المحاكاة فى عناوين الأفلام المصرية (1927 – 2016)

1
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد عبد الرحيم

المحاكاة هو قيام أي إنتاج إبداعي بتقليد إنتاج إبداعي آخر؛ وذلك لأهداف منها التكريم، والحنين، وأشهرها السخرية، وعلى صعيد عناوين الأفلام الروائية المصرية الطويلة، كانت هناك حقيقتان؛ الأولى أن المحاكاة ظهرت مرارًا فى أفلام مختلفة، والثانية أنها زادت مؤخرًا لدرجة مفرطة. تعالوا نطالع الأمر معًا..

أولًا، المحاكاة بين الطرافة والتجارية:

منذ بداية صناعة السينما المصرية سنة 1927 حتى خمسينيات القرن العشرين، إعتمدت عناوين أفلامنا على الأصالة، والإبتعاد عن التقليد، لتقدم إبداعها المتفرد فى عناوين مثل (غادة الصحراء – 1929)، (كفِّرى عن خطيئتك – 1933)، (التضحية الكبرى – 1947)، ولم تلجأ إلى المحاكاة إلا فى مرات نادرة للغاية، للإحالة إلى معنى معين؛ مثل محاكاة التعبير الفصيح “عادوا الى قواعدهم سالمين” فى فيلم (عادت إلى قواعدها – 1946)، أو للتهكم على شخصيات هزلية؛ حين نَسْخ عنوان رواية الأديب الفرنسى أليكساندر دوما (Les trois mousquetaires أو الفرسان الثلاثة)، الصادرة سنة 1844، فى (الفرسان الثلاثة – 1941)؛ حيث تدور الرواية حول 3 فرسان شجعان من القرن الـ17، ويدور الفيلم حول 3 صحفيين كاذبين من القرن الـ20، أو محاكاة لقب “صاحبة الملايين” فى (صاحبة الملاليم – 1949).

أما منذ مطلع خمسينيات القرن العشرين إلى الآن، فسيتضاعف حضور المحاكاة، وتتعدّد أنواعها، وأولها محاكاة عناوين أفلام أقدم، مصرية أو غيرها، بعد سنوات من عرضها، تتراوح ما بين سنتين و15 سنة، فى صياغة لمفارقة ظريفة، أو تلميح لفيلم ناجح قريب، مما يخدم كعامل جذب تجارى؛ يمهِّد لسخرية من عمل سابق، أو يعد مبدئيًا بنجاح كهذا الذى ناله.

صياغة المفارقة الظريفة تبدو جليّة عندما يكون الفيلم ذو العنوان المُحاكِى فيلمًا كوميديًا، أو قصده المُعلَن السخرية من العمل السابق. كمثال مبكر، تمت محاكاة عنوانى فيلمى الجريمة الجادين (ريا وسكينة – 1953)، و(حميدو – 1953)، فى فيلمين كوميديين، من بطولة نجم الضحك إسماعيل ياسين، هما على الترتيب (إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة – 1955)، و(ابن حميدو – 1957)، بل سيتم نَسْخ عنوان رواية “الفرسان الثلاثة”، بهدف المحاكاة مجددًا، فى فيلم “سمعة” اللاحق (الفرسان الثلاثة – 1961)؛ وهو كوميديا أخرى عن شخصيات خائبة. توالت بعدها نماذج مشابهة مثل محاكاة عنوان فيلم (أبى فوق الشجرة – 1969) فى (سطوحى فوق الشجرة – 1983)، (ليلة القبض على فاطمة – 1984) فى (ليلة القبض على بكيزة وزغلول – 1988)، (ولاد العم – 2009) فى (بنات العم – 2012)، (عمر وسلمى – 2007) فى (عمر وسلوى – 2014).

أما ذلك التلميح الذى يستثمر تردد صدى عنوان بعينه فى أذن المُشاهِد، فستجده بوضوح فى محاكاة عناوين أفلام أجنبية؛ إما بهدف استغلال سمعة طيّبة لفيلم، أو رنين رائج لعنوان، وإما بهدف إثارة مفارقة ساخرة جديدة، وإما للهدفين معًا. تضم القائمة أفلامًا منها الإيطالية مثل (Matrimonio all’italiana أو الزواج على الطريقة الإيطالية – 1964) فى (الزواج على الطريقة الحديثة – 1968)، (Per un pugno di dollari أو من أجل حفنة دولارات – 1964) فى (من أجل حفنة أولاد – 1969)، (Il Buono, il brutto, il cattivo أو الطيب والشرير والأكثر شرًا، الذى عُرِض تجاريًا فى مصر بعنوان “الطيب والشرس والقبيح” – 1966) فى (الظريف والشهم والطماع – 1971)، أو أفلامًا إنجليزية مثل (You Only Live Twice أو أنت فقط تعيش مرتين – 1967) فى (البعض يعيش مرتين – 1971)، The Spy Who Loved Me) أو الجاسوس الذى أحبني، الذى عُرِض تجاريًا فى مصر بعنوان “الشيطان الذى أحبني” – 1977) فى (الشيطانة التى أحبتني – 1990).

ناهيك عن أفلام أمريكية كفيلم (Bathing Beauty أو الجمال السابح، الذى عُرِض تجاريًا فى مصر بعنوان “السابحات الفاتنات” – 1944) فى (الحموات الفاتنات – 1953)، و(الكمساريات الفاتنات – 1957)، (How to Steal a Million أو كيف تسرق مليون – 1966) فى (كيف تسرق مليونير – 1968)، (It’s a Mad Mad Mad Mad World أو إنه عالم مجنون، مجنون، مجنون، مجنون – 1963) فى (مراتى مجنونة، مجنونة، مجنونة – 1968)، (The Dirty Dozen أو الدستة القذرة، الذى عُرِض تجاريًا فى مصر بعنوان “دستة أشرار” – 1967) فى (ربع دستة اشرار – 1970)، (Dances with Wolves أو يرقص مع الذئاب، الذى عُرِض تجاريًا فى مصر بعنوان “الرقص مع الذئاب” – 1990) فى (الرقص مع الشيطان – 1993)، (The Silence of the Lambs أو صمت الحملان – 1991) فى (صمت الخرفان – 1995)، (The Sixth Sense أو الحاسة السادسة – 1999) فى (الحاسة السابعة – 2005)، (Mr. & Mrs. Smith أو السيد والسيدة سميث؛ المنطوق بالعربية “مستر أند مسز سميث – 2005) فى (مستر أند مسيز عويس – 2012)، سلسلة Ocean أو أوشن (Ocean’s 11 – 2001)، (Ocean’s 12 – 2004)، (Ocean’s 13 – 2007)، فى (أوشن 14 – 2016). أو عناوين مسلسلات أمريكية مثل (Teenage Mutant Ninja Turtles أو سلاحف النينجا المتطفرين المراهقين، الذى عُرِض فى التلفزيون المصرى القومى منتصف التسعينيات بعنوان “سلاحف النينجا” – 1987: 1996) فى (السلاحف – 1996).

ثانيًا، المحاكاة بين التهكم والترحُّم:

بعيدًا عن التلميح لأفلام ناجحة قريبة، كان هناك إرتداد إلى الماضى الأبعد، من خلال أعمال فنية تنفصل عن الفيلم الذى يحاكى عنوانها بسنوات تتراوح ما بين 20 وأكثر من 60 سنة، إلى جانب أسماء شخصيات قديمة، واقعية أو خيالية، وثوابت عتيقة مثل الأمثال الشعبية، أو المصطلحات العلمية، وهنا لابد أن تدهشك ظاهرة بدأت فى السينما المصرية منذ الانفتاح الاقتصادي فى أعقاب حرب أكتوبر 1973، عصر الرئيس السادات (1970 – 1981)، واستمرت طوال عصر الرئيس مبارك (1981 – 2011) وصولًا إلى الآن—وهى ازدياد نهل العناوين من مرحلة أقدم تقع – فى أغلبها – بين ثورة الخمسينيات وانفتاح السبعينيات، ليتم محاكاة عناوين أفلام تلك المرحلة، ومسرحياتها، ومسلسلاتها، وأغانيها، وإسكتشاتها، ويمكن لك وسط هذه الوفرة أن تميّز ما يتعدى السخرية، أو التكريم، أو حتى الفقر الإبداعي؛ إلى الحنين للماضي، والترحم الباطنى على زمن أفضل راح وانقضى، وكما يقول السينمائي الأمريكي وودى ألن، مؤلفًا، على لسان إحدى شخصياته فى فيلم (Midnight in Paris أو منتصف الليل فى باريس – 2011): “الحنين إلى الماضي إنكار للحاضر المؤلم”!

من خلال الأفلام:

فى الفترة الزمنية (1976: 2016)، ستجد محاكاة عناوين أفلام مصرية مثل (لك يوم يا ظالم – 1951) فى (لك يوم يا بيه – 1984)، (غرام وانتقام – 1944) فى (غرام وانتقام بالساطور – 1992)، (أريد حلًا – 1975) فى (أريد خلعًا – 2005)، (جعلوني مجرمًا – 1954) فى (جعلتني مجرمًا – 2006)، (حسن ومرقص وكوهين – 1954) فى (حسن ومرقص – 2008)، (حبيبي دائمًا – 1980) فى (حبيبي نائمًا – 2008)، (الثلاثة يحبونها – 1965) فى (الثلاثة يشتغلونها – 2010)، (الآنسة ماما – 1950) فى (الآنسة مامى – 2012)، (قلبى دليلى – 1947) فى (كلبى دليلى – 2013).

كذلك، عناوين أفلام هندية مثل (Haathi Mere Saathi أو الفيل صديقى – 1971) فى (الفول صديقي – 1985)، إيطالية مثل (الطيب والشرس والقبيح – 1966) فى (الطيب.. الشرس.. الوحش – 1990)، و(الطيب والشرس والجميلة – 1994)، أو أمريكية مثل (Viva Zapata أو يحيا زاباتا؛ المنطوق بالعربية “فيفا زاباتا” – 1952) فى (فيفا زلاطا – 1976)، (The Russians Are Coming, The Russians Are Coming أو الروس قادمون، الروس قادمون – 1966) فى (الأقزام قادمون – 1987)، (دستة أشرار – 1967) فى (8/1 دستة أشرار – 2006)، (West Side Story أو قصة الحى الغربى- 1961) فى (قصة الحى الشعبى – 2006)، (No Retreat, No Surrender أو لا تراجع ولا استسلام – 1986) فى (لا تراجع ولا استسلام “القبضة الدامية” – 2010)، ومسلسلات أمريكية مثل (Mission: Impossible أو مهمة مستحيلة، الذى عُرِض فى التلفزيون المصرى القومى بالسبعينيات والثمانينيات بعنوان “مهمة صعبة” – 1966: 1973) فى (مهمة صعبة جدًا – 1987).

التناقض الواضح بين العناوين الأصلية والمحاكِية يبرز متغيرات بعضها متصل بأحداث تاريخية، كتراجع اليهود من مصر منذ العهد الناصرى؛ ليختفى كوهين من ثلاثى (حسن ومرقص وكوهين) الخاص بسنة 1954 ويتبقى (حسن ومرقص) فقط سنة 2008، وظهور قانون الخُلع؛ ليتطوّر الحل فى (أريد حلًا) سنة 1975 – وكان المقصود الطلاق – إلى الخُلع فى (أريد خلعًا) سنة 2005. لكن من ناحية أخرى، يبرِز التناقض متغيرات اجتماعية تعلن عن نفسها فى حسرة، تؤكدها السخرية ولا تنفيها؛ لينحدر الحب إلى “اشتغال” (أى “نصب” وفقًا للعامية المصرية المعاصرة)، والقلب إلى “كلب”، ويتحوّل الدائم إلى “نائم”، والظالم إلى “بيه”، وتتقلّص الدستة إلى “ثمن دستة”، والفيل إلى “فول”، ويتعقّد الصعب إلى “صعب جدًا”، ويتفاقم عنف الانتقام إلى “الساطور”؛ ليظهر التدهور من عالم غنى وسامى ورقيق فى الماضي، إلى عالم فقير ومنحط وغليظ فى الحاضر!

أعمال فنية أخرى:

بالإضافة إلى الأفلام، تمت محاكاة عنوان مسرحية “مدرسة المشاغبين” لفرقة الفنانين المتحدين، التى بدأ عرضها سنة 1973، فى (عودة مدرسة المشاغبين – 2002)، ومسرحية “العيال كبرت” لفرقة الفنانين المتحدين، التى بدأ عرضها سنة 1976، فى (العيال هربت – 2006)، ومسرحية “30 يوم فى السجن” لفرقة الريحانى، التى قُدِمت لأول مرة سنة 1941، فى (30 يوم فى العز – 2015)، وإسكتش “عودة الندل” لثلاثي أضواء المسرح، من بداية الستينيات، فى (عودة الندلة – 2006)، والمسلسل التلفزيونى “أحلام الفتى الطائر”، إنتاج 1978، فى (أحلام الفتى الطايش – 2007)، ورواية مصطفى أمين “سنة أولى حب”، التى صدرت سنة 1975، ثم تحوّلت إلى فيلم بالعنوان ذاته سنة 1976، فى (سنة أولى نصب – 2004)، وقصيدة “أيظن” للشاعر نزار قباني، التى غنتها المطربة نجاة سنة 1960، نُسِخ عنوانها فى الفيلم الكوميدي (أيظن! – 2006)، وبنظرة بسيطة، ستجد المشاغبة فى دار العلم مستمرة، والعيال التى كبرت ونضجت “هربت”، والطائر انزلق إلى “طايش”، والحب إنقلب – مرة أخرى – إلى “نصب”.

ملحوظة لا يمكن إغفالها:

بعيدًا عن المحاكاة وأهدافها، سيبرز فى الفترة الزمنية ذاتها نَسْخ عناوين أعمال فنية ينتمى الشطر الأعظم منها إلى مرحلة ما بين ثورة الخميسينيات وانفتاح السبعينيات، فعلى صعيد الأغانى، اعتدنا فى العصر الذهبى للسينما الغنائية المصرية بالأربعينيات والخمسينيات أن يكون للفيلم عنوانًا مستمدًا من إحدى أغانيه؛ مثل (منديل الحلو – 1949)، (ما تقولش لحد – 1952)، (لحن الوفاء – 1955)، لكن منذ منتصف التسعينيات صارت الأفلام، بما فيها الغنائية، تميل إلى نَسْخ عناوينها من عناوين أغانى قديمة؛ لدرجة أن فيلمًا مثل (حبك نار – 2004)، وهو من بطولة وغناء المطرب المعاصر مصطفى قمر، يعتمد على عنوان أغنية لمطرب رحل قبلها بأكثر من ربع قرن، وليس أغنية لبطل / مطرب الفيلم!

لذا ستشهد مطربين تحتل عناوين أغانيهم القديمة عناوين أفلام معاصرة، على نحو يغلب عليه حظر التنويع فى اللفظ، والنزوع للاستعارة الخالصة، والمبرِّر قد يتجاوز المحاكاة الكوميدية وتكريم الماضى والتوظيف الفنى، إلى محاولة استعادة رومانسية ولّى زمانها، وهروب إلى عالم أكثر نقاء انتهى عمره؛ وهو ما سيعكس – خاصة مع غزارة تكراره – نكوصًا إلى ماضٍ فاخر يأسًا من إمكانية صنعه فى حاضر فاسد، وفقدان للثقة فى نفس المبدع يؤخره عن إيجاد أصالته. تشمل القائمة: صالح عبد الحى (ليه يا بنفسج – 1992)، ليلى مراد (ليه خليتنى أحبك – 2000)، إسماعيل ياسين (اتفرج يا سلام – 2001)، فيروز (سهر الليالي – 2003)، صباح (علّمني الحب – 2005)، نجاة (أيظن! – 2006)، سميرة سعيد (إحكى يا شهرزاد – 2009)، سعاد حسنى (الرجل الغامض بسلامته “من أغنية يا واد يا تقيل” – 2010)، أم كلثوم بـ3 أفلام: (إنت عمري – 2005)، (الحب كده – 2007)، (الأوله فى الغرام – 2007)، محمد عبد الوهاب بـ3 أفلام: (يا دنيا يا غرامي – 1996)، (بحب عيشة الحرية – 2001)، (بلبل حيران – 2010)، وعبد الحليم حافظ بنصيب الأسد؛ 9 أفلام: (ضحك ولعب وجد وحب – 1993)، (وحياة قلبي وأفراحه – 2000)، (خلّى الدماغ صاحى، محاكاة لـ”خلّى السلاح صاحى” – 2002)، (أول مرة تحب يا قلبي – 2003)، (حبك نار “من أغنية نار” – 2004)، (كان يوم حبك “من أغنية صدفة” – 2004)، (زى الهوا – 2006)، (كامل الأوصاف – 2006)، (أهواك – 2015)، فضلًا عن اِستِيحاء عنوان فيلم (البحر بيضحك ليه – 1995) من أغنية شعبية مصرية قديمة.

كذلك، لابد أن تلحظ التكرار الحرفى لعناوين أعمال فنية أخرى، تنتمى إلى المرحلة المذكورة آنفًا، فى أفلام معظمها غير كوميدي. مثلًا، سيتكرّر عنوان فيلم (العملاق – 1960) فى (العملاق – 1987)، فيلم (أرض الأحلام – 1957) فى (أرض الأحلام – 1993)، فيلم (أبو الدهب – 1954) فى (أبو الدهب – 1996)، فيلم (أسرار البنات – 1969) فى (أسرار البنات – 2001)، فيلم (كابتن مصر – 1955) فى (كابتن مصر – 2015)، إلى جانب مسرحية “حالة حب” لفرقة الفنانين المتحدين، التى بدأ عرضها سنة 1966، فى (حالة حب – 2004)، والمسلسل الأمريكى المعروف فى مصر بـ(مهمة صعبة – 1966: 1973) فى (مهمة صعبة – 2007)، وأوبريت العرائس “الليلة الكبيرة”، من سنة 1961، فى (الليلة الكبيرة – 2015)، وهو ما قد يفسِّره الجهل بالعنوان الأصلى، أو الاستسلام لضرورة فنية، أو إلحاح مزمن على مرحلة محددة.

أسماء الشخصيات:

ظهرت عناوين تحاكى أسماء لشخصيات عربية أو أجنبية، منها الواقعية مثل: الملك الناصر صلاح الدين الأيوبى، مؤسِّس الدولة الأيوبية وحاكمها من 1174 إلى 1193، فى (الناظر صلاح الدين – 2000)*، اللورد إدموند اللنبى، المبعوث السامى البريطانى فى مصر من 1919 إلى 1925، فى (اللمبى – 2002)، و(اللمبى 8 جيجا – 2010)، چاكى شان، نجم أفلام الحركة الهونج-كونجى منذ السبعينيات إلى الآن، فى (زكى شان – 2005)، كما يبرز نَسْخ الأسماء بقصد المحاكاة، مثل: ريا وسكينة، أشهر سفاحتين فى تاريخ مصر الحديث، اللتين تم إعدامهما سنة 1921، نُسِخ اسميهما فى فيلم هزلى يسخر منهما هو (ريا وسكينة – 1983)، ملك إنجلترا ريتشارد الأول، الذى حكم من 1189 إلى 1199، المُلقَّب بقلب الأسد، نُسِخ لقبه فى فيلم جريمة عن لص مُعاصِر هو (قلب الأسد – 2013)، الجنرال البريطانى ألكسندر ماكنزي فريزر، الذى قاد حملة عسكرية على مصر سنة 1807، نُسِخ اسمه فى فيلم كوميديا خيال علمي هو (حملة فريزر – 2016).

أضِف إلى ذلك أسماء شخصيات خيالية مثل: طرزان، بطل الغابة الذى ابتكره الأديب الأمريكى إدغار رايس بوروس سنة 1912، فى (إسماعيل ياسين طرزان – 1958)، على بابا والأربعين حرامي، من كتاب القصص الشعبية الأشهر “ألف ليلة وليلة”، فى (على بيه مظهر والأربعين حرامي – 1985)، چيمس بوند، الجاسوس المُغامِر الذى ابتكره الأديب البريطاني أيان فليمنج سنة 1952، فى (رضا بوند – 1970)، و(نمس بوند – 2008)، وشخصيات الرسوم المتحركة الأمريكية؛ ميكى ماوس، التى إبتكرها والت ديزنى سنة 1928، فى (عائلة ميكى – 2010)، وتوم وچيرى، اللذين إبتكرهما وليم حنا وچوزيف باربرا سنة 1940، فى (توم وجيمى – 2013)، أو شخصية العرائس التلفزيونية المصرية بقلظ، التى ابتكرها الفنان شوقى حجاب بالسبعينيات، فى (حسن وبقلظ – 2016).

فى كل هذه الحالات، كان الهدف إما إبراز مفارقة تهكمية؛ بين – مثلًا – طرزان وإسماعيل ياسين، أو الإحالة إلى صفة فى الشخصية؛ كالشجاعة فى حالة قلب الأسد، مع الميل للشخصيات الأجنبية (اللنبى، ريتشارد الأول، شان، فريزر، طرزان، بوند، ميكى، توم وجيرى) أكثر من العربية (ريا وسكينة، صلاح الدين، على بابا، بقلظ)؛ وهو ما يمكن قراءته على إنه احترام زائد للشخصية العربية فى ثقافتنا، أو – ربما – غياب زائد للشخصية العربية فى ثقافتنا، فضلًا عن تركُّز كثافة تلك الحالات فى السنوات من 1976 إلى الآن.

فى تلك السنوات، ستلمس تردُّد الحنين إلى مرحلة ما بين ثورة يوليو وانفتاح السادات عبر عنونة الأفلام بأسماء وألقاب شخصيات واقعية مرتبطة بها، فى تكريم لا يخلو من الشوق إليهم وإلى أيامهم، وعلى رأسها أفلام السير الذاتية التى تكاد لا تخرج فى العقود الأخيرة عن هذه المرحلة عينها؛ لترى رموزها السياسية كالرئيس جمال عبد الناصر فى (ناصر 56 – 1996)، و(جمال عبد الناصر – 1998)، والرئيس أنور السادات فى (أيام السادات – 2001)، والفنية مثل المطربة أم كلثوم فى (كوكب الشرق – 1999)، المطرب عبد الحليم حافظ فى (حليم – 2006)، شاعر العامية أحمد فؤاد نجم فى (الفاجومى “وهو لقب للشاعر مستوحى من تعبير “فك هجومى” – 2011)، وستظهر المحاكاة مع اسم أحد رموزها الاقتصادية، رجل الأعمال عثمان أحمد عثمان، فى الفيلم الكوميدي (مرجان أحمد مرجان – 2007)، وأحد رموزها الرياضية الأجنبية، لاعب كرة القدم المجرى فيرينتس بوشكاش، الذى حقّق أمجادًا مع فريق ريال مدريد الإسباني فى الخمسينيات والستينيات، فى فيلم كوميدى آخر نَسَخ اسمه هو (بوشكاش – 2008).

منابع مختلفة:

ستتعدى المحاكاة عناوين الأفلام والمسرحيات، والأغاني والإسكتشات، وأسماء الشخصيات، إلى منابع مختلفة كالأمثال الشعبية، والمصطلحات العلمية، وأسماء الأماكن؛ بغرض إثارة مفارقة ظريفة، أو استدعاء فكرة معينة.

فى الفترة الزمنية (1927: 1975)، ازدهرت الاستعارة غير الكاملة لأمثالنا وتعبيراتنا الشعبية، إرهاصًا بمعنى مقصود، أو اختصارًا لحالة معروضة، فى إبداع طيّب يعتز بتراثنا، مثل: “أصحاب العقول فى راحة” فى (أصحاب العقول – 1940)، “بيت النتاش عمره ما يعلاش” فى (بيت النتاش – 1952)، “من رضى بقليله عاش” فى (من رضى بقليله – 1955). لكن فى الفترة التالية، ستتلاعب المحاكاة بالمادة الأقدم، للأسباب نفسها، وإن على نحو تراوح بين الذكاء والركاكة، السخرية والاستظراف. شمل الأمر أمثالًا وتعبيرات مثل “الحكاية فيها إنّه” فى (الحكاية فيها منّة – 2009)، “حماتك تحبك” فى (حماتى بتحبنى – 2014)، “فص ملح وداب” فى (فص ملح وداخ – 2016)، “الباب يفوّت جمل” فى (الباب يفوت أمل – 2016). الجمل والتعبيرات الدارجة مثل “عليا الطلاق بالتلاتة” فى (عليا الطرب بالتلاتة – 2006)، “ظرف طارئ” فى (ظرف طارق – 2006)، “صرف صحى” فى (ظرف صحى – 2014)، “سطو مسلح” فى (سطو مثلث – 2016).

فى فترة ما قبل 1975، ستجد نسْخًا لسلاح الدمار الشامل “القنبلة الذرية” فى عنوان الفيلم الكوميدى (حماتى قنبلة ذرية – 1951)، لكن فى فترة ما بعد 1975، امتدت المحاكاة إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فهناك: مصطلحات علمية مثل غاز “ثانى أكسيد الكربون” فى (سامى أكسيد الكربون – 2011)، الشكل الهندسى “شبه المنحرف” فى (شبه منحرف – 2004). أسماء أماكن مثل “البحر الأبيض المتوسط” فى (الرجل الأبيض المتوسط – 2002)، السوق السكندرى “زنقة الستات” فى (زنقة ستات – 2015). لعبة مثل “حرب أطاليا”، وهى مفرقعات معروفة فى مصر، نُسِخ اسمها فى (حرب أطاليا – 2005)، أكلة مثل “لحمة راس” فى (لخمة راس – 2006)، مُنتَج مرتبط بتجارة الدخان مثل “ورقة بفرة” فى (ورقة شفرة – 2008)، يوم مثل “يوم الثلاثاء”، المنطوق بالعامية “يوم التلات”، فى (نوم التلات – 2015)، شركة مثل الأمريكية “جوجل”، الخاصة بخدمات الإنترنت، فى (صابر جوجل – 2016). كما حظى موضوع الزواج بقدر كبير من السخرية عبر محاكاة التعبير الشعبى “السجن للجدعان” فى (الجواز للجدعان – 1983)، والمصطلح القانوني “قتل مع سبق الإصرار” فى (جواز مع سبق الإصرار – 1987)، والتعبير الدارج “عش الزوجية” فى (غش الزوجية – 2012). 

ثالثًا، المحاكاة والهجاء:

فى الفترة الزمنية (1976: 2016)، ستكتسب المحاكاة مذاقًا جادًا حين تعاملها مع أوضاع حديثة بغرض الهجاء؛ وهو أحد أدوارها الفريدة التى لم تتبلور عندنا إلا متأخرًا، ولمرات معدودة. سترى ذلك حين نَسْخ النداء الإذاعى الشامخ “هنا القاهرة” فى فيلم (هنا القاهرة – 1985) ليشير هذه المرة إلى العاصمة، ومن ثم الدولة، التى “تقهر” أولادها الحالمين بتطويرها، والجملة الدعائية “خالى من الكوليسترول” فى الفيلم الذى يسخر منها، ومن الدعاية الكاذبة، (خالى من الكوليسترول – 2005)، وعبارة الشيخ د. محمود شعبان “هاتولي راجل”، التى ذكرها فى برنامج تلفزيونى بخصوص رفضه لأن يكون ضيفًا لمذيعة متبرجة، فى الفيلم الفانتازي الكوميدي (هاتولي راجل – 2013) الذى يتخيل سيطرة النساء على العالم.

كما سترى محاكاة عنوان كتاب د. طه حسين “المُعذَّبون فى الأرض”، الصادر سنة 1947، فى عنوان فيلم (الموظفون فى الأرض – 1985) كسخرية مريرة من عذاب الموظف ماديًا فى مصر منتصف الثمانينيات، وعنوان أغنية المطرب عبد الحليم حافظ “خلّى السلاح صاحى” التى أطلقها سنة 1968 دعمًا لحرب الاستنزاف، فى (خلّى الدماغ صاحى – 2002) كدعوة موجَّهة إلى الشباب المعاصر الهارب للمخدرات، داخل الفيلم وخارجه، كى ينتبهوا إلى أن دماغهم، أو بالأحرى وعيهم، هو “سلاحهم” فى حروب اليوم، واسم “سور الصين العظيم”، أحد أعظم العلامات المعمارية فى العالم، فى (فول الصين العظيم – 2004) حيث التباين صادم بين فول لم يتحقّق داخل بلده مصر، وفول حقّق العظمة خارجها فى الصين، والإشارة الموجعة هنا للشاب المصرى بطل الفيلم، أو للشباب المصرى بشكل عام، الذين لا يتحولون إلى علامات عظيمة إلا خارج بلدهم، واللازمة الكوميدية “معلش إحنا بنتكلم” المُميِّزة لشخصية القرموطى التلفزيونية، القادمة من مسلسل “سر الأرض” بمنتصف التسعينيات، فى فيلمها السينمائى الأول (معلش إحنا بنتبهدل – 2005) فى إشارة إلى “بهدلة” الكرامة العربية حين الغزو الأمريكى للعراق سنة 2003 الذى تتناوله الأحداث، واسم الجهاز الأمني المصري “أمن الدولة”، الذى عُرِف أيام مبارك بحماية الأفراد الحاكمين أكثر من الملايين المحكومين، فى (أمن دولت – 2011) الذى رغم كونه كوميديا اجتماعية لا سياسية، فإن عنوانه يشخصن مؤسسة عامة فى هجائية صريحة، وما كان ليُسمح به إلا بعد اندلاع ثورة يناير 2011 التى أطاحت بحكم مبارك، وأحلّت جهاز أمن الدولة (بدأ تصوير الفيلم فى يوليو 2011، وعُرِض فى نوفمبر من العام ذاته، وكان عنوانه الأصلى “صابر مان”).

دلالة الإفراط مؤخرًا:

لا شك أن عدد الأفلام التى لجأت عناوينها للمحاكاة فى 48 سنة، من 1927 إلى 1975، قد تصاعد وتضخم فى الـ40 سنة الأخيرة، من 1976 إلى 2016؛ ولهذا الإفراط وجهان، فإما أنه استخفاف يستغل المفارقة بين أصل جاد وصورة عبثية بغرض الإضحاك، وإما أن الأوضاع صارت فى تأخر مروع، والمفارقة بين الماضي والحاضر غدت شاسعة، ليصبح الماضي متحفًا للعظمة والجدية، والحاضر مقهى للترحم والتهكم، فى حالة تشى بغضب مكتوم وجَلد للذات، وتعنى أن الفشل فى تحقيق روعة الأمس يقود للسخرية من ذلك الأمس؛ وهى – فى الواقع – سخرية من عجز اليوم. أنا أميل للقراءة الأخيرة؛ فالقزم عندما يجد نفسه فى ظل عملاق لن يضحكه التناقض، بقدر ما سيشعر بالانسحاق، وسواء تدرك الأجيال المتأخرة من السينمائيين المصريين تلك المفارقة المخيفة بين ماض عالى الإنجازات، وحاضر حافل بالسقطات، أم لا تدركها؛ فهى تفرض نفسها على عناوين أفلامهم، والتى أرى أن المحاكاة فيها ترتبط ارتباطًا طرديًا بإحساس التقزم، لاسيما فى فترة انهيار ضربت مجالات حياتنا كافة خلال الأربعة عقود المنصرمة؛ لذلك، تراجُع هذه المحاكاة، قريبًا كما أتمنى، سيشير ليس إلى هجران تراث الماضى، وإنما الانشغال بتأسيس الحاضر؛ وهو ما يُفتَرض أن يلى الثوارت، لتقوى الأصالة، ويضعُف التقليد. 

…………………………

*نُشرت مختصرة فى مدونة Shadows and Phantoms أو ظلال وأشباح، بتاريخ 21 إبريل 2017. 

*طلبت الرقابة تغيير عنوان الفيلم، وهو ما حدث بالفعل فى أفيشاته التى عرضت عنوانه الجديد “الناظر”، وإن بقى العنوان القديم “الناظر صلاح الدين” على تترات الفيلم.

 

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم