الشاعرة فروغ فروخزاد.. ساحرة صغيرة حزينة، وحيدة وعاشقة*

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
بقلم : شادي راحيناما ترجمة : ابراهيم قازو  يا حبيبي ! عندما تأتي بقربي ، أحضر لي شعلة و نافذة (1) فروغ فروخزاد ، واحدة من أعظم الشاعرات الإيرانيات المعاصرات ، أحدثت تصدعا في رحم وجودها حتى تتجرأ على وصف إحساسها كامرأة . و الذهاب إلى عكس القوانين التقليدية للمجتمع . فجعلت ، حينئذ ، معاناتها في خدمة الشعر ، المسرح ، و السينما ، حتى يكون الفن  `` نافذة للنظر ، الرقص ، الصراخ ، و البكاء``  (2)

ولدت فرغ فروخزاد بطهران سنة 1934 في أسرة كثيرة الأفراد . و تحت تأثير والدها المهتم كثيرا بالأدب ، وخصوصا الشعر ، اهتمت فروغ باكرا بهذا المجال ، و بدأت تكتب بعض القصائد الصغيرة التي كشفت عن موهبة شعرية جلية . بعد أن أنهت دراساتها ، تدربت على فني التصميم و الرسم . و في سن السادسة عشرة من عمرها ، مغرمة بشغف ، تزوجت پرويز شاپور Parviz Chapour، الذي يكبرها بخمسة عشر سنة . في سنة 1952 ، ظهرت مجموعتها الشعرية الأولى الموسومة بعنوان : الأسيرة ، و عمرها لم يتجاوز سبع عشرة سنة . هذه المجموعة عرفتها على الجمهور . كما نشرت أيضا بعض القصائد في مجلات متعددة . و قد أثارت ضجة إحدى قصائدها التي نشرتها بعنوان : الخطيئة :

اقترفت خطيئةً مليئة بالشهوة ،
 اقترفت خطيئة في حضن دافئ و متوقد .

لأول مرة في تاريخنا الأدبي ، تتحدث امرأة عن رغبتها ، و كذلك عن شهواتها  (3) . و قد أصبحت بعدها موضوع العديد من المقاربات ، و اتهمت ، على الخصوص ، بأنها فاسقة . في حين كانت حياتها الزوجية تتدهور، لم تكن ولادة ابنها كاميار كافية كي تخلصها من السأم . و من الحزن الذي يغلفها و يشلها . و بعد طلاقها رفضت الحفاظ على ابنها الوحيد ، الذي لم تره حتى موتها .

عندما كانت ثقتي معلقة بحبل العدالة المرن .

و في المدينة كلها يقطعون قلوب أنواري

حينما اغلقوا عيون حبي الطفولية

بعُصابة القانون السوداء

و في أوقات مُتعكِّرة من عيني

ينبجس الدم

و في حياتي

لم يكن هناك شئ ، لا شئ سوى تَكْتَكَة الساعة

لقد فهمت : يجب ، يجب ، يجب

أن أعشق الجنون (4)

و بموازاة مع الشعر ، اهتمت فروغ بالمسرح و كذلك بالسينما ، فقد أخرجت فيلما وثائقيا بعنوان : البيت أسود ، الذي يعرض الحياة البئيسة لمرضى الجذام .

لقد كتبت عدة مجاميع شعرية من ضمنها الأسيرة (1952) ، الجدار (1957) ، العصيان (1959) ، ولادة ثانية (1962) ، و أخيرا مجموعة  “لنؤمن بحلول الفصل البارد، التي لم يسمح لها موتها المفاجئ  سنة 1966 ، على إثر حادثة سير مرعبة ، بإكمالها .

الشعر مرآة امرأة

يمكن تقسيم العمل الشعري لفروغ إلى جزأين مختلفين ، يشهدان على تطور فكر مبدعتهما التي تخرج تدريجيا من الإطار المقيد للأحاسيس الأنثوية . كي تصل إلى عالم أكثر شساعة يهم الوجود ، الكائن البشري و الحياة اليومية .

فالقصائد التي تضمها المجاميع الشعرية الثلاث (الأسيرة ، الجدار ، العصيان) و المؤلفة من سنة 1952 إلى 1959 ، تعكس ، مثل مرآة ، صورة امرأة و حيدة و متمردة . تحركها أحاسيس أنثوية خالصة ، و تقف ضد القواعد و الأعراف الاجتماعية التقليدية . تهيمن موجة الشغف على الجو الشعري لقصائد فروغ الأولى . وكل هذا الشعب الذي يعبر روحه يُعبر عنه من خلال شبكة من الكلمات تضع في الضوء تعرجات فكرها و أحاسيسها : قلب ، حب ، ليل ، عتمات ، قبلة ، أمل ، أسف ، سجن ، رغبة ، قبر ، موت ، الله ، يد ، نافذة…نعد أيضا الكلمات التي نجدها بشكل متكرر من قصيدة إلى أخرى . تُعبر عن حياة امرأة مسجونة داخل شرنقة الحياة الزوجية ،  لتحاكم وجودها الفارغ و الذي بدون هدف ، الرتيب و غير المفيد . امرأة ، كي تتخلص من خيبة الأمل و السأم ، تلجأ إلى عالم الشعر الساحر . و تعبر ، تحت شكل رباعيات و من خلال تجميع كلمات ، تعابير و صور ، عن مطالب أنثوية . و الأبيات التالية تظهر إلى أي حد الإحساس بأن تكون سجينة يتسلط على الشاعرة :

أفكر و أعرف أنني أبدا

لن أستطيع التحرر من هذا القفص

حتى و إن حررني السجان

فلن تكون لدي القوة كي أطير  (5)

الشعر : نظرة امرأة متشائمة إلى العالم

انطلاقا من ولادة ثانية  “عثرت ، أخيرا ، على لغتها الخاصة ، التي تتغذى من تجاربها الأنثوية خاصة . في هذه المجموعة تقدم لنا فروغ نوافذ مفتوحة على عوالم أخرى ، و التي تعبر من خلالها عن الأحاسيس التي لم تجربها أبدا داخل عالم الأعراف الأنثوية المحدود . و هي تتبنى بجرأة وجهة نظر متشائمة ، تصف فيها مجتمع زمانها ، و مشاكل الشعب الإيراني في مرحلة وسطى بين التقليد و الحداثة في كلمة واحدة : الحياة اليومية . و كل هذا مستعملة لغة بسيطة و في نفس الوقت مزخرفة .  

لعل الحياة   

زقاق طويل ،

تعبره كل يوم امرأة بسلتها

لعل الحياة   

حبل

به يعلق نفسه رجل إلى شجرة

لعل الحياة  

تلميذ

يدخل إلى المدرسة

لعل الحياة هي إشعال سيجارة

فضاء مخدر بين عناقين ( 6 )

مع ذلك ، فإنه في االعمل الشعري الأخير لفروغ لنؤمن بحلول الفصل البارد المؤلف من قصائدها التي كتبت خلال الثلاث سنوات الأخيرة من حياتها ، تظهر الولادة الشعرية الجديدة للشاعرة التي بلغت أوجها . حيث تصور الشاعرة وضعيتها في الأبيات التي تفتتح المجموعة :

وأنا

امرأة وحيدة

تقترب من فصل بارد

فهمت الآن وجود الأرض الملوث

و يأس السماء البسيط و حزنها

و ضعف يديها الإسمنتيتين .( 7 )

كل قصائد هذه المجموعة ليست سوى تطويرا لأفكارها الأولى التي تقدم لنا صورة كائن بشري مجروح و حساس ، يتأمل العالم من خلال نافذة كبيرة . القارئ في ذلك شاهد على تحول جذري في ما يتعلق بالشكل أكثر من المضمون . الشاعرة تظهر أكثر فأكثر ملهمة من طرف الشاعر نيما  Nima   **. فقد غادرت شكل الرباعيات كي تتبنى أسلوبا أكثر حرية ، مرتبط بسعة أفقها و كذلك سعة خيالها .

   إن الشاعرة فروغ لا تبحث عن اتباع مسار جمالي فقط . و لكنها تصبو أكثر لوصف العالم الواقعي بجميع تجلياته المادية و الروحية . و ذلك باستعمال ألفاظ بعيدة عن اللغة الشعرية أحيانا . إنها تتحدث عن الأشياء العادية ، مما يسمح لها بأن تكشف لنا خبايا لا قيمة لها و غير متوقعة من الحياة اليومية .في هذا الاتجاه ، فالألفاظ الرومانسية التي تهيمن على العالم الشعري لدى فروغ في بداية طريقها الأدبي تختفي شيئا فشيئا في مجموعتيها الأخيرتين . الحب ، الليل ، و النافذة تظهر فيهما بطريقة متميزة . لكن المعنى المحتوى في هذه الألفاظ هو موضوع تحول كبير . فهذه الشاعرة الكبيرة أدخلت إلى العالم الشعري ألفاظا جديدة مثل مكنسة ، مطبخ ، حبل غسيل ، شذرات ، طائرة ورقية ، مزهرية ، كلمات متقاطعة ، دخان السيجارة ، اتساع الحب ، الجمعة المضجرة ، كوب ، دولاب ، فسقية ، سبحة زجاج ، أزقة فارغة…كذلك يتحول شعر فروغ إلى شعر ملموس ، حي و أكثر قربا من يومي كل إنسان .

     إن شعر فروغ هو ، تقريبا ، انعكاس للحياة . يمكن أن نقول حسب نيما Nima: هي واحدة من الشعراء المعاصرين العظام . و التي ، بعد نشرها لثلاث مجموعات شعرية ، أحدثت أيضا ولادة جديدة داخل الشعر الفارسي .

 

إضاءات :

* النص مترجم عن  مجلة طهران التي تصدر باللغة الفرنسية :Revue de Téhéran, Numéro N° 13, décembre 2006

**  نيما هو الشاعر الإيراني نيما يوشيج Nima Youshij ( 1897 / 1959 ) ، اسمه الحقيقي علي اسفندياري  ، أبو الشعر الفارسي و رائده الأكبر . و قد اعتبرت قصيدته الطويلة التي نشرها سنة 1921 بعنوان  الأسطورة  “بمثابة بيان للشعر الإيراني الحديث . فقد كسر الأشكال القديمة و حرر الشعر الإيراني من قيود القصيدة العمودية . ( المترجم )

 

 هوامش  :
[1Revue de Téhéran, Numéro 1, p 55.

[2Hoghoughi, Mohammad, Notre poésie contemporaine 4/ Forough farrokhzad, éd. Negab, Téhéran, 1383, p. 31.

[3Ibid.

[4Hoghoughi, Mohammad, op. Cit., p. 276. ” La Fenêtre “

[5Ibid., p. 59.

[6Revue de Téhéran, op. Cit., p. 56.

[7Hoghou

مقالات من نفس القسم