بقع حمراء

تشكيل
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

كنت على مسافة ثلاثة أمتار حينما سقطت المياه الباردة فوقي من نافذة في الدور الرابع وأنا أرى فتاتي التي وقعت في حبها منذ عام تحتضن أحدهم، هى بالطبع تعرفني أنا الذي يسكن بالطابق المقابل لها، الذي اقتحم كرسي فارغ بجوارها على القهوة ليتعرف عليها، اهديتها كتابًا ل”إدجار الآن بو” فرأيت في عينيها سعادة غامرة وكأنني أهديتها كنزًا.

لم ينصفني الحب ولا مرة وأنا الرجل الذي أكمل الأربعين من عمره ولازال في سذاجة الحالم الذي ينجذب للفتيات ويتلمس منهم الحب دون تصريح مباشر.

منذ ما يقرب من الخمسة أعوام وأنا أعاني من مرض جلدي إذا تعرضت للشمس، لكن مغامرة الحب لدي كانت أقوى فصرت رجلاً محطم القلب ومغلف ببقع حمراء وغارق في مياه باردة نزلت عليّ من احدى النوافذ للتو، يا له من مشهد رومانسي !

لأكون صادقاً كان وقع المياه لطيفاً على جلدي الملتهب من أشعة الشمس واعتقدت لوهلة انها خففت أيضاً من لهب انفعالي في هذا الموقف، لذلك لم اشعر بالغضب من السيدة التي بالكاد لمحت طرف فستانها الأزرق من النافذة، وحينما التقطت عيناي فستانها الأنيق تحول انتباهي للحظة الحالية حتى اني نسيت غرقي في المياه والفتاة التي كانت قد غادرت بالفعل من أمامي، وحتى الاكسسوار الهدية التي كنت انوي اهدائه لفتاتي.

لقد اهدتني هذه السيدة نوع من الانتباه لم اختبره منذ سنوات، ربما سقطت عليّ المياه نظراً لوقوفي في الزاوية الخطأ / التوقيت الخاطئ من الحدث / المكان كما كنت أقف دائماً.

هل قصدتني المياه/السيدة؟ هل خططت صاحبة الفستان الأزرق لهذه اللحظة حتى تسرق انتباهي؟

من نافذتي أرى فقط الشارع الذي أسكن فيه وأكتفي بالجلوس على القهوة مرتين في الأسبوع ليلاً، أما نهاراً فأتجنب الشمس والعالم معاً، لم أختبر شعور الحب منذ ثلاثة أعوام بعد أن هجرتني زوجتي، حينذاك أدرتً ظهري للعالم ، واكتفيت بعلاقتي مع نصوص الترجمة والقليل من الأصدقاء ثم مراقبتي للناس وأنا وحدي أدخن على كرسي القهوة.

حينما رأيت فتاتي هذه- التي لم أصرح لها بالحب وافترضتً جدلاً انها تخونني قبل غرقي بالمياه الباردة-،عرفتُ أن عفويتها ولطفها المبالغ فيه سيكون سر إغوائي لم انجذب أبداً لسيدة شديدة الجمال والقوة ، سيدة تبدو وكأنها تعشق صورتها فى المرآه، تجذبني بساطة الأشياء وحتى ضآلتها، وودتُ أن أرى ظلي الجميل في ضآلة حجم هذه الفتاة.

عدت إلى البيت بملابس مبللة وتساؤلات عن هذه السيدة التي منحتني انتباه من العجيب أنه اصبح محبباً إلى قلبي، هذه اللحظة من الانتباه التي اشعلت دهشتي تجاهها وأثلجت انفعالي بألم التهاب جلدي وألم مشهد خيانتي الذي تم استدعاؤه في ذهني.

هجرتني زوجتي في يوم ما ببساطة ، كان لديها شجاعة التصريح بأن مشاعرها قد اتجهت لشخص آخر ، منحتها الكثير وربما يكون ذلك تحديداً هو السبب غير انى لم اندم ولم أكن لأغير طريقتي في الحب إذ كنت فقدت انجذابي ودهشتي بالأشخاص على أي حال.

لكني مع ذلك سعدت بتصريحها وان كنتً قد تألمت كثيراً لهجرانها، الأمر الذي أثار دهشتي –ألم تكن الدهشة دائماً هي الشعور المقابل للحب؟!- حينما انجذبت لتلك الفتاة التي تألق جمالها الهادئ مع اشعة الشمس ، لذلك لم أكترث للبقع الحمراء التي غطت جلدي وأنا أتخلى عن انعزالي نهاراً مقابل استمتاعي بشعور لم اختبره منذ سنوات حتى وإن استمر في خذلاني.

وبعد أن تسببت صاحبة الفستان الأزرق في انطفاء بقعي الحمراء/ ألمي، عدتً إلى الزاوية الخطأ/المكان الذي أغرقت فيه المياه جسدي وصرت أتأمل وانتظر واتساءل ، هل تمنحني هذه السيدة لحظة أخرى من الانتباه؟!

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال