الشرطي

الشرطي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد الهادي الفحيلي

عندما قال لي أبي ذات يوم إنه يريدني أن أصبح شرطيا مثل جارنا، قلت له لا أريد ذلك. سألني لمَ؟ قلت له لا أريد. خنزر فيَّ وأمرني بالخروج للعب مع أقراني. طرت من مكاني وفي ساحتنا المتربة قلت لرفيقي في صيد الذباب إن جارنا ليس بوليسيا. فتح عينيه وفمه. أطلق ذبابة كان قد نزع أحد جناحيها وسألني: «كيف؟» قلت له إن جارنا رجل عادي وأمه ساحرة تجعله جنيا يلبس ثياب البوليس ويركب الدراجة الكبيرة لتخيف الجيران، استيقظ باكرا لترى جارنا الحقيقي.

أول من وضع نظارات شمسية سوداء كان هو. شعره الحليق وكتفاه العريضان وعضلاته القوية. لباس الشرطة الأزرق الغامق. المسدس والأصفاد تتدلى على جانبيه. يخفي ساقيه في الحذاء الجلدي الأسود الطويل. الخوذة اللامعة والدراجة النارية الرهيبة التي كان يركنها أمام بيته. كنا نخاف منه ونتجنب أن نحدث الضجيج عندما نمر ببابه.

أمه تنقي السردين والخضر والحمص، وتقطع القزبر والمعدنوس وتغسل الثياب جالسة أمام الباب على كرسي واطئ تحدث الجارات عن اللصوص الذين أمسكهم ابنها. عن “السكايري” الذي اعترض سبيل امرأة عجوز وحاول قتلها. عن “الشمكار” الذي كان يجر صبيا صغيرا إلى المزبلة القريبة. أخته لم تكن تخاف أحدا. سمعتها مرارا تهدد إحدى جاراتنا بالسجن إن لم تتوقف عن استعمال حبل غسيلهم عند غيابهم عن الزقاق. أمه كانت تتوعد بائعي السردين والخضر وجافيل لأنهم يغشون في الميزان وفي البضاعة.

ابن إحدى الجارات يحدثنا عن الجن الذين يخرجون بالليل ويرعبون الناس فيأتي جارنا البوليسي ويفرغ رصاص مسدسه في رؤوسهم وصدورهم. قال لنا إن الشياطين والعفاريت لا تزور زقاقنا عندما يكون هو في بيته مع أمه. كثيرا ما بحثت عنها –العفاريت والشياطين- عندما لا يكون لكني لا أجدها فأقول في نفسي إنها تخاف منه لذلك لم تأت.

عندما رأيته ذات صباح باكر يلبس فوقية وصندلا تبرز منه أصابع رقيقة وطويلة ويحمل “الشفنج” والخبز لم يعد بوليسيا كاملا. لا يمكن للبوليس أن يلبسوا كذلك أو يأكلوا “الشفنج”! لا يلبس شيئا تحت الفوقية غير “كلصون” ضيق، حتى عضلاته فرغت من الهواء وصارت مجرد جلد على عظام. صرت أفيق باكرا كي أراه كذلك وتوقفت عن رؤيته بلباس البوليس وعلى دراجته العظيمة، وعندما أمر أمام بيته أصرخ أو أضرب سطل قمامتهم وقد أدق على الباب وأهرب.

………………

*قاص من المغرب

مقالات من نفس القسم