بدرو الخفيف

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
  إنريكي أندرسون امبرت ترجمة: محمد الفولي ظل طوال شهرين قريبًا من الموت. كان الطبيب يتذمر ويقول إن مرض بدرو جديد ولا طريقة لعلاجه، بل وأنه لا يعرف ما الذي يجب عليه فعله.. لحسن الحظ بدأ المريض في الشفاء وحده. لم يفقد مزاجه الجيد أو هدوءه ورضاه الريفي. كان فقط أنحف من اللازم وهذا كل شيء، ولكنه عقب نهوضه بعد نقاهة استمرت لأسابيع، لم يكن يشعر بوزنه. قال لزوجته: - حسنا.. أشعر أنني بخير ولكن لا أعرف! جسدي يبدو.. غائبا. الأمر يبدو كما لو أن شحمي يذوب ليترك روحي عارية. أجابته زوجته: بعض الوهن - ربما. واصل تعافيه وأصبح يتجول في المنزل ويجلب الطعام للدجاج والخنازير بل ودهن قفص العصافير القديم باللون الأخضر، وتشجع أيضا على قطع الحطب ببلطته ودفعه بعربة اليد حتى المخزن. بمرور الأيام فقد لحم بدرو كثافته. كان هناك شيء غريب يؤرقه ويقوضه ويفرغ جسده. كان يشعر بانعدام عجيب للجاذبية كما لو كان شرارة أو فقاعة أو بالون. لم يكن يصعب عليه القفز من فوق السور أو صعود خمس درجات مرة واحدة أو قطف أعلى تفاحة بقفزة بسيطة. كانت زوجته تراقبه وقالت: لقد تحسنت كثيرا.. تبدو مثل لاعبي الأكروبات. ذات صباح ارتعب بدرو. كانت رشاقته حتى هذا الحين قد أقلقته فقط ولكن كل الأمور الأخرى كانت تسير على ما يرام. كانت قدرته على تحويل طريقة سير البشر العادية لسباق سرعة نحو النصرعلى الغيار الخامس أمرا استثنائيا، ولكنه لم يكن أمرا إعجازيا،  لأن كل ما هو إعجازي ظهر في ذلك الصباح. كان الوقت مبكرا حينما ذهب نحو المخزن. كان يسير بخطوات محسوبة لأنه يعرف أنه إذا ما مد خطواته فإن الأمر سينتهي به في الحظيرة. شمر عن أكمام القميص ووضع جذع الشجرة في المكان المناسب وأمسك بالبلطة ونزل بضربته الأولى وحينها، جعل رد فعل ضربة البلطة بدرو يرتفع في الهواء. ظل للحظة معلقا وطافيا هناك.. ممسكا بالبلطة، على الأسقف العالية ثم هبط بعدها ببطء. هبط مثل زغب النباتات الشائكة الدقيق. وصلت الزوجة بعدما كان بدرو قد هبط بالفعل. كان يرتعش بشحوب مميت وهو يمسك بقطعة من الحطب. - هيبي! كنت أسقط نحو السماء! - ما هذه الحماقات. لا يمكن أن تسقط نحو السماء. لا أحد يسقط نحو السماء. ماذا جرى لك؟ شرح بدرو كل شيء لزوجته التي أجابته بكل حكمة: - يحدث لك هذا لأنك تعيش دور الأكروباتي. قلت لك سابقا إنه، في يوم لن تضعه في حسبانك، ستدق عنقك في واحدة من قفزاتك. أصر بدرو على كلامه: - لا! لا! الأمر الآن مختلف. انزلقت وكانت السماء هي الهاوية يا هيبي! ألقى بدرو قطعة الحطب التي كان يمسكها ثم تشبث بزوجته بقوة وعادا متعانقين هكذا نحو المنزل. قالت له هيبى بعدما شعرت بجسده يلتصق بها بغرابة كحيوان بري شاب يرغب في الهرب: - يا رجل! يا رجل! توقف عن الإسراع. أنت تجرني. تخطو كما لو كنت ترغب في الطيران. - هل رأيتِ؟ هل رأيتِ؟ هناك شيء رهيب يهددني يا هيبي. مجرد التواء ويبدأ بعده الصعود بالفعل. في ساعة العصاري كان بدرو يرتاح في الردهة ويقرأ قصصا مصورة في الجريدة. ضحك بقوة وبدفعة هذا المحرك السعيد ارتفع مثل الغواص الديكارتي، مثل غواص ينزع زعانفه. تحول الضحك إلى رعب وجاءت هيبي مجددا بعد سماع أصوات زوجها. تمكنت من جذبه عبر السروال وأحضرته مجددا إلى الأرض. لم يعد هناك شك. ملأت هيبي جيوبه بصواميل كبيرة وقطع معدنية وحجارة. منحت هذه الأوزان حينها جسده الصلابة اللازمة للسير بحرص عبر الرواق وصعود السلالم نحو غرفته. كان خلع ملابسه هو المهمة الصعبة. حينما أزالت هيبي قطع الحديد والمعدن، أمسك بدرو وهو يطفو فوق الملاءات بقضبان السرير وأخبرها: - بحرص يا هيبي! لا أريد أن أنام على السقف. - غدا سنتصل بالطبيب. -إذا ما تمكنت من الحفاظ على هدوئي لن يحدث شيء. فقط حينما أنفعل أتحول لطائر في الهواء. تمكن من الاستلقاء بعد أخذ ألف احتياط. شعر حينها بالأمان. -هل ترغب في الصعود فوقي؟ - لا. أنا جيد هكذا. تمنى كل منهما للآخر ليلة سعيدة وأطفأت هيبي الأنوار. في اليوم التالي حينما فتحت هيبي عينيها رأت بدرو ينام قرير العين، ولكن رأسه كان ملتصقا بالسقف. كان يبدو مثل بالون هارب من بين يدي طفل، لذا صرخت مرعوبة: - بدرو! بدرو! استيقظ بدرو في النهاية متألما من الالتصاق لعدة ساعات بالسقف. يا للرعب! حاول القفز بالعكس ليسقط للأعلى، بل ليصعد للأسفل ولكن السقف كان يجذبه كما كانت الأرض تجذب هيبي. - عليكِ أن تقيدي ساقي وتربطيها بخزانة الملابس حتى تتصلي بالطبيب ونعرف ما الذي يحدث. بحثت هيبي عن حبل وسلم وقيدت ساق زوجها وهي تجذب بكل حماس. تحرك الجسد الملتصق بالسقف كمنطاد بطيء وهبط. في تلك الأثناء تسلل تيار هواء رفع جسد بدرو الخفيف و..مثل الريشة أطاح به عبر النافذة المفتوحة. حدث الأمر في ثانية. أطلقت هيبى صرخة وسقط الحبل من بين يديها ليصعد مع هواء الصباح البريء. كان يرتفع بتخايل ناعم كبالون هارب في أحد أيام العيد ليضيع للأبد في رحلة من التيه. تحول بعدها إلى نقطة في الأفق ثم أصبح لا شيء. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ روائي وقاص وناقد أرجنتيني (1910-2000)       

مقالات من نفس القسم