الكرسي: أنطولوجيا شعرية

تشكيل
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ترجمة: غسان الخنيزي

كرسي بين الثلوج
جين هيرشفيلد*

كرسيٌ بين الثلوج

ينبغي أن يكون

مثل أي شيءٍ آخر أبيض

ومدوّر

ومع ذلك، فالكرسي بين الثلوج دائمًا ما يكون حزينًا

أكثر من السرير

أكثر من القبعة أو المنزل

الكرسي مشغولٌ لشيءٍ واحدٍ فحسب

ليحتضن

الروح في ساعاتها القليلة والحثيثة والمطواعة

ليحتضن ملكًا ربما

وليس الجليد

ولا الزهور

…………………..

*جين هيرشفيلد (1953) شاعرة أمريكية اشتهرت بانشغالاتها على تقاطعات الشعر والمعارف البيئية.

الكراسي الفارغة
ليو شيا*

فارغةٌ فارغةٌ فارغة

الكثير من الكراسي الفارغة

في كل مكان. تظهر

بغوايتها في لوحات فان جوخ.

أجلِسُ عليها بصمت

وأحاول التأرجح

لكنها لا تتحرك –

فقد تجمدت

بصنيع ما يتنفس في داخلها.

يلوّح فان جوخ بفرشاة الرسم –

انصرفوا انصرفوا انصرفوا

فليس من جنازةٍ هذه الليلة.

ينظر إليَّ مباشرة،

وأنا جالسةٌ

في لهيب زهرات عبّاد الشمس التي يرسمها

مثل قطعةٍ من الصلصال أمام الأتون.

…………………….

*ليو شيا (1961) رسامة وشاعرة ومصورة صينية. معروفة أيضًا بوصفها زوجة الفيلسوف الحقوقي ليو شياوبو، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2010

 

عاشقان جالسان على حافة النهر يتشاجران
ليونارد ناثان*

سقط صوتاهما الغاضبان بين المياه.

كما يسّاقط الصفصاف خلال الهواء المجاور للمياه؛

أصواتٌ غارقة جُرفت جنوبًا، تتبع الطيور

في انقشاعٍ أزرق مثل طيران سماوي.

جسداهما المتخشبان محتجزان على الكراسي

يتمايلان في سخط تحت الصفصاف؛

يرقبان المياه إذ تأخذ لسانيهما الغاضبين

تمازجهما، في الهواء الممزوج بالصفصاف،

لا شيء يقولانه لم يكن قد غرق بالفعل

كما لو كانا يعومان مطولًا تحت المياه،

ثم يطفوان في خناق بعضهما البعض،

يتفوهان بمنطق الضحل من المياه،

محض قسمة شقية كونهما معًا…

غرقت هي على بعد أميال خمسة؛ هو على بعد أميال عشرة

في نهر أحمر بلون الدم، وقت الغروب الأخير.

كل شيء اتجه عابسًا مكفهرًا إلى الأسفل وصوب الجنوب.

التفت إليها باحثًا عن الشبح أو الوحش

شبحه أو وحشه يستحضر ألفاظًا نابية،

لكنه في الأخير وجد امرأته، لا أكثر،

تُحملقُ فيه وليس أبعد.

بدا كل شيء أصغر مما هو، ومتداعيًا:

تجمد الماء والصفصاف في اتزان حديدي.

«إذن هذا هو، بعد كل شيء، ما أنت عليه»

ذلك ما قاله السكون عن موت الحركة،

حينما ألقى المساء، ذاك الغريب، بظلاله المكتِنفة.

نهضا، أو نهض ما ترك لهما النهر،

متصلّبَين، كلاهما بوجهٍ عبوسٍ إنما مجبولٌ بالتفكر،

وقديمَين قِدم البحر في أعماق الجنوب

حيث تصب الأنهار؛ ومع ذلك بقي الهواء متربصًا،

يتحرك خلفهما في سيرهما قُدُمًا.

وفوق النهر الذي لا يُرى، وفي غضون ذلك، يسارع

الصفصاف من تساقطه الأبدي في عمق الظلام.

…………………

*ليونارد إي ناثان (1924-2007) شاعر وناقد أمريكي.

 

كرسي

سايمون أرميتاج

كل ما فيه موحش. انفراديٌ بحد ذاته

رمزٌ هيروغليفي للحبيس

كرسي الطعام هذا، بأربع أرجلٍ حافية،

مهرٌ يتيم، تجاه الجدار.

كرسيٌ بذراعين يتقوّض، متهالكًا، ضجرًا من الترقب.

هذا الكرسي المرتفع يترجى أن يُرفع، ويُمسك به.

فلتقارنْهُ والأريكة أو الكنبة البالية،

ذلك التآزر المبطن بالوسائد، والراحة الحميمية.

ثم اشفقْ على الكرسي. وجبةٌ لشخصٍ واحد.

هو عرش الشخص المُهان. بعد الاستجواب.

مُقَلنَسٌ ومُقيّدٌ، ومُعترِفٌ بالكامل.

الشرطي ينزع خوذته.

والمرشد يغلق الباب.

أنت لوحدك. اجلسْ. هذا كرسي.

……………….

*حاز سايمون أرميتاج (1963) على لقب شاعر البلاط البريطاني عام 2019. وقبل أن يصبح كاتبًا إبداعيًا متفرغًا، عمل ضابط مراقبة، وهي وظيفة وفرت له مصدرًا غنيًا للحكايات في شعره.

 

يادويغا، على أريكة حمراء، بين الزنابق

سيلفيا بلاث

يا يادويغا، ذات يوم تعجّب المتمسكون بحرفية الأشياء

كيف تحيّن لكِ أن تستلقي على هذا الأريكة الباروكيّة

المنجّدة بالأحمر المخملي، على مرأى

من النمور الطليقة والقمر الاستوائي،

في أدغالٍ خضراء شائكة

أوراقها قلبية الشكل مثل أوراق شجرة الكتلبة، وزنابقٌ

هائلٌ جرمها، ليست بمثل تلك الزنابق التي شُذبت بعناية

وكأن أولئك النقاد المتشبثين بالمبادئ أرادوا لكِ

الاختيار بين عالمكِ في الغابة الخضراء

والعالم المطابق لذوق العصر، على الأريكة الحمراء

بحاجياتها الأنيقة؛ يبتغونك بلا قمرٍ

تتلألئين تحت ضيائه، وبلا عيون

النمور وهي تقرّ وتستكين بصنيع عينيك السوداوين

وبجسدك، وهو أنصع بياضًا من زينته الزنبقية:

ولو حُيّن لهم، لوضعوا الحرير الأصفر حجابًا على القمر،

وجعلوا من الشجر والزنابق أوراقًا مسطّحةً إلى الخلف منك

أو، على الأكثر، صيّروها بساطًا جداريًا بزركشةٍ زهريةٍ دارجة. لكن الأريكة

وقفت بعنادٍ في غابتها: حمراء في مواجهة الأخضر،

حمراء قبالة خمسين تنويعًا على الأخضر،

هكذا حملقت الأريكة في الأعين المبتذلة.

إذن صار على روسو، أن يسوّغ لمَ تشبثتْ الأريكة الحمراء

باللوحة صحبة الزنابق،

والنمور، والثعابين، وحاوي الأفاعي،

وطيور الجنة، والقمر البدر،

واصفًا لهم كيف أنكِ سقطتِ في حلمكِ، والقمر بدرٌ مكتمل،

على أريكةٍ حمراء مخملية

في ثنايا الفسيفساء الخضراء لمخدعك.

وأنتِ تصيخين السمع إلى الناي،

أخذتِ بنفسكِ بعيدًا على مرأى من القمر

إلى غابةٍ الزبرجد، وحلمتِ بزنابق القمر المضيئة

تومئ برؤوسها، المتوّجة بالبتلات، جوار الأريكة.

ذلك، حسب ما قاله روسو للنقاد، هو السبب في أن ظلت الأريكة

برفقتك. فأومأوا برؤوسهم صوب الأريكة، والقمر

وعزف حاوي الأفاعي، والزنابق الهائلة،

التي ماثل عديدُها، بأعجوبةٍ، عديدَ أطياف اللون الأخضر بجملتها.

لكن روسو أسرّ لصديق، أن عينه

وقد مُسَّتْ بتوهج الأحمر في الأريكة التي

افترشتِ يا يادويغا، صوّركِ رسمًا عليها

لتشبع عيناه بالأحمر، كمثل هذا الأحمر! تحت ضوء القمر،

في غمرة تلك الزنابق الخضراء العظيمة كلها!

…………….

*هذه قصيدة إكفراستيكية (ekphrastic)؛ أي إنها عمل شعري يصف عملًا تشكيليًا، حيث تتأمل الشاعرة في لوحة «الحلم»؛ وهي لوحة زيتية رسمها الفنان الفرنسي هنري روسو عام 1910، وتعتبر الأشهر من بين لوحاته العديدة التي تدور حول ثيمة الغابة، والتي أسست بمجملها لما عُرف بعد ذلك بالمدرسة الوحشية أو البدائية. وتُظهر اللوحة رسمًا سرياليًا لصاحبته (يادويغا) متجردةً على أريكة، في وسط غابة خضراء مكتظة بالزهور والحيوانات الوحشية.

*سيلفيا بلاث (1932- 1963) شاعرة وروائية أمريكية، من أكثر شعراء اللغة الإنجليزية تأثيرًا ومدعاةً للإعجاب في القرن العشرين.

مقالات من نفس القسم