الروائي الليبي مجاهد البوسيفي: فعلت المستحيل حتى لا اغادر ليبيا

70.jpg
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورته: خلود الفلاح*

تصوير: خيربرت فان درا

في الكتابة تصبح الذاكرة ملجأ الحكايات والوطن هو الأمان والحنين وخزة تصيبنا، في ليبيا كان بداية التفتح المعرفي أما المهجر فكان كالنافذة التي عبر خلالها العالم لتفسح المجال لثقافات وصداقات وأمكنة جديدة، في روايته الأولى "آزاتسي" لم يكن يدون سيرته الخاصة بقدر ما هي سيرة للحياة التي عاش تفاصيلها في ليبيا وهولندا والدوحة. في هذا الحوار تحدثت الكاتب مجاهد البوسيفي عن أسئلة الحياة وعالم الرواية.

حاورته: خلود الفلاح*

تصوير: خيربرت فان درا

في الكتابة تصبح الذاكرة ملجأ الحكايات والوطن هو الأمان والحنين وخزة تصيبنا، في ليبيا كان بداية التفتح المعرفي أما المهجر فكان كالنافذة التي عبر خلالها العالم لتفسح المجال لثقافات وصداقات وأمكنة جديدة، في روايته الأولى “آزاتسي” لم يكن يدون سيرته الخاصة بقدر ما هي سيرة للحياة التي عاش تفاصيلها في ليبيا وهولندا والدوحة. في هذا الحوار تحدثت الكاتب مجاهد البوسيفي عن أسئلة الحياة وعالم الرواية.

_ سؤال الحياة، سؤال الموت، سؤال الطفولة، سؤال الكتابة. هذه الاسئلة كيف يجيب عليها مجاهد البوسيفي من واقع موقفه الثقافي والوجودي؟

_ لقد وفر لي العيش خارج جذوري الاجتماعية وبعيدا عن حبل مشيمتي الخاص فرصة لتأمل روحي على مهل، لم اصل لاجوبة حاسمة ولكني وصلت لتوافق وراحة بال مع طفولتي التي اعيشها بشكل ما مع ولدي تميم وزيد وان بحذر حيث لا ارغب في تربيتهما على ميزان فقداني الطفولي، أما الحياة فاني اعض على ركبتها كما يقول العماري وانال منها ما استطيع دون ضرر أو ضرار، والموت هو الشيء الوحيد الذي اتيقن يوما اثر يوم انه سرغير قابل للكشف، علينا ان نتذكره، فقط من اجل ان نعيش الحياة بشكل أفضل وان لانكون نادمين في تلك اللحظة الرهيبة التي يطرق فيها بابنا..الكتابة هي كل هذا…

 

_ في المهجر “هولندا” شكلت مع الليبيين عمر الكدي ومحمد ربيع  والرسام العراقي قاسم الساعدي كيان ثقافي وإنساني. كيف قاوم هذا الكيان قسوة الغربة؟

_اجمالا انا حذر قليلا من استخدام كلمة غربة، صادف ان اربعتنا انتقلوا للحياة في الغرب وهم في سن النضج والقدرة على اتخاذ القرارات، بالنسبة لي عانيت من حنين قاسي في الاشهر الأولى ولكنني لا استطيع ان اصف ذلك بالغربة، كان هناك حالة من الفقدان لأجواء حميمة في تلك الفترة، ولكن الغربة تعبير كان دائما له معنى مراوغ بالنسبة لي، ودون إدعاء لقدرة التحمل عندي يجب ان اكون صريحا معك واقول انني لم اعان من قسوة الغربة على ما اذكر، ايضا حالة الاربعة التي ذكرتي لم تكن مثالية ومتوحدة في كيان انساني وثقافي دائم ، قاسم لعب دورا  مهما في بداية وصولي، وعندما جاء الكدي لهولندا كان قد مضى عليّ فيها ثلاث سنوات وكنت قد تأقلمت مع الاجواء، استمرينا نلتقي بشكل منتظم كل ثلاثة اسابيع وكان ذلك مهما لكلينا..أما محمد فقد اخذته مشاغله في طريق مختلف بعض الشيء ولم نلتق بشكل حقيقي إلا في الدوحة اثناء حرب التحرير لنستأنف صداقة جميلة كنا بدأنها في طرابلس.

 

_ قارئ هذه الالفية. هل هو قادر على المشاركة في نصك استنادا على القول” ان النص هو نزهة يقوم فيها المؤلف بوضع الكلمات ليأتي القارئ بالمعنى”؟

_عندما اكتب افكر انني اكتب لقارئ واحد – ليس عندي صورة واضحة له – واحيانا كثيرة يبدي أكثر من شخص ملاحظة حول مادة بذاتها كتبتها فأصاب ببعض الحيرة للحظات لأني اعتقدت اني كتبتها لذلك القارئ الوحيد الذي ينتظرني وليس لعدد اكبر، إذا فهمت سؤالك الاحظ اننا ايضا – نحن الذين ندعي الكتابة – نقصد بان يكون هناك معنى لما نكتب، لكن إذا اراد ذلك القارئ العزيز الذي سيشتري كتابي أن يأتي بالمعني فسأكون مسرورا لذلك، فقط علينا ان لاننسى – كلينا – ان ذلك المعنى يخص ذلك القارئ العزيز الذي اقتنى كتابي مشكورا، شخصيا اهتم جدا بان يشاركني القارئ في المعني  المعني الخاص به بعد ان اتشرف بفتح الباب امامه للوصول اليه..

 

_برأيك هل سيعيش العربي في أوروبا اليوم مرة أخرى الخوف من صفة “عربي إرهابي” بعد احداث بوسطن الامريكية؟ خاصة وان هذا العربي مازال لم يتخلص من تهمة احداث الحادي عشر من سبتمبر؟

_ رأينا ما حدث بعد تفجير بوسطن قبل ايام، عندما تسابق اعلاميون غربيون في تلبيس هذا التفجير الارهابي للعرب، وليس العرب فقط ..الاسلام ايضا متهم رئيسي في هذه الاحداث التي احيت ثقافة دينية قديمة تحض على الكره بدل المحبة، لكن لنكن صرحاء، واقع المسلمين مخزي اليوم، يقودنا ائمة قرويون نشروا الرعب الثقافي والمادي في الغرب والشرق معا، وعمموا الجهل على تابعيهم بطريقة محزنة. سوف نتخلص من ذلك الوسم الذي لحق بنا عندما نتخلص من ثقافتنا الصحراوية التي هددنا بها مراكز الحضارة في الغرب وابلغناهم بكل وضوح باننا نريد ان نرفع اعلامنا السوداء على قلاعهم التي قضوا العمر في تشييدها..الغرب (الرسمي) توقف عن ارتكاب الاخطاء وتفرغ للعب على اخطاءنا المتوفرة في كل ركن..

 

_ ظهرت كتابات بعد الربيع العربي قيل انها استثمرت هامش الحرية في بلدانها، ولكنك لم تكن محتاج هذا الهامش للكتابة. لماذا تأخرت في إصدار روايتك؟

_أخرني ثلاثة أسباب، اولا النص بذاته حيث انني اشتغل على موضوع طازج لحد ما وكان عليّ في كل مرة ان ابتعد قليلا حتى استطيع تبين العاطفي من الموضوعي في العمل، ثم انني انسان له مسئولياته في الحياة، فأنا اقوم صباحا مثل أي رب عائلة واذهب للعمل ثمان ساعات واعود للبيت لتفقد أحوال ولدي مثل اي اب، ليس ورائي دولة ولا حزب ولامؤسسة، ولم احضى في حياتي بذلك الشيء الجميل الذي يسمى تفرغا للكتابة، ثم هناك ايضا مشاكل فنية عديدة واجهتني، اعدت كتابة ثلثي الرواية حوالي ستة مرات اثنتان منها على الورق، وهناك فصول اخذت مني بحثا خاصا عن كتب وافلام وسير معينة، واليوم عندما يكتب عن العمل بأن هناك سلاسة ما أو انتقال موفق بين زمن وزمن اشعر ببعض الراحة  لانني بذلت جهدا لتغيير اللغة مرات عدة وبحثت دائما عن مفاتيح وأشكال تناسب مانويت ان اكتب عنه..

 

_ من يعرف ان معنى ” آزاتسي” هو مركز اللجوء في هولندا يعتقد انك كتبت رواية تدور احداثها داخل هولندا فقط، رغم ان هذا البلد لم يحضر إلا قليلاً.. بذلك هل يمكنني القول ان الرواية ليست سيرة ذاتية لمجاهد البوسيفي بقدر ماهي سيرة للأمكنة والشخوص والأوطان؟

_ يمكنك القول بذلك وضميرك مرتاح، أعرف ان كثيرين الآن مشغولين بإيجاد تطبيقات واقعية لاشخاص الرواية واحداثها، لكنني مضطر لتخييب مسعاهم واخبارهم ان الرواية ليس لها علاقة بي الا كوني كاتبها، لطالما قلت ان مايحدث في ليبيا يمكن ان يُخرج اعمالا سردية مفتوحة على الخيال وحتى السحر، وعندما عشت تجربة اللجوء رايت – بشكل ما – ان مايحدث في ذلك المركز المليء بطالبيء اللجو ايضا ينطبق عليه نفس الشيء. علينا ان نختار مواضيع كتبنا بناء على مقاييس فنية قاسية وليس عواطف بشرية زائلة….

 

 

_ من منطقة “نسمة” في الجنوب الليبي إلى العاصمة طرابلس للدراسة والعمل، عشت حياة البدوي الرحال. هل شكلت هذه التنقلات دوافع الكتابة لديك؟ وهل مازالت تحتفظ بذكرياتك عن نسمة؟
_اعتقد ان الأمر اسواء من ذلك، عندما تقولين لي ليبيا اليوم فان مايخطر على بالي هو تلك القطعة من الأرض التي تبعد عن نسمة بحوالي عشرة كليو متر واسمها (اللفيه) وهي عبارة عن عرقوب ينتهي بقرارة بها بعض الخضرة، إذا كان الامر باختياري فانني أريد ان امضي الربيع هناك كل عام، عشت ايضا فترة مهمة من ليبيا حيث بالكاد لحقت على آخر ايام احترم فيها البدوي المدينة وحاول جهده ان يتأقلم مع ثقافتها قبل ان يهب علينا مفهوم البدونة مع سيطرة القذافي، ذلك الصدام خلف عندي احاسيس كثيرة استقي منها بعض بضاعتي، أنا من جيل قاوم – خاصة عبر رابطة الكتاب  ومجلة لا – بدونة المدينة وحكمها بمفهوم الفتح…وعموما إذا تمعنتي في كتابات الرواد مثل النيهوم والفاخري فستجدين ان التيمة الأساسية لهما هو المفارقات والصدامات بين الحضر والمضر الليبي….

 

_ هل مازالت تعيش قلق السنة الأولى من المهجر؟

_مع الايام تعودت ان أعيش في المكان الذي أنا فيه وكـأنه وطني، مفهوم المهجر بالنسبة لي مفهوم به الكثير من الرومانسية، علينا ان نسعى لنكون محترفين حتى في مشاعرنا تجاه المكان أحيانا… كل مكان به نوع من الوطن عليك ان تبحث عنه وتكتشفه وتنميه داخلك..

 

_ هل ستعود لليبيا يوما خاصة بعد موت العقيد؟

_ لا اعرف..بعد التحرير – وتحت احساس بالواجب – قررت هدى أن تستثمر قرضنا المصرفي في قطعة ارض بليبيا لعل الوقت يسمح بتطوير مشروع العودة، ولكن حتى اكون صريحا الوطن بالنسبة لي هو الامان والبيئة المناسبة للعمل وتربية الأولاد في داخلي اشك في ذلك لسبب دفين، من يحكمون ليبيا الآن كانوا في أغلبهم يطاردونني – وزملائي – من أجل ان نفتح امامهم وسائل الاعلام للمشاركة في موسم حرب التحرير كما يفكرون..ومن تجربتي تعلمت ان الشهود ينبغي دائما ابعادهم عن المسرح… ليبيا بالنسبة لي واجب إنساني عميق الدلالات.. وعندما أجد الفرصة المناسبة سوف اشارك…امامي بعض الوقت على كل حال لتسديد قرضي ثم نرى..

 

_ اعرف ان روايتك ” آزاتسي” قد صدرت بداية عن دار ميريت المصرية.. فماذا حدث بعد ذلك؟
_الطبعة كانت سيئة، لقد بدأت كتابة آزاتسي وأنا شاب ثم التقيت هدى وانجبنا طفلين قبل ان أنهيها وكان صعبا عليّ ان قبل بتلك الطبعة البائسة فنيا…

 

_ اعتمدت في روايتك على ” الفلاش باك” من الحاضر إلى الماضي حيث ليبيا التي غادرتها يوما حاضرة. هل عدت لتلك المرحلة أثناء الكتابة بحنين ما؟

_ لقد فعلت المستحيل حتى لا اغادر ليبيا، ولكن عندما جاء الوقت غادرت بضمير مرتاح خفف عني فيما بعد مشاق الحنين وتداعياته لحد كبير، احب ان اقول انني طوال حياتي في هولندا ثم الدوحة بقيت على تواصل دائم  مع اصدقائي المقربين، ولذا كنت بشكل ما في ليبيا التي تخصني، مكانيا كنت بين وقت ووقت اصيب بلوثة من الحنين لمكان أو اكثر لي فيه حياة جميلة ..ركابة سيدي خليفة قرب جامع الشيخة راضية مثلا ..أو اللفيه..أو ليالي بنغازي حيث كنت دائما اشعر باني في اجازة سياحية عندما ازورهذه المدينة ليس للبنية التحتية البائسة ولكن للقدر الكبير من الامان والرحابة الذي احسه هناك… لكن بصفة عامة كان هاجس التحكم التام في اللغة والمشاعر هو من يقودني في مسارب الكتابة…

 

_ هل أهمية الرواية اليوم نابعة من كتابات أسماء روائية هامة، أم أن الانسان الحديث بعالمه الافتراضي الواسع مصاب بحنين لزمن الحكي؟

_اسمحي لي ان اعطيك طبعتي الخاصة بالخصوص..ليس هناك الآن – الا ماندر– أسماء مهمة في الرواية ولكن هناك روايات مهمة.. اليوم اجد صعوبة حقيقية في اكمال قراءة  رواية.. المتعة تكاد تكون غائبة في ما يكتب، علينا ان لا نخضع لما يقوله الاعلام في الخصوص، صبري موسى- مثلا – كتب عمل واحد جميل هو (فساد الأمكنة) واقل منه حيدر حيدر الذي كتب فصل واحد في حياته مهم في رواية وليمة لاعشاب البحر التي قامت عليها الدنيا من سنوات، أما الكوني فما كتبه بعد الخسوف والتبر هو رحلة عذاب حقيقية بالنسبة لي. كقارئ والآن أنا مضطر للتوقف في منتصف قراءة رواية الغابة النرويجية لانني فقدت الامل في متعتها أو فهم الهدف من كل هذه الصفحات..هذه طبعتي الخاصة..أ ما بالنسبة للزمن الافتراضي فقدمي في ماء بارد..كل هذه الانجازات لن تلغي الفاعل الحقيقي في عملية الكتابة وهو الكاتب، هناك حاجة دائمة – وليس فقط حنين – للحكي لأنه طريق مضمون للوصول إلى فهم أفضل لزمننا وهويتنا وتطلعاتنا على بساط من الكلمات الموحية..علينا فقط ان لانفرط في الفن اثناء السرد، وبقدر استيعاب الكاتب لزمنه وتحدياته بقدر ماسيكون موجودا في فيه، المنجز التكنولوجي في صالح المبدع وليس نقيض له.

ـــــــــــــــــــــ

*شاعرة وصحافية ليبية

 

 

مقالات من نفس القسم