الأمطارُ رفعت قمصانها للقمر

هدى جهاد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هدى جهاد

متى نستفيق؟
الأرضُ عاريةٌ من أنهارها
واليد التي رافقت الزَّرعَ تتأمَّلُ الفراغ
والطّائرُ الغريبُ يتمتم… بعض كلماته ماءٌ وبعضها الآخر بحرٌ
لمحتٌ ملحًا يسقط من النَّهر وهو يخلع قميصه الأخير
والسَّماء ترسلُ مطراً يُبلِّل النوافذ العنيدة
ويغرس زهراً في أكفِّ الصبايا
هي محاولة ليتبدّى الكون من جديد ويترك كل شيء بلا وداع يمضي.

صمتٌ يشبه الجُّدرانِ
وعواء الذِّئاب في ظهيرة الأمس
ضحكة يتيمة تزحف في رئة المسنّين
والمراكب والقطيع يسألون: متى نستفيق؟

مزارع اليأس تلوِّح للمارّة.. وتخفي الهزائم والانهيار
تسأل عن القميص
هل رمى به النَّهر فوق قواربٍ مثقوبة؟
عيون العصافير تتماهى عن السَّنابل ومع فراشات الشَّمس تطير
والعشب يوصد باب النَّهارات في وجه الخبز العاشق للطير
حبال الغسيل جفَّت، السُّقوف عانقت الليل في الجسد، ولا رغيف على ظهر السلحفاة
جميع الأمطار رفعت للقمر قمصانها ولا أحد يُجيب
البعض يبحثون عن الأسماء الغريبة والغيمة في الاغنيات والمفاتيح الخطأ في التوابيت
وبقايا الندوب فوق ساقية الروح
لكنها جميعها تدلف مع الشمس وتأخذ ضوء آخر
لتخرج من فمي.

*****
وجهي يقتلهُ ظلك

لك أن تتسلق الوجوه… بأقدامي الصغيرة
كلها فارغة لا تحمل ايماءات كما تظن
بعضها تحوَّل إلى نسيان يركض حافياً في رأسي
وبعضها يعلوها اليباس.

توقّف قليلًا
أريد أن أغنّي وأنا أقف على رؤوس أصابع النسيان
أن أملأ ثوبي الممزَّقِ ضحكات واتسكَّعُ في ثغرك
أعلم أنَّهُ ليس لي
لكن توقف، لا تنظر إلى وجهي
فالصمت اشتبك معي في محطة الشوق ليعود بي إليك

لكن ماذا عن الوجوه
تقف آخر القطار  و تحدِّقُ بي
التَّذاكر تريد الهرب
ووجهي يقتلهُ ظلك
وما زال الطريق طويل يأسر خطواتي
هل لك أن تتقبَّل حطام كل المفارق؟
سأربط عنق الذِّكريات
وأضعك في  قلب الشَّجرة التي كنّا نجلس أسفلها
أو على رفِّ الكتب التي قَرَأتَها لي
أراقبك وأنت تطير
ثم أعيد ترتيب اللحظات
وأضَعُني في قلبكَ
وأترك الشَّجرة تبكي فراقك
وهي تنظر إلى جوفها الفارغ
وأمضي
فوق غيم ترسمهُ الأصابع
فيستيقظ الصُّبحُ في ملامحِ الشَّمس
ووجهي يذوب.

أرجوكَ أن لا تنظر إليَّ
أعلمُ أنَّ اللِّقاء غريبٌ وليس هناك سلمٌ ولا ضوء
وأنا أثمِّنُ موت المسافات
لكن

لا تقتل نبع الرغبة.

******
كلُّ الموتى ينامونَ في رأسي

من الذي أيقضني من موتي؟
النهار يقودني لصورٍ تالفةٍ

 ويعود بي إلى طريق اللّصوص ، فقد سرقوا رأسي بأكذوبة حلم .

شباب تمتزج رائحتهم مع ضفائر الفتيات، وفي أعينهم مقعدٍ فارغاً لصورٍ جديدة
بعضهم كان يزينها والبعض الآخر تسربت صورته إلى صراخ يسقط في الذهول.

كنت هناك

أتفحَّصهم بدقة وتمعّن ، رافعةً رأسي لسماء وجوهِهم …علَّني ألتَمس وجه من أبحث عنه في صفحات الغيوم
ليحلِّقَ مع ضحكات إخوته ولحمه المعتَّق ببراءةِ حبيبته

يحدثنا النبع عنه …كيف غادر صوب الملائكة
وكتبت المياه طلاسمه على كلِّ الأشجار.

عين من هذه ؟
اللصوص سرقوا ملابسي وأهدوني ملابس برائحة الموت
حتّى تدحرج بعضهم فوقي فسقطت في أفواه التراب
لكن عين من هذه؟
من الذي أيقضني من موتي
فقد كنت هناك
بادلتهم بعض ضحكاتي وأعطوني حلمًا مرتجفًا
زرعوه في  خطواتي الغائبة
الآن كل الموتى ينامون في رأسي
وانا استريح في طلقةٍ طائشة خرجت
من فوهة حلم .

……………

*شاعرة من العراق

 

مقالات من نفس القسم