الشارع المُفَضَّل

محمد الفخراني
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد الفخراني

الشارع المُفَضَّل مثل الوقوع فى الحب، لا نختاره وإنما نجد أنفسنا واقعِيِن فيه.

والشارع الذى نَسْكُنُه نختاره بحسابات كثيرة، لكن شارعنا المُفَضَّل نُصادِفه فى الشارع ونقع فى حبه، ويقع فى حبنا.

شارعنا المُفَضَّل ليس مكانًا نذهب إليه لنستمتع به، ولا لنزوره، وإنما هو أقرب إلى قطعة من روحنا مُنسابَة فى العالم.

لا مشكلة لو اختفَتْ تضاريس الكرة الأرضية، عندها يمكننا أن نرسم بقلم رصاص خطًّا يكون هو نفسه شارعنا المُفَضَّل، وحوله يمكننا بسهولة أن نستدعى كل تضاريس العالم، سنعرفها، تأتى هى تِبَاعًا، صَحّ جدًا، لا مشكلة ما دام لنا شارع مُفَضَّل.

الشارع المُفَضَّل قصة حب.

وغالبًا، بلا أسباب واضحة أو محدَّدة نقع فى حب شارع ما، ليكون شارعنا المُفَضَّل، ربما يكون هناك سبب، لكنه ليس السبب، والسبب الحقيقى أنه لا يوجد سبب، يعنى يمكننا أن نُعَدِّد أسباباً فى شارعنا المُفَضَّل، لكن سيظَلُّ ذلك الشىء المُراوِغ والواضح فى الوقت نفسه، يظل غائبًا عن كلامنا، وكأنه السرّ الحقيقى، ونحن سنحب ذلك، لن نفتش ورائه، نحب أن يَظَلَّ السِرّ الحقيقى غير واضح، نحب أن يبقى حُرًّا.

أشياء فى حياتنا لو عرفنا سِرَّها، والسبب وراءها، وصار واضحًا لنا، فإنها على الفور تفقد سحرها كأنما أُصيِبَت بسَكْتَة قلبية، فقط لنترك هذا القلب حُرًّا فى تصاريفه وفنونه وأسلوبه.  

شارعنا المُفَضَّل أحد عنوانينّا السريَّة والمعروفة معًا، هو أحد أماكن تواجُدنا المُحتَمَلَة، ويَتوقَّع الآخرون وجودنا فيها، ونحن أنفسنا نتوقَّع وجودنا فيها، نذهب إلى شارعنا المُفَضَّل فنجدنا. 

من الغريب، واللطيف، أن شارعنا المُفَضَّل هو أحد أكثر الأماكن التى يمكننا الهرب إليها، والاختباء فيها، رغم أنه أكثر مكان مكشوف، هو، ببساطة، شارع موجود فى الشارع.

ونُحِب أن نمشى فى شارعنا المُفَضَّل لوحدنا، بمفردنا، أو مع أشخاصنا المُفَضَّلِيِن.

أقرب شخص إلينا هو أول شخص نفكر فيه وقت الفرح أو الحزن، الشخص الذى نريد أن نحتفل معه أو نبكى معه، وأقرب شارع إلينا هو الشارع الذى نرغب فى الجرى إليه، أن نكون معه فى حزننا أو فرحنا، نريد أن نَعْبُر كل الشوارع إليه، وكأنما لا شارع فى العالم غيره، ولن يكون هذا إلا شارعنا المُفَضَّل.

أتساءل عن المتاهة والحيرة التى نكون فيها لو استيقظنا يومًا ولم يجد كلٌ مِنّا شارعه المُفَضَّل، نذهب إليه فلا نجده، ماذا لو اختفى الشارع المُفَضَّل؟

يُمكن لشارع واحد أن يُلَخِّص مدينة كاملة، أحدنا يعتبر أن شارعًا ما لوحده هو كل هذه المدينة، ولو أنه زارها ولم يتمكَّن من زيارة هذا الشارع لسبب ما، فإنه بهذا لم يَزُرْها حتى ولو زارَ كل مكان فيها، وفى كل مدينة نزورها أول شىء نفعله هو أن نذهب إلى هذا الشارع، وهو أيضًا ينتظرنا ويشتاقنا بالدرجة نفسها، وبعد زيارتنا، بعد لقائنا به، يكون كل شىء مهم وغير مهم فى الوقت نفسه. 

كل هذا عن الشارع المُفَضَّل، مع الحب الكبير لكل الشوارع الأخرى.

أتمنَّى لو يوجد شارع يَمُرُّ بكل العالم، نمشى فيه فنَمُرُّ معه بكل مكان وكل إنسان.

وطبعًا.. شارعنا المُفَضَّل يعرف أنه شارعنا المُفَضَّل.

 

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار