فى الكتاب حوالى ثلاثين قطعة أدبية ، وقد قسمتها الكاتبة قسمين : اهتزازات غائرة ، واهتزازات صغيرة ، ربما لكى تهرب من كلمة (القصة القصيرة ) أو (النص) أو (الشعر المنثور ) وهي الكلمات التي اختلطت وتداخلت وشاعت .
اهتزازات هى إذاً ، تصل الكاتب بقارئه وتنقله من حال إلى حال ، اعتمدت الكاتبة على دقة التركيب والتعبير ، وتحديد الجملة وإحكام تصويبها ، كما اعتمدت على تجريد واقتصاد فى التعبير ، اعتمدت على المسكوت عنه أكثر من المقال .
كل محاولات القراءة وإعادة القراءة لم تقد بصيرتى إلى تفسير حالة الاعجاب والسعادة بهذه (الاهتزازات ) الأدبية التي تكشف عن برعم أصيل لكتابة مقتدرة حتى فتح الله على الكاتب إبراهيم أصلان بتعبير (بلاغة الحالة ) الذي صاغه فى الحديث الجميل الذي نشرته له أخبار الأدب ، يقول إبراهيم أصلان : ((فى الكتابة تصل الرسالة على أقرب الوجوه صحة كلما كانت هناك خبرة إنسانية أصيلة وعميقة ومشتركة بين الكاتب والقارئ )) ، ثم يقول )) استخدم لغة مختلفة متخلصة من حليها ، لتصبح لها حياتها الجديدة والحقيقة ….وأعتقد أن الحداثة الحقيقية هي سعى نقيض للبلاغة اللغوية لتاسيس بلاغة الحالة التي يُعبر عنها الكاتب . ))
فى ضوء كلمات وأفكار إبراهيم أصلان انفجر المعنى الحقيقى لمحاولات نجلاء علام ، واخذت اهتزازاتها الأدبية (بل قصصها القصيرة الجديدة أبعادها الحقيقية ).
وليسمح لى قارئ الكتاب أن أضع يده على فقرة رأيت فيها جمالاً خاصاً وتمثيلاً لطريق الكتابة تقول فى قصة ( الحان منسية ) (مع ابنتى نور ارتحل نحو صفاء عذب فقدته منذ زمن طويل ، اقبل كفها الصغيرة وهي تحاول عد أصابعها تضحك فتبين سنتاها الصغيرتان السفليتان وتضيق عينها النجلاوان ، أُداعب ضفيرتها وأحل شعرها الأسود وأمشطه تتململ وتنزلق من يدي هاربة ، أتشاغل عنها وأدعي أني أبحث تحت السرير ، داخل الدولاب ، أحذرها بكلماتي أن تخرج وأنا أتجه نحو البلكونة ، وأعرف أنها تختفى خلف باب الحجرة . اقترب بهدوء شديد ، وأنا أرى أصابع قدميها الصغيرة فانقض وتكون تلك الصرخات المخنوقة وذلك التشنج الفرح وجسدها الصغير ينتفض من المفاجأه والفرحة ومحاولة الفرار . الجنة بين يدى أحملها وأدور فينمحي الكون ويتسرب اللحن حنوناً دفاقاً منتشياً ، يرتفع ثم يهدر فأصعد بها ، وأصعد حتى نطأ الطمأنينة )
تلك حالة إنسانية بليغة ، منقولة وواصلة للقارئ في فنية باهرة .
لا أعرف ماذا تقصد الكاتبة بعنوان الكتاب (أفيال صغيرة لم تمت بعد) لكننى توقفت بالطبع عند القصة التي تحمل العنوان نفسه ، وعند الاقتباس الذي أوردته فيها ، والذي لا أعرف من أين جاء ؟
( هل أصبحنا كالأفيال الصغيرة تفاجأ بثقلها حين الولادة فترتمي على الأرض ، تدرك حينها أن الراحة موت ، وأنها لابد أن تنهض إذ تتوسل عيون الأمهات لها ، أفيال صغيرة تعرف أن لحماً وعظماً وجلداً سميكاً يضغط الرئة فتتهشم ، تتعلم أن تقف على قوائمها ، وتواجه هواءً بارداً وغابة بلا نهاية . )
تنتقل إلينا الدهشة ، الدهشة الأصيلة التي تبقي الوجود ، تلك الدهشة التي هي لب الفن .
أخيراً أخبار سارة ، فازت الكاتبة نجلاء علام بالجائزة الثانية في المسابقة القومية الكبرى للأدباء الشبان ، والتي نظمها صندوق التنمية الثقافية ، اعتقد أن كتابة نجلاء علام تحل لنا ذلك الموضوع المتشابك ،وغير الحقيقى الذي يتحدث عن أدب المرأة أو الأدب النسائى ، ويعيدنا إلى الحقيقة الجوهرية التي قالها منذ قرن ( ادجار الان بو ) الكاتب الأمريكى المعروف وهو أن الكاتب يكتب للعالم كله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مجلة صباح الخير، العدد : 2150 ، ص 60 ، بتاريخ : 20 / 3 / 1997 م