بدائل الغياب وتجميع الذات.. قراءة في رواية مي التلمساني “الكل يقول أحبك”

الكل يقول أحبك
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

علي قطب

خارج الأوطان في سياق درامي يضم أجيالا من المهاجرين واللاجئين والموزعين في شتات عابر للقارات، تتوجه الحواس للبحث عن ملمح تتشابه فيه الوجوه أو علامة ثقافية أو شخصية مشتركة لعل هذا الخط الواصل بين المغتربين عبر العالم يصنع لهم ما يشبه بيئة حاضنة بديلة لغياب البيئات الأصلية التي نزحوا منه، في هذا المحفل المتشابك ببرود برجماتي والمفعم بحنين مبرر يتصنع الاحتماء بمواطنة إنسانية تلتمس مي التلمساني عالمها الروائي الذي اختارته له عنوانا من أحد أفلام وودي ألن، وكأن كلمة الحب تتعلق بمرجعية خفية لمفهوم غائب في الذاكرة يستدعي لحظات الحلم في الأوطان، تلك اللحظات غامت في عتبات التمزق ودفعت بالشخصيات للخروج فوجهت مشاعرها إلى عالم محاصر بالترحال، إن الحياة الحقيقية سقطت سقطت في هوة الفقد وأصبحت الاحتياجات الأساسية لبيت وعمل وترقية وإخلاص عاطفي غير محققة وكأن الحب الحقيقي يعادل الوطن الغائب.

مزجت مي التلمساني بين العرض السردي الذي يؤرخ لكل شخصية والمشهد الذي ترى فيه الشخصية الآخر وكأنه مرآة لها، على طريقة بورخيس وبتوظيف ذكي لجماليات المشهد المسرحي والسينمائي وبنت الرواية على أساس تعدد الأصوات لخمسة نماذج مغتربة تكاد كل شخصية تكون صورة للأخرى إذا وضعنا في الاعتبار الفجوة الزمنية بين الأعمار أو تقوم الشخصية بدور الخزانة التي تحتوي المعلومات في سرية لا تبوح بها سوى للقارئ، وكل ينتظر حلمه بلحظة عاطفية ولو كان ذلك في نزوة محددة بعناية تجنبا للصراع الذي يهدد الاستقرار الزائف.

بنية المرآة قاومت الفصل بين الشخصيات وأخذت تعدد الأصوات لمسار أكثر عمقا وغرابة ينذر بنوع من التهديد بفقدان الهوية وأضافت للرواية رمزية غامضة تطرح أسئلة عن الهوية الفعلية للشخصيات أو الافتراضية التي تحدث داخل ذهن شخصية واحدة تتخيل الآخرين حولها لدرجة أن الشخصية في حوارها تطرح كلامها كما لو كان كلام الآخر مؤكدة أنه قال ذلك وهذا عكس ما جاء بصددها عند شخصية أخرى، هذا الاستلاب يناسب شخصيات تشعر بفقدان الهوية ولم تستطع التأقلم مع عالمها الجديد كما بدأت أجيال الأبناء في التأقلم الصامت، بالإضافة إلى ذلك تبدو الشخصيات كلها تمزقا لذات المؤلف الضمني الذي يكتب الرواية من داخلها وكأن هذا التفكيك من قبل ذاك المؤلف الافتراضي هو محاولة للائتناس بصور نفسية متعددة لذات واحدة ممزقة.

عنوان الرواية صبغها بشعرية بها حنين بزمن قديم، زمن مرئي وخفي موجود في دهاليز الشبكة العنكبوتية، يمكن استعادته للحظة مثلما تستعيد الشخصيات أحيانا بعض المؤكولات أو الحديث بلهجات موطنها الأم.

الرواية حافلة بالإشارات الثقافية لأعمال أدبية وفنية ومرجعية حضارية ونماذج مختلفة لا تجعل العربي مغتربا وحده بل هناك الأوروبي الشرقي والأقليات الموجودة في كل بلد والاختلاف بصدد كلمة يمكن أن تستعمل عند الذات بمعنى في حين يستعمل لها الآخر كلمة أخرى فيحدث الصدام بين الشخصيات لتستعيد فيه درجة من حيوية وجودها التاريخي ما يلبس أن تستسلم للبرودة والاحتياج على حساب الحلم النائم الذي يجعل الرواية كلها وكأنها حلم مسافر يرى في المقعد الشاغر أمامه شخصيات تشبهه.     

 

اقرأ أيضاً:

مي التلمساني.. ملف خاص

مقالات من نفس القسم