أسعد الجبوري
أطلقَ شعوبهُ في مصعد الكتابِ..
وقالَ: ما من ذنوبٍ في تربةِ العارف.
موقف الليل
مركبٌ مُنفرط ٌ
وجههُ..
وعلى حدوده الكآبةُ أطلالُ
زجاج.
تخومٌ..
تلك صورتهُ الغرقى ببخار الرحيل،
وكلّهُ أراهُ تعتق اغتراباً،
ومنتشراً لبلاباً على مخيلات .
هو الذي يفيض في موقفِ الليلِ
مُختالاً../
يقول:
النظرات أنهار ٌ،
أصدافها خطواتي.
وما أنا إلا رضيع شيطانٍ،
يبشرُ بشهواتٍ لا تنقطع عن الفنادق السوداء.
تشربتُ بالحمُى،
حتى سطوع الذئاب في العيون.
سَألتهُ: كيف يصيرُ الوجهُ سؤالاً،
وما من مُقيمٍ ببريدهِ غير الظلام.
وقل لي:
كم يبلغُ النومُ عمقاً في الدميّةِ.
فردَ عليها هامساً:
الليالي طوابعٌ غرقى في الحواسّ.
وراحةُ العقلِ بإتلاف مقاماته.
**
موقف الرقص
تخرج ُ من فانوسهِا السحري،
متعقبةً أرانبها فيه.
يسمعُ تغريدها واصلاً شغفه،
فيمشي إليها تربةً مُكهربةً بياقوت.
ولم يكتمل بناره..
ولن تكتمل برمادها..
وليس إيقاعاً ما كان بينهما.
بل نواح ألماس خارج من أنابيب
جبال.
ويومَ تعاظمَ رصيدهُ بصدرها،
تعلقت بخصرها يدهُ في موقف الرقص../
وأدخلها ظلهُ هامساً:
إنها الموسيقى..
ستعيدُ للسيقانِ أبصارَها.
أجابته وزلزالٌ يُوجز قامتها:
وأين مني هوىً يشعُ.
ليُحركَ القرابينَ من سكان الألبوم.
فردَ وهو يشطبها بكمنجةٍ:
الرقص عيدٌ بلا تكاليف.
***
موقف الرغبة
دائماً..
الشهوةُ كتابٌ ببابٍ مزلاجهُ
الذمّةُ.
والعاشقُ ظلٌ
لا يثبتُ في لوحة.
ومنه اللمبّةُ الحمراء خارج الغلاف.
كذلك..
ومنه دمعته الكبرى تسقط في الغيبوبة
كصخرة سيزيف.
هكذا سريعاً..
من تحت قميصها ناداها.
وهو يتناسلُ بوارجَ.
وكم كان فاتحاً.
وتحتشدُ في قامته قيامتهُ
سيوفاً،
تندفعُ من نصوصهُ كالسلمون.
أليس العاشقُ ماءً..
وتستقيم حروفهُ في الممحاة.
أليس هو موحدها في نارهِ.
والرياحُ أسهمٌ باتجاه كل منخفض.
أليس هو أحدٌ في جمعها.
ويغرقها بالجماع لقطاتٍ مسّ،
عادة ما تنتهي في غرفة الإنعاش.
يا للهول.
تذكرَ..
كيف كلما تقدمت الصحراءُ خطوة
في مفكرتها،
رأته يقاتلُ الجفافَ.
وإعلاناته تحت أجفانها تصخبُ.
يا للهول.
كم مرَ بأعمالها..
ملقياً مرساتهُ بذاك الرذاذ.
وكم كان صوتها من تلك الجذور
يتفكك.
تذكرَ..
وحين صادر منها الشفتين في موقف
الرغبة../
ذابَ قائلاً:
القبل تمارينُ اللغات.
لا تترك وثاقاً دون أن ينفكَ.
وحين أخبرتهُ عن شأنٍ يخصُ مرآتها،
ردَ عليها هامساً:
لا تمرض القبلُ قبل أفول
العاشقين.
فليكن فمكِ للقزح مأوى.
سألته:
وماذا عن حيرتي المزروعة صفصافةً
على الطريق.
ردَ:
لا عليكِ.
اتركي العقلَ مُسجى..
وتفترسهُ الريح ُ.
***
موقف الباص
من هاويةِ الوقتِ
وحتى تلال الصفر.
العدّاءون يقطعون الزمن بالخداع
الطويل.
المؤلفون في منامةِ الفلسفةِ
حطبٌ للثرثرة.
الزارعون الغيثَ في خطواتهم،
يحملون أنفسهم في السلال.
والأرجلَ في الرؤوس ويمضون.
الليلُ للسماء قفصٌ
تتوالدُ فيه المذنباتُ.
وهي كلما رأتهُ عند موقف الباص
منتظراً التيه../
تسألهُ عن هدهد من كبريتٍ ونهاوند
يطير من برج رأسه الملّون.
رأت رؤية فيه..
وكان يصرخ بها أمام نسخة نفسه:
ما من دابّةٍ ستصلُ أو طير.
فأبكى خطواتها سريعاً،
وسرّحها من خدمة الطريق.
***
موقف النفي
يخرجُ الصمتُ من المحبرة ِ.
ويبقى الصامتُ فيها شجرة مُعتقة
بالاغتراب.
سألته ُعن الراحلِ والرحيل..
فأستخرج من أرواحه نزهةً لهُ
في موقف النفي../
وقام يمسح جريدةَ فمها بنارهِ.
تخيلّتهُ الاسكندرَ يخوضُ في أصوات
الكون.
لكنهُ استدار لا مرئياً نحوها.
وهو يهتف:
أنا قاطف الحدود لا الورد..
قاطع الصفر لا سكون الزمان..
عقلي مراتبٌ،
انهاري ترتفعُ من السرّة.
حولي الأقوامُ مُقشرةُ العيون.
ومن ستذهب بالمهشم منك؟
صاحت وهي ترخيه على صدرها،
رضيعاً تتبخرُ منهُ هوامشهُ.
آنذاك..
استطالَ نمراً في أناشيده
الثقيلة.ِ
قبلها من قبائلها كلها بلسانِ عاصفةٍ.
وقبل أن يقصّ عن نبعها العشبَ،
تأوه متقطعاً ليقول:
نحن صيدٌ في الأيام.
ومنا نزهتنا في الرماد والتبدل
والمحو والفراغ.
***
موقف السلاح
بلدانٌ..
يُقشرها حلاقون.
بحيراتٌ أنقاض ٌ.
والحنينُ عَـلمٌ مجرور.
عنادلٌ تحت السديم.
فاكهةٌ على سرير الإعدام.
وهي.. وكلما التجأتْ إليه ِ،
وجدتهُ يُشعلُ ناراً في متاحفه.
حولهُ ذئابٌ مُتجمدّة ٌ..
تُصغي لرعب ٍ كان من رأسهِ
يتدلى.
ويوم أخذتهُ من يدهِ وبسطتها
في موقف السلاح../
سائلةً:
إلى أي حربٍ تتجهُ يا حبي،
والموتُ
صرخةٌ
تبددُ
الكثافةَ.
أجابها بصوتِ مُتبلٍ بالحشرجة:
ما أصابعي بمزرعةٍ للمخالب،
وليس وقتي حديداً، لتُطرقَ
منهُ السيوف.
بدلتُ حروفَ الحربِ العمياء بالقلائدَ.
وقصائدي..
ستنتظرُ الخريفَ طويلاً.
وها هو يتحدث عن جباله في اللغة
وكيف نقل الجثث مبكراً
لتلك المدافن العملاقة في القواميس.
***
موقف الصحراء
كثيراً ما تراهُ على جسر الكأسِ،
يُبعثرُ
أفلاكَهُ
وأملاكها.
وكلما حاولت السؤال،
وجدتهُ يداً مقطوعةً في فخ.
فتقطع به نفسَها
وهي تدفعهُ بعيداً موقف الصحراء../
مغنيةً:
يا من هيمني بهِ الوردُ.
وأراهُ خلف عطرهِ ماشياً في ذبول.
كم من السلالم ستصعدُ في الرحيق.
وكم كان يهذي..
وكم كانت شاشةُ رأسه تستديرُ
نحوها وهو يشير:
لا نصرَ إلا الماء.
ولنا منهُ في اغترابنا المخطوطة
مليئة بمقامات المهاجرين.
***
موقف الزمن
الفيزيائي
يتأملُ في البقع السوداء الهائجة.
هو ذاك الكون روزنامةٌ معلقة ٌ.
كلما تَصفَحها.
وقعَ عليهِ حائطُ الخلود.
تراهُ يدخنُ بعضاً من سحرهِ ويصيح:
هو ذا موقفُ الزمن../
الهواءُ
ذيلٌ
في نهايةِ الأرض.
الحبّ
كرسيّ مهجورٌ في مرآة.
ونحن الهديلُ الذابلُ في النوتة،
غرقى السادية.
تسألهُ:
وأين منكَ نوحُ مديرُ الإسعاف ومخرج
الأرض ؟
فيردَ عليها مُسرعاً:
السيد نوح في شباك التذاكر،
يَقطعُ
الغرامات
لنزلاء
الطوفان.