الوعي لعنة

ذاكرة بعد الحياة والموت
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

غادة نبيل

يقوم ديوان محمود خيرالله “لعنة سقطت من النافذة” على خلفية خادعة الحياد، كل القصائد تقريباً تهتز في هذا الحياد الظاهري من حيث الميل الواضح للسرد والتوصيف، أقول إن القصائد تهتز بسخرية لا يمكن أن تدعي التقريرية، وكيف يكون الشعر ـ أكاد أقول ـ إن لم يكن ساخراً؟ هذا السؤال ينبع في تصوري من معطيات اللحظة الراهنة بكل ما تشق به على الإنسان في عالمنا ومجتمعاتنا، العربية خاصّة والمعاصرة، يحاول الشاعر في هذا الديوان أن ينمي حياده لكنه في الحقيقة ينمي حنوَّه، التقنيات ذكيَّةٌ وبسيطة..

نملك أن نقول إن هنا عالم الفواعلية والبنَّائين والنجارين وبنات المدارس وربات البيوت، يخالط محمود خيرالله كل هؤلاء وعينه وقلبه عليهم، يرصد تفاصيل عذابات تآلف معها أصحابها كأسلوب حياة، وهو بهذه المنمنمات السردية الانحياز يقدم ما يُمكن أن يعد فلسفة الصعلكة، أي الفلسفة الناتجة عن هذا لولا أن الصعلكة “التي ليست بتهمة على أية حال” ربما تكون ترفاً في تقدير الشاعر.

الشاعر ـ كل شاعرٍ ـانتهازي عظيم بمعنى ما ، لأنه يرصد وصعلكته ـ مهما كانت الظروف والتكوين الشخصي ـ لا يمكن أن تكون بريئة، وإنما موظفة أو ممنهجة، أو هي بنت رغبة في كسر القيد طمعاً في رؤية أخرى من منطقة أخرى، وهذا دليل الوعي، والرصد هنا يتشبَّث بسخرية يتم تسويتها ومحاولة إخفات صوتها، على أمل أن يتزيا الساخر بالحياد، طبعاً نحب هذه اللعبة وهذه المحاولة، لكن تمرير الشحنة الوجدانية داخل حيز مختلف يدعي الحياد أيضاً أمر مرهق بالنسبة للشاعر والقاريء معاً، وأنا عن نفسي كنت أظهر في “إفلات” عقال الوجداني والمجازي أكثر، رغم الجماليات المركبة في صياغة فقرات وصور وأوصاف كثيرة جداً في الديوان ، وأنا أيضاً لا أريد أن يغرقَ الشاعر في الذاتي، ثم إن ما كتب ويكتب عنهم ذوات صبَّت فيه، وهكذا هو اختار ذاتيته أن تكون.

فقط أنا أردت مساحة أُخرى منه وليس من كل الآخرين فيه، مساحة لعنته الخاصة العميقة البعيدة الموءودة جدلاً والتي تسيدت عليها طبقات من الوجوه والتفاعلات مع المجهولين والمعروقين في شبكة العائلي والاجتماعي التي يفككها محمود خيرالله خيطاً تلو خيط، يتأمَّله ويعطي كل شيء اسما نهائياً واحداً: لعنة

الديوان جاد ويمثِّل خطوة أبعد من ديوانه السابق .. أما الغلاف يا محمود فيدعو إلى الغيرة وبشدة.

……………….

*الجمهورية 27 مارس 2001

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم