انطباعات حول ترجمة ألبير كامو إلى العربية

ألبير كامو
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سعيد بوخليط

ربما انطبق حسب تخميني، على ترجمة نصوص ألبير كامو إلى العربية ، كما الشأن حقيقة بالنسبة لكبار الأعلام؛ الذين أرسوا في سياقات تاريخية وحضارية مختلفة،  معالم الثقافة الإنسانية، ثلاثة معايير أساسية، يلزم فيما أظن؛ استحضارها قبل مباشرة أي محاورة مع ألبير كامو وأمثاله:

*ضرورة تخلص المترجم قدر ما أمكنه الأمر،  من جل رواسب التصنيفات النمطية الجاهزة؛  التي ترسخت مع مضي وتوالي السنوات، قصد بعث النص ثانية من سباته، ومنحه فرصة أخرى؛  كي يكشف عن مكنوناته الباطنية والظاهرية.يلزم في هذا الإطار، أن نضع جانبا تلك النعوت الشمولية ذات النزوع  الكلياني الجازم، لأنها تقطع الطريق منذ البداية أمام كل محاولة جديدة لتطوير ممكنات النص والدفع بآفاق الكاتب صوب مستويات تتسم بالإبداع والجدة، غير مطروحة سابقا نتيجة عقدة الجاهز المكتمل.مادامت الترجمة،  قراءة مبدعة؛  كتابة مغايرة للنص الأصلي.لأن الأخير لاينتهي مع توقيع صاحبه،  ولايبدأ  أيضا مع القراءات المطمئنة.

 إذن، وأنت تسبر أغوار نص كامو،  يجدر لتحقيق نتائج أكثر فاعلية من سابقاتها؛  إعطاء الأولوية لطبيعة تفاعلك الشفاف؛ الشغوف، بغض النظر عن التأويلات المكرسة التي تنزع بك إيديولوجيا نحو هذه الوجهة أو تلك، فتلقي غبارا أمام جلاء الرؤية.  وقد ظهر هذا التصور بشكل واضح، مع هذه الرسائل الغرامية إلى محبوبته الممثلة والمسرحية المنحدرة من أصول إسبانية،  ماريا كازارس،  بحيث نصغي إلى كامو؛ مغاير تماما لكامو العبث؛  التمرد؛  الوجودي؛  المسرحي؛ الصحفي؛  البوليميكي؛  السياسي؛  والقائد الملهم لآلاف من شباب ثورة 1968، على امتداد أوروبا بشقيها آنذاك الشرقي والغربي. لكن فقط كامو الإنسان الشفاف جدا، العاشق حتى النخاع، المتجرد إلى حد ما، غير آبه  بتواتر النعوت السابقة، الوفي لنداء قلبه فقط.

*ربما ردَّ قائل،  بأن كامو فيلسوفا في نهاية المطاف،  أرسى دعائم نسق مفهومي، مثل كل الفلاسفة، ولذلك اشتغل مشروعه على جبهات عدة، منتقلا في سبيل تكريس أفكاره والدفاع عنها بين التنظير الفلسفي والإبداع الأدبي والتأليف المسرحي والمقالة الصحفية ثم أدب الرسائل.فبالإضافة إلى رسائله الطويلة مع حبيبته كازارس،  طيلة أربعة عشر سنة تقريبا، بحيث:((قاربت ثمانمائة وخمس وستين رسالة، رسخت إلى الأبد هذين العاشقين الشهيرين والمتواريين في الآن ذاته. بدأ عشقهما ، يوم 6 يونيو 1944 ، تاريخ صادف نزول قوات الحلفاء إلى نورماندي، متطلعين نحو الحرية الكبرى(( (مقدمة الرسائل ).يلزمنا في هذا الباب أن نستحضر أيضا بذات الزخم، مراسلاته مع أقرب أصدقائه؛  ضمن صفوف الوسط الثقافي الفرنسي آنذاك، أقصد الشاعر الكبير روني شار:((تبادل الكاتبان رسائل،  لمدة ثلاث عشرة سنة، تضمنها  مُؤَلَّف صدر سنة 2007 . روت هذه المراسلات مواقفهما المشتركة،  شكوكهما،  أفراحهما  ثم تقاربهما. مثلما يشرح روني شار،  قائلا :” سيأخذ مسار أخوَّتنا مدى يتجاوز كثيرا مانتصوره ونعيشه. شيئا فشيئا، سنزعج تفاهة محتالين،  يتقنون فن الكلام ،  ينتسبون إلى مختلف روافد حقبتنا.جيد، أن تنطلق معركتنا الجديدة ومعها مبرر وجودنا”. استمرت الصداقة بين الرجلين إلى أن وضع لها القدر نهاية : مات كامو يوم 4 يناير 1960، جراء حادث سيارة تراجيدي))(أرشيف لوفيغارو :أعيد نشر الرسالة يوم 16 فبراير2018، ترجمة :سعيد بوخليط).ولأن كامو؛  يبقى الواحد في المتعدد، والمختلف الذي يحويه المؤتلف،  فلا يصح منهجيا،  تجزئة الرجل قطعا، بل احترام تكامل النسق بناء على روح أبعاده المتداخلة.أعترض، فقط على النتيجة دون المقدمة، لأن كامو نفسه كرس حياته لتقويض جل أنواع الفكر الدوغماطيقي.

*الملاحظة الثالثة والأخيرة، استطرادا على ماسبق، يقتضي الانتقال بنص كامو إلى العربية، كما الشأن مع النصوص التأسيسية الكبرى؛ والقوية التي اهتدت بالبشرية نحو صنيع المبادئ والقيم الخالدة،  التسامي بهذه الأفكار عن تلك المحفزات الصغيرة ذات الهواجس المادية الربحية( كامو اسم ينشط بقوة سوق الكتاب وأسهمه مرتفعة عند الناشرين)، ثم التعامل مع النص بشغف وعمق؛  مما يدعو إلى اكتساب وعي خاص؛  لايتأتى سوى لمترجم ينحدر من نفس طينة كامو؛  أي صاحب رؤية وجودية  ومعرفية وإيتيقية غير نمطية تماما.

مقالات من نفس القسم