وفى الطريق ورغم الضوضاء كان هناك صوت يعلو كلما اقتربت من صالة المدخل الرئيسى، يدعو المارة أمامه لشراء باقات الزهور المتواضعة، والمرصوصه فى علبة من الكرتون على الأرض
ـ مسيو،مدام، عشرة فرنك البوكيه
مسيو مدام، عشرة فرنك البوكيه
عندما مررت بجواره ، بدا وكأن صبره قد نفذ من النداء، فأصبح يكرر نداءاته بعصبيه وحدة.
وقبل أن أمضى فى الممرالطويل، بدأ يسرد علي مسمع المارة، وهو يسب الجميع كيف أنه أنفق مامعه لشراء هذه الزهور، وتحضيرها فى باقات جميلة، لكسب بعض النقود ليستطيع أن يأكل، وأن يدفع إيجارغرفة الفندق،
وكيف أنه لم يبع حتى الآن أيّ و احدة من هذه الباقات، رغم وقوفه على قدميه منذ ساعات يستجدى الناس للشراء منه.
كان واضحاً أن كل ركاب المترو المارين لايعنيهم بأي حال وجوده، ولايهمهم فى قليل أو كثير مايحكيه، وليس لديهم حتى الرغبة فى إلقاء نظرة على زهوره الذابله، فكانوا يسرعون فى خطواتهم وكأنهم لم يروه، أويسمعوه، قبل أن يختفى تماماً عن ناظرى، يبدو أن الكيّل قد فاض به، فبدأ صوته يعلو، وهو يلعن البشر والدنيا والسماء والأرض وكل من عليها، وبدأ يضرب بشدة كرتونة الزهور بقدميه، فتناثرت من حوله، وانطلق بغيظه يهرسها بحذائه الثقيل، لاعنا الزمن والحياة التى اضطرته لسؤال هذه الجموع الغبيه من المارة الأنانيين المتسرعين.
واستمر المتدفقون من ركاب المترو من حوله كسابقيهم وكأنهم لم يروه، أويسمعوه، وكالعادة لم يكن يعنيهم إلا اللحاق بالمترو الخاص بهم، فكانوا يتفادون بأدب جسد الرجل الثائر أمامهم، ثم يمضون فى طريقهم مثلى، ومثل الآخرينـ خصوصاً أن صوت الرجل بدأ يبتعد، ويفتقد الوضوح وأنا أقترب من الرصيف الخاص بى، ثم اختفى صوته تماماً تحت ضوضاء وضجة عربات المترو الداخلة إلى المحطة.
…………….
*كاتب مصري يقيم في فرنسا