د. حسام الدين فياض
(مكاشفة نقدية، واسْتِغْراب،،،)
” تعتبر الممارسات اللا إنسانية والقمعية على يد النازيين في الحرب العالمية الثانية ضد الجماعات العرقية والدينية في معسكرات الموت (أوشفيتز)، إحدى العاملات الفارقة في تشكيل معالم الفكر النقدي لرواد النظرية النقدية…. لكن بالمقابل ألا يدعو هذا الحدث – الذي يُعاد تكراره من حيث المبدأ – مفكري النظرية النقدية المعاصرين (هابرماس، هونيث…) إلى إدانة ممارسات الكيان الصهيوني الغاصب في الإبادة الجماعية والقتل الوحشي والاعتقال التعسفي وانتهاك حقوق الإنسان ضد الشعب الفلسطيني صاحب الأرض….. سؤال برسم الإجابة وإعادة الطرح والتمحيص؛ لأن الإنسانية لا تتجزأ حسب مقولات النظرية النقدية لرواد مدرسة فرانكفورت “. (الكاتب)
” كانت النظرية النقدية الاسم الذي اختاره مؤسسو مدرسة فرانكفورت في الفترة بين الحربين العالميتين لترمز إلى محاولتهم إنجاز وحدة النظرية والممارسة، وفيها وحدة النظرية مع البحث التجريبي، وكلاهما مع وعي متأصل تاريخياً بمشكلات العصر الاجتماعية والسياسية والثقافية. انطوت المحاولة على وعدٍ مغرٍ، وتبقى مهمة، لكنها واجهت أيضاً مشكلات اتضح أنه لا يمكن تذليلها، على الأقل من قبل أولئك الذين أثاروها بادئ الأمر “ (كريغ كالهون: النظرية الاجتماعية النقدية، ص60).
” عند النظرية النقدية أن التأمل عنصر حيوي من عناصر العقل، فهو مرتبط بكلمة المرآة التي تعكس شيئاً آخر. ونحن حين نفهم شيئاً ما نعكس صورته. وهو انعكاس ليس له أي كينونة خاصة به بل هو ما يظهر لنا في تلك اللحظة. والشخص المتأمل هو من لا يقبل على نحو عقائدي جامد هذا المظهر أو ذاك على أنه كلّ ما هنالك، بل يدرك أن المظاهر تعكس صورة علاقة تاريخية محددة بين الذات والموضوع. ولقد تعلمت أن المنظرين النقدين حين يكتبون بأسلوبهم الديالكتيكي المتردد جيئة وذهاباً، والمتحول خلفاً وقدّاماً بين الذات والموضوع، إنما يكتفون بترداد ما رأوا أنه العصر التأملي المميز بين عناصر العقل ذاته “ (آلن هاو: النظرية النقدية – مدرسة فرانكفورت، ص20).
” لا تستغني الحياة الواعية عن النقد، ولا يشك أحد في ضرورة النقد المتجدد للواقع السائد في نظم المعرفة والقيم والاجتماع، وأنماط الفكر والفعل والسلوك، إذ إن إحياء الحس النقدي معناه إحياء الحس بالحرية والاستنارة، وضرورة التغيير والتقدم والحوار المستمر. وعلى الرغم من تعدد مفاهيم النقد وتنوع أساليب تطبيقه وميادينه، فهو في تصوره البسيط المباشر يتضمن مناهج المراجعة والتقييم للأفكار والوقائع والأفعال التي تنطلق من معايير معينة، كما يستهدف الكشف عن تعارض تلك الأفكار والوقائع والأفعال مع هذه المعايير التي أصابها العجز والفساد، بُغية العمل على ” رفعها ” وتجاوزها. …. وطبيعي أن يبقى النقد الذي يكتفي بنفي الواقع القائم ونقضه وتعرية عيوبه وأخطائه في أدنى مستويات النقد، لأن النقد الصحيح هو الذي يضع ” الضد ” في مواجهة ” القائم “، ويؤلف بينهما في ” جديد ” أعلى وأشمل وأكثر وعياً وخصوبة “ (عبد العفار مكاوي: النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، ص9).
إن الدراسة التحليلية لحركات النقد الاجتماعي التي ظهرت ضمن إطار الاتجاهات النقدية عموماً، تكشف لنا عن وجود مستويين أساسيين لهذا النقد، ففي المستوى الأول (الراديكالي) نجد أن النقد الاجتماعي يعبر عن احتجاج اجتماعي شامل يستهدف التأكيد على ضرورة التغيير الأساسي والجوهري للأنماط الحضارية القائمة، إذ يبدأ هذا النقد بالتحليل السلبي لعيوب السياق الاجتماعي القائم ونقائضه، من خلال العمل على تجسيد حركة احتجاج تنظر إلى الواقع كشيء يمكن إعادة تشكيله وتغييره، أي امتلاكها لتصور مثالي لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع، بحيث يصبح هذا التصور بدوره الإطار المرجعي الأولي لتنفيذ ما هو قائم، فيؤكد هذا المستوى على ضرورة امتلاك الحركة النقدية لقوى اجتماعية تصبح هي الفاعل الثوري (الراديكالي)* الذي ينتقل بالمجتمع مما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون، من خلال التأكيد على اكتمال حركة التحول الاجتماعي والحضاري.
أما المستوى الثاني للنقد الاجتماعي فيمكن اعتباره أقل راديكالية وشمولاً لأنه يتبنى النقد الثقافي والتنويري فقط، أي إنه يهدف إلى عملية التغيير الثقافي والتنويري لتشكيل توجهات ثقافية وقيمية جديدة تحكم التفاعل الكائن في الواقع الاجتماعي والحضاري، ويظهر هذا المستوى من النقد الاجتماعي حينما تنحدر الحركات السياسية الراديكالية وتقتصر بأهدافها على النقد الذاتي والثقافي للمجتمع، أو عندما لا يكون الفاعل الثوري للمجتمع مهيأً لتنفيذ مهام النقد ومتطلباته. هذا النقد قد يصبح هو المستوى المسموح به حينما يثبت الواقع ويؤكد صلابته أمام الانتقادات الموجه إليه، حيث يسعى هذا الواقع إلى استيعاب مضمون النقد بما يدعم بنائه وصلابته ويفقد النقد مبرره ومشروعيته. ويبرز هذا المستوى النقدي في المراحل التاريخية التي يكون فيها الواقع الاجتماعي قوياً، قادراً على استيعاب تناقضاته مؤكداً على وحدته وتكامله، أو حينما يقتصر النقد الاجتماعي على فضح وتفنيد ما هو قائم، وامتلاك القدرة على الانطلاق إلى ما ينبغي أن يكون عن طريق امتلاك نموذج مثالي ومستقبلي يتحرك نحوه المجتمع، أو حينما لا يمتلك التيار النقدي قوى التحول الاجتماعي أو الفاعل الثوري. بناءً عليه نجد أن النظرية النقدية تتوسل المستوى الثاني في نقدها لواقع المجتمعات الغربية، حيث أنتجت مدرسة فرنكفورت أو النظرية النقدية المستمرة في أجيالها الأربعة منذ تأسيسها عام 1923 في ألمانيا تحت اسم معهد البحوث الاجتماعية، العديد من الطروحات النقدية التي تصنف في خانة الفلسفة الاجتماعية والسياسية والنقد الثقافي.
وبالرغم من التمايزات التي تطبع كل جيل بسبب من اختلاف تأثير المناخات التاريخية وحيثياتها، إلا أن فلاسفة المدرسة ومفكريها لم يقعوا في فخ التقليد والاتباع والتكرار الإحيائي لتراث مدرسة كانت عصية على التمدرس، بمعنى أن الخلف فيها لم يحتذ نهج السلف، ما جنب النظرية النقدية الانقياد إلى السلفية التنظيرية غير القابلة للتجديد.
بل إن تاريخ مسار النظرية النقدية تعرض للانزياحات والانقطاعات كما الاتصال والاستمرار. ولقد غذت الأجيال الثلاثة اللاحقة على الجيل المؤسس المدرسة ببراديغمات جديدة كل الجدة ” كالتواصلية العقلانية ” لدى يورغن هابرماس، والاعتراف مع أكسل هونيث، والتسارع مع هارتموت روزا.
وفي حين يشكل العمل في رحاب المدرسة الواسع والفسيح محط اشتغال بحثي ينطلق من خصوصية المدرسة الأوروبية أو الحداثية. إن تشكيل هوية النظرية النقدية لم يأت منفصلاً عن التراث الفلسفي الغربي الذي استطاع مفكرو مدرسة فرنكفورت أن يختزنوه داخل مكونات نظريتهم، بعد أن أخضعوه لمصفاة النقد والغربلة.
أظهرت الفلسفة منذ بداية ظهورها احتواءها على عنصر هدام. يبيِّن عمل أفلاطون ” دفاع سقراط ” كيفية اتهام مواطني أثينا لسقراط بإفساده أخلاق الشباب والتشكيك في وجود الآلهة. وكان هذا الاتهام ينطوي على شيء من الحقيقة؛ فقد شكك سقراط في المعتقدات السائدة، وأخضع اعتقادات راسخة لفترات طويلة للتدقيق العقلاني، وأعمل فكره في مسائل تتجاوز النظام القائم. وما عرف بـ: ” النظرية النقدية ” قام على هذا الإرث، فقد ظهر هذا الاتجاه الفلسفي الجديد في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وشن أبرز ممثليه حرباً ضروساً على الاستغلال والقمع والاغتراب التي تنطوي عليها الحضارة الغربية.
ترفض النظرية النقدية ربط الحرية بأي تنظيم مؤسسي أو منظومة فكرية محددة، إنها تبحث في الافتراضات والأغراض الخفية للنظريات المتضاربة وأشكال التطبيق القائمة. وليست هذه النظرية بحاجة إلى توظيف ما يعرف ﺑ ” الفلسفة الدائمة “، إذ تصر على أن التفكير يجب أن يستجيب للمشكلات الجديدة والاحتمالات الجديدة للتحرر التي تنبثق عن تغير الظروف التاريخية. كانت النظرية النقدية – التي تتسم بأنها متعددة التخصصات، وتجريبية في جوهرها على نحو فريد، ومتشككة على نحو عميق في التقاليد والمزاعم المطلقة كافة – مهتمة دائماً، ليس فقط بالكيفية التي عليها الأمور بالفعل، وإنما أيضاً بالكيفية التي يمكن أن تكون الأمور عليها أو يجب أن تكون عليها. وقد دفع هذا الالتزام الأخلاقي مفكريها الكبار لتطوير مجموعة من الموضوعات والمحاور ومنهج نقدي جديد غير وجه فهمنا للمجتمع.
وللنظرية النقدية مصادر كثيرة، يعرف إيمانويل كانط الاستقلال الأخلاقي بأنه أسمى قيمة بالنسبة للفرد، وقد أمد كانط النظرية النقدية بتعريفها للعقلانية العلمية وهدفها المتمثل في مواجهة الواقع باحتمالات الحرية. في الوقت نفسه، رأى هيجل أن الوعي هو محرك التاريخ، وأن التفكير مرتبط بالاهتمامات العملية، وأن الفلسفة هي ” المنظور الفكري الذي يُنظَر من خلاله لحقبة تاريخية معينة “. تعلم منظرو النظرية النقدية تأويل الجزء بالنظر إلى الكل. وبدت لحظة الحرية في مطالبة المستعبدين والمستغلين بالتقدير.
لقد جسّد كل من كانط وهيجل الافتراضات العامة المستمدة من عصر التنوير الأوروبي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، فقد اعتمدا على العقل لمحاربة الخرافة والانحياز والقسوة والممارسات التعسفية من جانب السلطة المؤسسية. كما وضعا افتراضات بشأن الآمال الإنسانية التي تعبر عنها الجماليات، والرغبة في الخلاص التي تنطوي عليها الأديان، وطرق التفكير الحديثة حول العلاقة بين النظرية والتطبيق. أما كارل ماركس الشاب، فقد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بتأملاته اليوتوبية حول التحرر الإنساني.
لقد تشكلت النظرية النقدية في البوتقة الفكرية الماركسية، إلا أن ممثليها الرواد رفضوا منذ البداية الحتمية الاقتصادية، والنظرية المرحلية للتاريخ، وأي اعتقاد جبري في الانتصار (المحتوم) للاشتراكية. وكانوا أقل اهتماماً بما أطلق عليه ماركس (القاعدة) الاقتصادية منهم ﺑ (البنية الفوقية) السياسية والثقافية للمجتمع. لقد كانت ماركسيتهم بمذاق مختلف، وقد ركزوا على منهجها النقدي أكثر مما ركزوا على ادعاءاتها التنظيمية، وعلى اهتمامها بالاغتراب والتشيؤ، وعلى علاقتها المعقدة بمثل عصر التنوير، وعلى لحظتها اليوتوبية، وعلى تشديدها على دور الإيديولوجيا، وعلى التزامها بمقاومة مسخ الفرد. وتشكل هذه المجموعة من المحاور جوهر النظرية النقدية حسبما استوعبها رائدا ” الماركسية الغربية ” كارل كورش وجورج لوكاتش. قدم هذان المفكران إطار عمل المشروع النقدي الذي بات يعرف لاحقاً بمعهد البحوث الاجتماعية أو ” مدرسة فرانكفورت “.
أنتجت مدرسة فرنكفورت أو النظرية النقدية المستمرة في أجيالها الأربعة منذ تأسيسها عام 1923 في ألمانيا تحت اسم معهد البحوث الاجتماعية، العديد من الطروحات التي تصنف في خانة الفلسفة الاجتماعية والسياسية والنقد الثقافي.
وبالرغم من التمايزات التي تطبع كل جيل بسبب من اختلاف تأثير المناخات التاريخية وحيثياتها، إلا أن فلاسفة المدرسة ومفكريها لم يقعوا في فخ التقليد والاتباع والتكرار الإحيائي لتراث مدرسة كانت عصية على التمدرس، بمعنى أن الخلف فيها لم يحتذ نهج السلف، ما جنب النظرية النقدية الانقياد إلى السلفية التنظيرية غير القابلة للتجديد.
تضمن الأعضاء الرئيسيون لهذه المدرسة تيودور في أدورنو، المشهور بمعرفته التامة بالموسيقى والفلسفة، والذي بدأ تعاونه مع المعهد في عام 1928، إلا أنه لم يصبح عضواً رسمياً إلا بعد عشر سنوات، وإريك فروم، عالم النفس الموهوب، الذي بدأ تعاونه الذي دام لتسع سنوات مع المعهد في عام 1930، وهربرت ماركيوز، الفيلسوف المتعدد المواهب والتخصصات الذي بدأ تعاونه مع المعهد في عام 1933، وفالتر بنجامين، الأكثر إبداعاً من بين هؤلاء المفكرين والذي لم يصبح عضواً رسمياً بالمعهد قط، ويورغن هابرماس، الذي أصبح فيلسوف المعهد الرائد بعد عام 1968، وبالتأكيد أكثر المفكرين المرتبطين بالمعهد غزارة في الإنتاج، إلا أن ماكس هوركهايمر كان نبراس هذا المعهد، فهو من جمع هؤلاء المفكرين الاستثنائيين معا لوضع أساس متعدد التخصصات لنظرية نقدية للمجتمع.
إلا أن تاريخ مسار النظرية النقدية تعرض للانزياحات والانقطاعات كما الاتصال والاستمرار. ولقد غذت الأجيال الثلاثة اللاحقة على الجيل المؤسس المدرسة ببراديغمات جديدة كل الجدة ” كالتواصلية العقلانية ” لدى هابرماس، والاعتراف مع أكسل هونيث، والتسارع مع هارتموت روزا.
بذلك يشكل العمل في رحاب المدرسة الواسع والفسيح محط اشتغال بحثي ينطلق من خصوصية المدرسة الأوروبية أو الحداثية. إن تشكيل هوية النظرية النقدية لم يأت منفصلاً عن التراث الفلسفي الغربي الذي استطاع مفكرو مدرسة فرنكفورت أن يختزنوه داخل مكونات نظريتهم، بعد أن أخضعوه لمصفاة النقد والغربلة.
وفيما يتعلق بالتوجه الفكري للنظرية النقدية نجد أن مدرسة فرانكفورت سعت في بداية عملها الفكري إلى دعم الفرص العملية لتحرك ثوري من جانب البروليتاريا. ومع مرور ثلاثينيات القرن العشرين، تفككت الثورة في الاتحاد السوفييتي، وتلاشت التوقعات بحدوثها في أوروبا، ودخلت الفاشية بوقاحة إلى الحياة السياسية، وبدت الآمال الإنسانية التي كانت مرتبطة في الأصل بالعصرية متزايدة السذاجة. وقد سجلت مدرسة فرانكفورت هذا التحول التاريخي من خلال إخضاع الاعتقادات اليسارية الراسخة في الطبيعة التقدمية المتأصلة للعلوم والتكنولوجيا والتربية الشعبية والسياسة الجماهيرية لفحص هدام.
كان التنوير والماركسية يقارن بينهما فيما يتعلق بمُثلهما المتعذرة التحقق، بينما أعادت مدرسة فرانكفورت صياغة الجدل التاريخي عبر رؤى عميقة مأخوذة من أعمال آرثر شوبنهاور وفريدريش نيتشه وفرانز كافكا ومارسيل بروست وصامويل بيكيت والتراث الحداثي. لقد بدأت النظرية النقدية عملية استعادة الصور اليوتوبية المنسية ومثل المقاومة المهملة في ظل ظروف بدا فيها أن احتمالية تحقيق هذه الصور والمثل لم تعد قائمة، وكانت النتيجة شكلاً جديداً من ” الجدل السلبي ” الذي لم تَنْمُ شعبيته إلا بين الأكاديميين المعاصرين.
لقد قامت النظرية النقدية منذ نشأتها بنقد جذري لمشروع التنوير بما هو رمز للحداثة الغربية، وهذا ما يظهر بصورة جلية في كتاب جدل التنوير 1944 لهوركهايمر وأدورنو، الذي ظهر في سياق تاريخي متميز عرفته المجتمعات الغربية في تلك الفترة بعد صعود النظم السياسية الشمولية (النازية، الفاشية، الستالينية) التي أدت إلى السيطرة والاستبداد وانهيار موقع ومكانة الفرد في المجتمعات الغربية وظهور اللاتسامح على عكس الأسس والمبادئ التي قام عليها هذا المشروع الذي نادى بالعقل والحرية والعدالة واحترام كرامة الإنسان وحقوقه وفكرة التقدم الإنساني. غير أن التطور التاريخي تبيّن أن المشروع التنويري أصبح أبعد ما يكون عن المبادئ والأسس التي انطلق منها، حيث تحول العقل إلى أداة للسيطرة على الطبيعة، ثم على الإنسان. والمقصود بالعقل هنا العقل الأداتي أو التقني القائم على التكميم والفاعلية والموجّه نحو ما هو عملي وتطبيقي ونفعي. كما أن الفكر أصبح بمثابة آلة رياضية تتضمن تكريساً للعالم بوصفه إجزاءً خاصاً. بذلك يُقصد بالعقل الأداتي العقل الغربي المتركز حول الذات، والعقل الشمولي المنغلق الذي يدعي أنه يتضمن كل شيء، والعقل الأداتي الوضعي الذي يفتت ويجزئ الواقع ويحول كل شيء إلى موضوع جزئي حتى العقل نفسه. بتعبير أدق هو نوع من التفكير السائد في المجتمع الصناعي الحديث وهو ما وصفه هربرت ماركيوز بالتفكير ذو البعد الواحد، ويتضح ذلك في أسلوب التفكير العلمي والتقني، كما تعبر عنه الفلسفة الوضعية بأشكالها المعاصرة والفلسفة البراغماتية. ويتضمن مصطلح (الأداتية) مضمونين: فهو أسلوب لرؤية العالم، وأسلوب لرؤية المعرفة النظرية. بحيث إن رؤية العالم بوصفه أداة تعني اعتبار عناصره أدوات نستطيع بواسطتها تحقيق غاياتنا، والمثال على ذلك، أنا لا انظر إلى الشجرة لما يجلب جمالها لي من رضى، بل أراها خشباً يمكن أن يحول إلى ورق يطبع عليه كتابي الذي أقوم بتأليفه…. وبإمكاننا أيضاً النظر إلى المعرفة باعتبارها أداة و وسيلة لتحقيق غاية. وربما تكون هذه الفكرة أصعب كثيراً لأنها تتخلل ثقافتنا لدرجة أن أي وجهة نظر أخرى لا ترى في المعرفة أداة يصعب تصورها. باختصار شديد يمكن النظر إلى العقلانية الأداتية حسب هوركهايمر باعتبارها مجموع الوسائل أو القواعد التقنية الكفيلة بتحقيق غاية معينة تستدعي بذل جهوداً مضنية لتحقيقها.
ويذهب هابرماس في كتابه ” التقنية والإيديولوجيا ” إلى أن العقل الأداتي يعبر عن العقلانية الأداتية التي لعبت دوراً هاماً في تكوين معالم المجتمع الرأسمالي الغربي باعتبارها عقلانية تخضع للحساب الواعي، الذي يدرس كيفية الوصول إلى أهداف بحد ذاتها غير خاضعة لطابع قيمي بل لطابع عملي، ويتشخص هذا النوع من العقلانية في تعامل الإنسان مع الطبيعة وتتجسد في العلم والصناعة والتكنولوجيا الحديثة.
ويؤكد هابرماس أن مفهوم العقل الأداتي عند ماركيوز الذي يتفق مع مفهوم العقل التقني أو الأداتي هو ذاته إيديولوجيا فالتقنية هي السيطرة ذاتها على الطبيعة والإنسان، لذا نجد أن التقنية مشروع تاريخي اجتماعي تنعكس فيه ما يريده المجتمع والمصالح المسيطرة أن تفعله بالناس والأشياء.
هكذا، انبثقت النظرية النقدية كرد فعل على الوضعية التي كانت تُعنى مع أوغست كونت بدراسة الظواهر الاجتماعية دراسة علمية موضوعية تجريبية، باستخدام الملاحظة والتكرار والتجربة، وربط الأسباب بمسبباتها، بغية فهم الظواهر العلمية فهماً علمياً دقيقاً. وكانت الوضعية تهتم أيضاً بوصف الظواهر دون تفسيرها، لأن التفسير يرتبط في منظور الوضعية بالـتأملات الفلسفية والميتافيزيقية. كما استبعدت الوضعية البعد الإنساني والتأملي والأخلاقي في عملية البحث. وقد وجهت مدرسة فرانكفورت إلى هذه النظرية الوضعية انتقادات قاسية. وفي هذا الصدد، يقول بوتومور في كتابه مدرسة فرانكفورت: اتخذ أصحاب مدرسة فرانكفورت موقفاً مناهضاً لها، فانتقدها أدورنو لعجزها عن اكتشاف المصلحة الذاتية التي قد تسهم في تحقيق تقدم موضوعي، بسبب القصور الكامن في أسسها المنهجية، وفشلها في إقامة صلة قوية بين المعرفة من ناحية والعمليات الاجتماعية الحقيقية من ناحية أخرى. لذلك، انتقدها هابرماس بسبب طبيعتها المحافظة، وقصورها عن فهم العلاقة الخاصة بعلم الاجتماع والتاريخ، انطلاقاً من أن علم الاجتماع الوضعي لا يأخذ في اعتباره دور التحولات التاريخية في تشكيل المجتمعات. وفي ذات السياق يرى ماركيوز من خلال كتابه الشهير ” الإنسان ذو البعد الواحد- دراسة عن إيديولوجية المجتمع المتقدم ” الذي نقد فيه العقل الأداتي وما آلت إليه الحداثة الغربية الرأسمالية أو الاشتراكية عبر التطورات الاقتصادية والتكنولوجية التي شيئت كل شيء حتى الإنسان، لذلك يعتبر مفهوم الإنسان ذو البعد الواحد من أهم المفاهيم التي حللها وناقشها ماركيوز، وتعني ” الإنسان البسيط غير المركب “، فالإنسان ذو البعـد الواحد هو نتاج المجتمع الحديث، وهو نفسه مجتمع ذو بعد واحد يسيطر عليه العقل الأداتي والعقلانية التكنولوجية والواحدية المادية، وشعاره بسيط هو التقدم العلمي والصناعي والمادي وتعظيم الإنتاجية المادية وتحقيق معدلات متزايدة من الوفرة والرفاهية والاستهلاك، بحيث تهيمن على هذا المجتمع الفلسفة الوضعية التي تطبق معايير العلوم الطبيعية على الإنسان، وتدرك الواقع من خلال نماذج ” كمية – رياضية ” وتظهر فيه مؤسسات إدارية ضخمة تغزو الفرد وتحتويه وترشّده وتنميطه وتشيئه وتوظفه لتحقيق الأهداف التي حددتها.
وفي سياق متصل نظر هابرماس إلى الوضعية باعتبارها تعبر عن أسلوب لتحنيط العلم لدرجة يغدو فيها إيماناً مقتنعاً بقدرته الخارقة على تقديم أجوبة على كل الأسئلة ووضع الحلول لكل المشاكل. أما النزعة التقنية فإنها تعمل على توظيف المعرفة العلمية والتقنية بوصفها إيديولوجيا. لذا يرى هابرماس أن الكشف عن مكونات الخطاب الوضعي معناه نقد الحداثة في تعبيرها الإيديولوجي، بذلك ينصب نقد هابرماس للوضعية على التعبير الفلسفي كما على دورها الإيديولوجي. ذلك أن العلمي والإيديولوجي متلازمان في الوضعية المعاصرة، ثم إن الوضعية والنزعة التقنية تشكلان وجهين لنفس الوهم الإيديولوجي. بل إن الوضعية تسجل، ما يسميه هابرماس بـ ” نهاية نظرية المعرفة “. وحجر الزاوية التي تستند عليه الوضعية هو مبدأ العلموية الذي يفترض، كما قلنا أن معنى المعرفة يتحدد بما تحققه العلوم ويمكن بالتالي أن يفسر بواسطة التحليل المنهجي للأساليب العلمية.
ويتصور هابرماس أنه إذا كانت الوضعية قد جاءت على أنقاض التصورات التقليدية للعالم ولا سيما الميتافيزيقية منها، وإذا كان المفهوم الوضعي للواقعة يسلم بأن وجود المعطى المباشر بوصفه معطى جوهرياً، فإن الوضعية تؤسس، شاءت أم أبت، فلسفة بالتاريخ. ولذلك فكل النقد لهذه النزعة يجب أن يراعي ضرورة إعادة الاعتبار للتفكير الذي تم نفيه عن طريق تنشيط المعرفة العلمية الحقة من خلال القيام بإعادة بناء ما قبل تاريخ الوضعية الجديدة. واستئناف النظر في التأمل الذاتي كحركة فكرية وكفعل فلسفي يعطي للعلوم التجريبية قيمتها الإجرائية الحقيقة وللعلوم الاجتماعية مكانتها الفعلية في التقسيم العملي النظري.
يعلن هابرماس عن أن هذه البنية منذ المقدمة التي استهل بها كتاب المعرفة والمصلحة حين أكد على أنه يحاول القيام بإعادة بناء ما قبل تاريخ الوضعية الحديثة من منطلق القصد المنهجي في تحليل ارتباط المعرفة والمصلحة. فأي واحد يتتبع عملية تفكك نظرية المعرفة والتي حلت محلها نظرية للعلم، يمر عبر درجات مختلفة من إهمال للتفكير… إن الوضعية هي نفي التفكير. إن تحليل هذا الارتباط العضوي الموجود بين المعرفة والمصلحة من خلال الفلسفة الوضعية، في تعبيراتها التقليدية والحديثة، يجب أن يعتمد على أطروحة مفادها أن نقداً جذرياً للمعرفة لا يمكن أن يتم إلا في شكل نظرية للمجتمع من جهة، وبالقيام بتفكير حول العلم في ذاته من جهة ثانية.
غير أن بعض الباحثين يعتبرون أن هابرماس يسقط في خلط كبير، في عملية نقده للوضعية، بين الوضعية المنطقية والفلسفة التحليلية والعقلانية النقدية لكارل بوبر وجمعه لهذه الاتجاهات في جبهة واحدة لمواجهتها. يعني أنهم لا يقبلون إلا وجهاً واحداً للعقلانية، معطى من خلال الضبط الذاتي للعلوم الرياضية والفيزيائية. إنهم يرفضون كل قيمة للمعرفة، وأحياناً لا يعترفون بأية دلالة من دلالاتها، ليس فقط للتأمل الذاتي الذي تطالب به الفلسفة باعتباره منهجها الخاص، ولكن أيضاً للتفهم الذي يؤسس الاهتمامات التأويلية، كما أنهم في الأخير يستبعدون من مجال العقلانية كل أحكام القيمة من النوع الأخلاقي مثلاً.
كان هابرماس يحاول في نقده للوضعية في مختلف تعبيراتها أن يبرز أن مسألة التفهم لا يمكن استبعادها من طرق الوضعية باسم العلوم التجريبية لأن تكوين هذه العلوم نفسه يتضمن بالضرورة، لحظة تفهم حتى لو كان مغلفاً، ثم في مرحلة ثانية عندما تتأكد شرعية التفهم باعتبارها مؤسسة للعقلانية، موسعة لمجال الابستمولوجية ضد التضييق الوضعي لما هو عقلاني، يتعين مواجهة ادعاء علوم التأويل في كونها تشكل البديل الوحيد للوضعية، وبالتالي الخطاب الوحيد الذي يمكن إقامته خارج العلوم الفيزيائية والرياضية. بل إن هابرماس ومن أجل دحض الادعاءات الكونية للتأويلية حاول أن يثبت أن الهرمينوطيقا نفسها غير ممكنة إلا إذا توفرت لحظة التأمل الذاتي الذي يشكل المنهج الخاص لمجموعة ثابتة من الاختصاصات العقلانية المتمثلة في العلوم النقدية (الماركسية، التحليل النفسي، الفلسفة بوصفها نظرية نقدية).
وبشكل عام، هاجم مفكرو مدرسة فرانكفورت سعي الوضعية إلى تحقيق المعرفة العلمية، وتكميم الحقائق، بما يؤدي إلى ضياع المعنى الجوهري للظواهر الاجتماعية. وأنه ارتباطاً بذلك، فقد أدى تمثل الوضعية لنموذج العلم الطبيعي في علم الاجتماع إلى فصل المعرفة عن بعدها الأخلاقي، وهو ما يعني استبعاد الموقف الأخلاقي للباحث، عن طريق الادعاء بأن علم الاجتماع هو علم متحرر من القيمة، وهو ما يعني أيضاً أن هذا العلم يمكن أن يكون أداتياً بالنسبة للقوى الاجتماعية المتسلطة، أو هو وسيلة للتحكم والهيمنة كما حدث في الرأسمالية المتقدمة.
ويدل هذا على أن الوضعية العلمية تستبعد الذات، والتاريخ، والأخلاق، والمصلحة الاجتماعية، وأنها في خدمة الليبرالية المستغلة، أضف إلى ذلك، أنها تعتبر البشر كائنات مقيدة بحتميات علمية جبرية، وأن لا دور للإنسان في التغيير أو صنع التاريخ، ويرى مفكرو فرانكفورت أن التراث الوضعي يميل للنظر إلى البشر باعتبارهم كائنات لا قوة لها في مواجهة المجتمع، وهو ما يتضح لدى دوركايم الذي يؤكد أن الفرد يجد نفسه في مواجهة المجتمع كقوة أسمى منه عليه أن ينحني أمامها، أو ما يؤكد عليه ماكس فيبر حين يرى أن الفرد في المجتمعات البيروقراطية، رأسمالية أم اشتراكية، ليس إلا ترساً في آلة كبيرة. وفي مواجهة ذلك، ترى النظرية النقدية أن ذلك ناتج عن العمق الداخلي للإنسان، ومن ثم، تؤكد هذه النظرية على العلاقة الجدلية بين الفرد والمجتمع، كذوات مستقلة غير خاضعة، تعكس جوانب الحقيقة الكلية.
طالما اعتبرت مدرسة فرانكفورت الفلسفات المؤسساتية عقبات في سبيل إقامة مجتمع حر، وقد أدان أعضاؤها الانشغال بالأسس المطلقة والفئات التحليلية والمعايير الثابتة للتحقق من ادعاءات الصحة. ورأوا أن ثمة متهمين أساسيين في هذا الشأن: ” الفينومينولوجيا ” بادعاءاتها الأنطولوجية حول الكيفية التي يختبر بها الأفراد الوجود، و ” الفلسفة الوضعية ” بما تطلبه من تحليل المجتمع وفقاً لمعايير العلوم الطبيعية. هُوجم كلا المذهبين الفلسفيين لتعاملهما مع المجتمع من ناحية لا تاريخية وقضائهما على الذاتية الأصيلة، وكان المقصد من النظرية النقدية أن تكون بديلا لهذين المذهبين، وقد كان وراء تلك النظرية هدف يسعى لإحداث تحول واهتمام خاص بثقافة الحياة الحديثة.
يمثل الاغتراب والتشيؤ الفكرتين الأكثر ارتباطاً في العموم بالنظرية النقدية. يقترن الاغتراب عادة بالآثار النفسية لاستغلال العمال وتقسيم العمل، فيما يتعلق التشيؤ بالكيفية التي يعامل بها الأشخاص فعليا باعتبارهم (أشياء) من خلال مفاهيم منتزعة من سياقها التاريخي. وقد أجرى ماركسيون غربيون دراسات رائدة عن الاغتراب والتشيؤ بالفعل خلال عشرينيات القرن العشرين، إلا أن مدرسة فرانكفورت قدمت رؤية فريدة للكيفية التي أثرت بها هذه الفئات المعقدة على الأفراد في المجتمع الصناعي المتقدم.
درس أعضاء مدرسة فرانكفورت الطرق التي اختزل من خلالها التفكير إلى مفاهيم آلية عن ماهية كل ما هو عملي ومربح، وكان التأمل الأخلاقي في طريقه إلى التلاشي، وشرع الاستمتاع الجمالي في التحول إلى شيء أكثر نمطية. لاحظ منظرو النظرية النقدية في قلق كيف أن تفسير المجتمع الحديث بدأ يصبح أكثر صعوبة من أي وقت مضى، ومن ثم، كان الاغتراب والتشيؤ يحللان من ناحية الكيفية التي من خلالها عرضا ممارسة الذاتية للخطر، وجردتا العالم من المعنى والغاية، وحولتا الفرد إلى ترس في آلة.
ويُنظر إلى ممارسات معسكر أوشفيتز (ونحن بدورنا نرى أن الإبادة الجماعة لسكان قطاع غزة في فلسطين المحتلة من قِبل الكيان الصهيوني الغاشم بحجة القضاء على الإرهاب لا يقل بشاعة عن ممارسات معسكر أوشفيتز) على أنه يجسد أكثر آثار الاغتراب والتشيؤ جذرية. لقد كان الحدث الفاصل الذي حطم الافتراضات المتفائلة حول التقدم من أساسها أكثر مما فعل زلزال لشبونة خلال القرن الثامن عشر. ولما كانت صور معسكرات الاعتقال النازية لا تزال ماثلة في الأذهان، ومع تدمير هيروشيما وناكازاكي، وظهور تقارير جديدة عن المعتقلات السوفييتية (الجولاج)، ومع تزايد انتشار المكارثّية في الولايات المتحدة، بدا لمدرسة فرانكفورت كأن الحضارة الغربية لم تأت بالتطور الإنساني، وإنما أتت بنزعة بربرية غير مسبوقة. وأدرك أعضاء المدرسة أن شيئاً أكثر من النقد المعتاد للرأسمالية مطلوب من الفكر الراديكالي.
ومن الواضح أن المجتمع الجماهيري الذي تحكمه البيروقراطية يجمع بين كل أشكال المقاومة، ويطمس الفردية الأصيلة، وينتج تركيبات شخصيات ذات ميول سلطوية. وكان التماثل يفت في عضد الاستقلالية. وإذا كان التطور الرأسمالي يرتبط بالتنميط والتشيؤ، فإن التقدم يعد فعلياً نوعاً من الرجوع للوراء، ومن ثم كانت الأوهام المرتبطة بعصر التنوير (التي يسلم بها اليسار بغير انتقاد) تتطلب إعادة نظر، بل وتحتاج العصرية نفسها إلى نقد.
اتفق أعضاء مدرسة فرانكفورت كافة على الحاجة إلى زيادة التعليم لمجابهة الاتجاهات السلطوية. لكن ظل مدى الفعالية التي قد يكون عليها مثل هذا التعليم غير واضح في مجتمع خاضع لإدارة شمولية. فقد كانت هناك ” صناعة ثقافة ” جديدة – وهو مفهوم ربما يعد أكثر المفاهيم المرتبطة بالنظرية النقدية شهرة – تكافح باستمرار لخفض أقل قاسم مشترك من أجل زيادة المبيعات إلى أقصى حد. وكان كل من التجربة الفردية الأصيلة والوعي الطبقي معرضين لخطر النزعة الاستهلاكية للرأسمالية المتقدمة. كل هذا دفع هوركهايمر وأدورنو وماركيوز إلى ادعاء أن درجة شهرة أي عمل – بصرف النظر عما يحمله من رسالة سياسية – هي ذاتها درجة اندماج الدافع الراديكالي لهذا العمل مع النظام. وقد أصبح هؤلاء المفكرون رواداً لفن حداثي تجريبي وشكل ” إيسوبي ” من الكتابة الملتفة التي أخفت معتقداتهم الراديكالية في ظل المناخ المشحون خلال فترة ما بعد الحرب. ومع ذلك، فإن ذلك الأسلوب المستتر غير المباشر للنظرية النقدية زادها جاذبية بين المفكرين الراديكاليين الذين اشتركوا في انتفاضات ستينيات القرن العشرين.
تتصف بطابع تنبئي ما كانت النظرية النقدية، فقد تنبأ مؤيدوها بحدوث تحول في الحياة اليومية والتجربة الفردية. فهي لم تهاجم فقط الآراء المؤسساتية للتاريخ، بل قدمت أيضا بديلاً راديكالياً لها. وقد طبق الراديكاليون الأوروبيون أفكار النظرية النقدية الخاصة بإعادة تشكيل الأسرة والعلاقات الجنسية والتعليم. لقد سعوا للوصول لإدراك يوتوبي جديد مجرد من القسوة والمنافسة. لكن مدرسة فرانكفورت انقسمت على نفسها فيما يتعلق بالحركات الخاصة بستينيات القرن العشرين. كان أدورنو وهوركهايمر متشككين. فقد تشككا في الثقافة المضادة والهجوم على التقليد، والعنف المتقطع ومعاداة الفكر، بالإضافة إلى حالة الارتياح التي كان من المفترض أن النشطاء الراديكاليين يقدمونها لأعداء الديمقراطية، وقد ساويا ما بين هذه الحركات الجماهيرية التي ظهرت في ستينيات القرن العشرين والحركات التي ظهرت في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وربطاً بين التفكير اليوتوبي والشمولية.
في ذلك الوقت، بدا أن المقاومة الحقيقية تدعو إلى التركيز على اللحظة السلبية في التقليد النقدي. وقد ذكر أدورنو بوجه خاص أن الأمر لم يعد يقتصر على مجرد رفض ربط الحرية بأي نظام – أو جماعة – وإنما يمتد إلى وضع تصور ﻟ ” اللا هوية “ (وزيادة حدة التوتر) بين الفرد والمجتمع. تلاشى الانشغال بالمقاومة المنظمة والسياسات المؤسسية لصالح الوصول لشكل فلسفي جمالي للنقد أو (في حالة هوركهايمر) “ التوق للآخر الكامل ” شبه الديني. ظلت مدرسة فرانكفورت تستخدم المنهج الذي ورثته عن هيجل وماركس. وكان أكثر أعضائها المحافظين سياسياً لا يزالون يرون أن الذاتية واقعة في شرك ما تقاومه: الشكل السلعي والثقافة الجماهيرية والمجتمع البيروقراطي. إلا أنهم أثاروا شكوكاً جديدة حول الادعاءات العالمية والأسس الفلسفية والمعتقدات الجامدة.
توقّع ” الجدل السلبي ” كثيراً من المخاوف المرتبطة بما بعد الحداثة وما بعد البنيوية إلى حد أن كلا المذهبين في الواقع غالباً ما ينظر إليهما الآن على أنهما تعبير عن النظرية النقدية. غزت مناهج تفكيكية وما بعد بنيوية أشهر الدوريات وأهم التخصصات، بداية من الانثروبولوجيا والأفلام وحتى الدين واللغويات والعلوم والسياسة. وقد أنتجت رؤى عميقة جديدة حول العرق والنوع وعالم ما بعد الاستعمارية. لكن في خضم ذلك، فقدت النظرية النقدية قدرتها على تقديم نقد متكامل للمجتمع، ووضع تصور لسياسات هادفة، وطرح مثل جديدة للتحرر. كما حول تفسير النصوص والاهتمامات الثقافية والنزاعات الميتافيزيقية النظرية النقدية تدريجياً إلى ضحية لنجاحها، فكانت النتيجة أزمة هوية دائمة.
يجب أن يلقي منظرو النظرية النقدية نظرة على الماضي ليتمكنوا من المضي قدماً. لقد أثْرَت مدرسة فرانكفورت فهمنا للعائلة والكبت الجنسي وعلم التربية والإبادة الجماعية والتسلية والتحليل الأدبي ومجموعة كبيرة من الموضوعات الأخرى. لكن التقليد النقدي لديه كذلك ما يخبرنا به فيما يتعلق بالاختلالات في ميزان القوى في الاقتصاد والدولة والحيز العام والقانون والحياة العالمية. وحتى أكثر المفكرين انتقاداً لعصر التنوير يقدمون أسباباً مهمة من أجل تقديم دفاع منطقي عنه، وينطبق الشيء نفسه على الليبرالية والاشتراكية، ولا يزال توضيح ظروف الاضطهاد، وفتح طرق جديدة للمقاومة، وإعادة تشكيل مُثُلٍ محررة تمثل نطاق اهتمام النظرية النقدية. ثمة حاجة إلى وجهات نظر سياسية جديدة لإبراز إمكانيات التغيير المحدثة للتحول في مجتمع عالمي جديد. والمسألة الآن تتمثل في إخضاع الأشكال الثابتة للنظرية النقدية للمنهج النقدي، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الأمر، فبهذه الطريقة فقط يمكن الإبقاء على الإخلاص للروح الأصلية للمشروع النقدي.
من خلال ما تقدم نستخلص أن النظرية النقدية هي مدخل للعلوم الإنسانية والفلسفة التي ظهرت أصلاً في الثلاثينيات وبداية الأربعينيات على يد بعض الأعضاء البارزين في معهد فرانكفورت للبحث الاجتماعي (مدرسة فرانكفورت) الذي أنشئ عام 1923. وقد ظهر هذا المصطلح تحديداً عندما نشر هوركهايمر عام 1937 دراسته حول (النظرية النقدية والنظرية التقليدية)، والتي تعد الوثيقة الأساسية في توضيح التوجه الفكري للنظرية النقدية. فالنظرية التقليدية لديه هي ما تعبر عنه الاتجاهات الوضعية في نظرتها للنشاط البشري على أنه شيء أو موضوع خارجي داخل الحتمية الميكانيكية، على حين ترفض النظرية النقدية النظر إلى الوقائع الاجتماعية على أنها أشياء، ومن ثم ترفض طابع الحياد الذي تتسم به الوضعية، وتحاول في المقابل أن تطرح فكراً لا يفصل بين النظرية والممارسة. وقد فهم هوركهايمر، ومعه فلاسفة فرانكفورت، الماركسية على أنها العلم النقدي للمجتمع، وأن مهمة الفلسفة بالتالي متابعة العملية النقدية والتحري عن أشكال الاغتراب الجديدة. وقد أخذت مساهمته الخاصة شكل تحليل نقدي للعقل. فلئن يكن العقل قد صاغ في الماضي مُثل العدالة والحرية والديمقراطية، فإن هذه المُثل حلّ بها الفساد في هيمنة البرجوازية التي أدت إلى تحلل حقيقي للعقل. ومن هنا بدت الحاجة إلى نظرية نقدية جدلية تستطيع أن تتعقل اغتراب العقل بالذات.
ترمي النظرية النقدية عند هوركهايمر إلى تحقيق ثلاث مهام: أولها الكشف في كل نظرية عن المصلحة الاجتماعية التي ولدتها وحددتها، وهنا يتوجه هوركهايمر، كما فعل ماركس، إلى تحقيق الانفصال عن المثالية الألمانية ومناقشتها على ضوء المصالح الاجتماعية التي أنتجتها.
وتنحصر المهمة الثانية للنظرية النقدية في أن تظل هذه النظرية على وعي بكونها لا تمثل مذهباً خارجاً عن التطور الاجتماعي التاريخي. فهي لا تطرح نفسها باعتبارها مبدأ أخلاقياً، أو أنها تعكس أي مبدأ أخلاقي خارج صيرورة الواقع. والمقياس الوحيد الذي تلتزم به هو كونها تعكس مصلحة الأغلبية الاجتماعية في تنظيم علاقات الإنتاج بما يحقق تطابق العقل مع الواقع، وتطابق مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة.
أما المهمة الثالثة، فهي التصدي لمختلف الأشكال اللامعقولة التي حاولت المصالح الطبقية السائدة أن تلبسها للعقل وأن تؤسس اليقين بها على اعتبار أنها ليست سوى أدوات لاستخدام العقل في تدعيم النظم الاجتماعية القائمة، وهو ما دعاه هوركهايمر بالعقل الأداتي.
بذلك تسعى النظرية النقدية إلى تحقيق المصلحة الاجتماعية، وتراعي التطور الاجتماعي التاريخي في إطار المادية التاريخية، وهذا يقرب النظرية النقدية من المادية الثقافية، كما تهدف هذه النظرية إلى خدمة مصالح الأغلبية، والتصدي للأشكال الشكلية والتيارات اللامعقولة التي تخدم الأنظمة الحاكمة.
كما تعتبر النظرية النقدية قراءة ماركسية للأدب. وفي هذا الصدد، يقول توم بوتومور تؤكد النظرية النقدية على انتسابها إلى الماركسية، دون أن تضيع الاختلاف مع قراءاتها الكلاسيكية، وبخاصة تلك التفسيرات والأطروحات التي قدمها رواد ومنظرو الأممية الثانية والثالثة، وعلى رفضها الاختيار بين التماثل المتناقض مع الفلسفة والعلم، بادعاء أن ما قدمته هو شكل جديد للموضوعية الاجتماعية التاريخية، وهو ما جعلها في تعارض مع الميتافيزيقا والوضعية.
تأسيساً على ما سبق، يمكن اعتبار النظرية النقدية نظرية تتجاوز الوضعية، وترفض منطلقات المثالية الألمانية، ومن ثم، فهي نظرية اجتماعية ماركسية، تولي أهمية كبيرة للذات في تفاعلها مع الموضوع، كما ترتكز على المادية التاريخية، وتعنى بالقيم والأخلاق، وبتفاعل الذات مع المجتمع على أن الذوات البشرية مستقلة وغير خاضعة لحتميات أو جبريات موضوعية. ويعني هذا أن الإنسان له دور كبير في صنع التاريخ، وتغيير مجتمعه. ومن ثم، فالنظرية النقدية في الحقيقة هي رؤية نقدية إزاء المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي في قمة تطبيقاته العملية واليومية.
إلا أن النظرية النقدية من خلال مفكريها رواد مدرسة فرانكفورت أخفقت في الالتزام بالطريقة القاطعة التي اقترحها هوركهايمر للنظرية النقدية. مثال ذلك أن ماركيوز قد تحول خلال الستينيات إلى ناقد لهذه النظرية، حين ذكر أنها لا تمتلك المفاهيم والأدوات التصورية القادرة على سد الفجوة بين الحاضر والمستقبل.
خلاصة القول، سعت النظرية النقدية إلى توجيه النقد إلى المجتمعات الصناعية المتقدمة بالتقويض والتشريح والتفكيك، وتنتقد النظريات العلمية والوضعية التي أهملت الإنسان، والذات، والمجتمع، والمصلحة الاجتماعية، والقيم الأخلاقية، واعتبرت الإنسان موضوعاً مشيأ، تتحكم فيه الحتميات الجبرية، وأنه لا قوة له ولا فاعلية في صنع التاريخ أو تغيير المجتمع. ومن ثم، فقد جاءت النظرية النقدية لتصحيح أوضاع المجتمع وتغييرها، وذلك عن طريق تعرية المؤسسات الرأسمالية المهيمنة، وفضح أوهامها الإيديولوجية، وتطوير المفاهيم الماركسية في ثوب جديد، أو إعادة صياغتها مرة أخرى كما فعل هابرماس. وقد تحققت فعلاً قطيعة ابستمولوجية بين النظرية النقدية التقليدية والنظرية النقدية الجديدة.
أما عن أهم الانتقادات الموجهة إلى مفكري مدرسة فرانكفورت اختلاف آرائهم من شخص إلى آخر، واختلاف توجهات مدرسة فرانكفورت لما بعد الحداثة عن مدرسة فرانكفورت في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين. كما استبعدت المدرسة اهتمامها بالتاريخ والاقتصاد إلى حدٍ كبيرٍ، وانحرفت انحرافاً كبيراً عن مبادئ الماركسية الكلاسيكية كما عند الجيل الثاني من مفكري معهد فرانكفورت. وقد همشت النظرية النقدية الجديدة مع هابرماس الطبقة العاملة باعتبارها طبقة ثورية سياسية فاعلة ومغيرة. لذا وصفت مدرسة فرانكفورت بأنها “ماركسية بدون بروليتاريا “. ومن هنا، يبدو أن مفهوم مدرسة فرانكفورت عن تدهور، أو تلاشي الطبقة العاملة كقوة سياسية، قدم أساساً على فكرة طوباوية وخيالية عن الثورة، التي هي بأية حال الطريق الوحيدة، أو الأكثر ماركسية، لتصور عملية الثورة الاجتماعية. وربما يكون هذا المفهوم قائماً أيضاً على انعكاس الخبرة الاستثنائية الأمريكية، الناجمة عن غياب طبقة عاملة منظمة سياسياً في المجتمع الأمريكي، على فكرهم، ولا سيما في حالة ماركيوز. وفي هذا السياق يقول بوتومور: إن مدرسة فرانكفورت أخفقت في الالتزام بالطريقة القاطعة التي اقترحها هوركهايمر للنظرية النقدية، حين ذكر أنها لا تمتلك المفاهيم والأدوات التصورية القادرة على سد الفجوة بين الحاضر والمستقبل.
كما أنها قد ابتعدت في مراحلها الأخيرة عن الماركسية التي انطلقت منها في بداياتها، بل أعلنت هذه النظرية فشلها حينما اعتبر هابرماس بأن نظرية ما بعد الحداثة حالة مرضية، بسبب اختلال التوازن بين ما هو معنوي وما هو مادي. وهكذا، نصل إلى أن النظرية النقدية هي قراءة ماركسية للمجتمع، ونقد للنظرية العلمية والوضعية التي أهملت الإنسان والذات والتاريخ والمجتمع والأخلاق. ومن ثم، تعمل النظرية النقدية على تنوير المرء الملزم، وتنويره عقلانياً وذهنياً، وانتقاد الاغتراب في المجتمع الرأسمالي، وإدانة فكرة التشيؤ والاستلاب والقمع الآلي. ومن ثم، تستند النظرية النقدية في قراءتها للأدب والفن إلى مفاهيم النقد الماركسي الكلاسيكي أو الماركسية المعدلة في نظرية هابرماس. ويمكن أن نحدد مجموعة من المراحل التي قطعتها النظرية النقدية الجديدة، فكان هناك في البداية اهتمام بنقد الوضعية العلمية، ومعاداة الفكرة السامية. وبعد ذلك، انتقل الاهتمام إلى المجال الثقافي مع ماركيوز، ليتم الإنصات إلى الحركات الثورية الطلابية والأقليات المضطهدة، لتتخذ النظرية النقدية توجهاً جدياً مع هابرماس، حيث بدأت النظرية النقدية الجديدة تقدم تصورات مختلفة حول المجتمع متأرجحة بين الفلسفة والعلم، كما أعيدت صياغة الماركسية من جديد على أسس علمية وسياسية واجتماعية ما بعد حداثية، لتنتهي النظرية النقدية بالثورة على ما بعد الحداثة نفسها، وذلك حينما وقع اختلال مجتمعي وحضاري بين القيم المادية والقيم المعنوية، فترتب عن ذلك أن أصبحت ما بعد الحداثة حالة مرضية مأساوية.
وعلى الرغم من إجماع مفكرو النظرية النقدية على نقد الواقع الاجتماعي بكل تجلياته، إلا أن لكل مفكر منهم أسلوبه الخاص في نقده لهذا الواقع من منطلق القاعدة النظرية الابستمولوجية التي تفسر حضور كل الأجزاء (المفكرون) في الكل (النقد) على الرغم من اختلافها في أسلوب ومناقشة الفكرة الرئيسية، ففي الاتجاه الفكري يمارس التعدد داخل الوحدة و لمجرد الحديث عن الاتجاه يكون الصعيد المجهري ” micro ” هو المقصود، أي جزء خاص محدد من المعرفة العلمية الحديثة وهو ما نشير إليه بالنظرية النقدية المعاصرة.
وهكذا نجد أن كل مفكري النظرية النقدية قاموا بنقد الوضع القائم في المجتمع عبر نقد النظريات الاجتماعية المحافظة، بهدف تأسيس نظرية نقدية للمجتمع ذات أسس نظرية ومنهجية تتمتع بقدرة عالية من المرونة والكفاءة، لكي تقوم بدورها البناء في نقد المجتمع والارتقاء به نحو الأفضل تحقيقاً لإنسانية الإنسان المهدورة في ظل المجتمعات الرأسمالية التكنولوجية، هذا التنوع الغني والإثراء الكبير لأفكار مفكريها جعلها من النظريات السوسيولوجية المميزة على الصعيد الأكاديمي لعلم الاجتماع بشكل عام والمعاصر بشكل خاص.
وفي الختام يجب علينا من منطلق مقولات النظرية النقدية المشبعة بالنزعة الإنسانية طرح مكاشفة نقدية حول الأحداث الجارية في فلسطين المحتلة (غزة الأبية) من مبدأ ربط النظرية بالممارسة، وبالأخص فيما يتعلق بطبيعة أحداث السياق الاجتماعي وتفاعلاته التي أثّرت بشكل مباشر في صياغة معالم الفكر النقدي لرواد النظرية النقدية أهمها: (معسكرات أوشفيتز النازية)، وفي هذا الصدد يرى الكاتب: ” تعتبر الممارسات اللا إنسانية والقمعية على يد النازيين في الحرب العالمية الثانية ضد الجماعات العرقية والدينية في معسكرات الموت (أوشفيتز)، إحدى العاملات الفارقة في تشكيل معالم الفكر النقدي لرواد النظرية النقدية…. لكن بالمقابل ألا يدعو هذا الحدث الذي يُعاد تكراره من حيث المبدأ مفكري النظرية النقدية المعاصرين (هابرماس، هونيث…) إلى إدانة ممارسات الكيان الصهيوني الغاصب في الإبادة الجماعية والقتل الوحشي والاعتقال التعسفي وانتهاك حقوق الإنسان ضد الشعب الفلسطيني صاحب الأرض….. سؤال برسم الإجابة وإعادة الطرح والتمحيص؛ لأن الإنسانية لا تتجزأ حسب مقولات النظرية النقدية لرواد مدرسة فرانكفورت “.
.…………………………….
– المراجع المعتمدة:
– ماكس هوركهايمر: النظرية التقليدية والنظرية النقدية، ترجمة: مصطفى الناوي، مراجعة: مصطفى خياطي، الناشر عيون المقالات، الدار البيضاء، ط1، 1990.
– آلن هاو: النظرية النقدية – مدرسة فرانكفورت، ترجمة: ثائر الديب، المركز القومي للترجمة، القاهرة، العدد: 1584، ط1، 2010.
– عبد الغفار مكاوي: النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: تمهيد وتعقيب نقدي، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط2، 2018.
– ستيفن إريك برونر: النظرية النقدية: مقدمة قصيرة جداً، ترجمة: سارة عادل، مراجعة: مصطفى محمد فؤاد، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط2، 2016.
– فيل سليتر: مدرسة فرانكفورت (نشأتها ومغزاها- وجهة نظر ماركسية)، ترجمة: خليل كلفت، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، العدد: 154، ط2، 2004.
– توم بوتومور: مدرسة فرانكفورت، ترجمة: سعد هجرس، مراجعة حافظ دياب، دار أويا، بنغازي، ط2، 2004.
– كريغ كالهون: النظرية الاجتماعية النقدية، ترجمة: مروان سعد الدين، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2013.
– كمال بومنير: قراءات في الفكر النقدي لمدرسة فرانكفورت، مؤسسة كنوز الحكمة، الجزائر، ط1، 2012.
– كمال بومنير: النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت – من ماكس هوركهايمر إلى أكسل هونيث، الدار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف، بيروت والجزائر، ط1، 2010.
– حسام الدين فياض: مقالات نقدية في علم الاجتماع المعاصر – النقد أعلى درجات المعرفة، دار الأكاديمية الحديثة، أنقرة، ط1، 2022.
– حسام الدين فياض: تطور الاتجاهات النقدية في علم الاجتماع المعاصر – دراسة تحليلية – نقدية في النظرية السوسيولوجية المعاصرة، دار كريتار، إسطنبول، ط1، 2020.
– جميل حمداوي: النظرية النقدية أو مدرسة فرانكفورت، موقع الألوكة، 04/03/2012. https://2u.pw/auZ6eHU
– الزهراء سهيل الطشم: كيف أثرت “مدرسة فرانكفورت” في نتاج مفكرين عرب؟، موقع الميادين، 1 تشرين ثاني 2022. https://2u.pw/2wornKj
* الراديكالية لغوياً تعود إلى كلمة راديكال الفرنسية التي تعني الجذرية، دُعاتها من المنادين بالتغيير الجذري. واصطلاحاً تعني نهج الأحزاب والحركات السياسية الذي يهدف إلى إحداث إصلاح شامل وعميق في بنية المجتمع. والراديكالية نزعة تقدمية تنظر إلى مشاكل المجتمع ومعضلاته ومعوقاته نظرة شاملة تتناول مختلف ميادينه السياسية والدستورية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، بقصد إحداث تغير جذري في بنيته، لنقله من واقع التخلف والجمود إلى واقع التقدم والتطور.