانتقادات ضده بدأت اثناء حياته ولم تتوقف عمليات التزوير المزعومة لنظرياته طوال قرن من الزمان ، والتقدم المذهل الذي احرز في السنوات الأخيرة في علم الاعصاب وعلم الوراثة والبيولوجيا لايعني ان التحليل النفسي الذي جاء به فرويد قد عفا عليه الزمن ، وخلافا للاعتقاد الشائع حتى في اوساط بعض النفسيين فرويد لم يبن نظريته ضد تيار العلم والقيم في عصره في اواخر القرن التاسع عشر وليس هو بالفكر العقلاني المهيمن الذي لايسمح بخروج نظريات اخرى توازي نظريته ، وتواصل رودينيسكو نقدها لأونفراي واصفة إياه بأن كتابه يعج بالاخطاء التاريخية الفاضحة منها كون فرويد كان طبيبا شخصيا لهتلر ما بين الحربين العالميتين ، كما انه كان الصديق الحميم لموسوليني ، وتتأسف رودينيسكو مما يثيره هذا الكتاب من أذى عميق للأشخاص الذين يتبعون علاجا بواسطة التحليل النفسي ، والذين يزيد عددهم عن 8 ملايين في فرنسا وحدها ومنهم الاطفال المصدومون والمرضى النفسانيون والمجانين ، والمهاجرون الذين يعانون صعوبات في التأقلم مع مجتمعهم الجديد .
سيغموند فرويد هو إبن تاجر القطن المولود عام 1856 بمورافيا إبان عهد الامبراطورية النمساوية الهنغارية وتوفي في العام 1939 عن عمر يناهز ال83 عاما بلندن بعد اصابته بمرض السرطان في الحنك اضطره الى القيام ب 32 عملية جراحية ، والذي امام معاناته الشديدة واستحالة علاجه وظهور امراض اخرى تم اعطاؤه من طرف طبيبه الخاص ماكس شور وموافقة ابنته آنا جرعة قاتلة من مخدر المورفين كانت السبب في رحيله .
سيرة حياته ونظرياته وسجالاته مع رجالات عصره من العلماء بسببها جعلت من تلك المعارك تمتد الى الفيتنا الجديدة ولن تنتهي بين أونفراي ورودينيسكو حيث كذب ما قالته في ردها عليه من كونه درس اعمال فرويد في الخمسة أشهر الاخيرة التي سبقت اصدار كتابه ، مؤكدا ان الأصح هو بداية دراسته لأعمال فرويد منذ العام 1973 ، من جهة اخرى اوضح انه استعان بمراجع في دراسته ملئت 20 صفحة من الكتاب تشتمل على 50 ألف علامة فهل هذا على حد تعبيره بعد غير كاف في نظر رودينيسكو التي اصرت في ردها عليه من انه لم يستعن في كتابه بأي مرجع وهو مايعد سلوكا غريبا في نظره يصدر من هذه الباحثة .
الكتاب اعتبرته دور النشر الفرنسية الاكثر مبيعا الآن ويحظى بردود عارمة من قبل النقاد ، واعتبر المؤيدون لمؤلفه انه قد فجر قنبلته في وقت يحتفل العالم بفرويد مع كل منجز يتماهى مع نظرياته وابحاثه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*شاعر وناقد عراقي
خاص الكتابة