الروائي البرتغالي الموزمبيقي “ميا كوتو” وحوار الذكريات

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

سكوت اسبوزيتو       ترجمة: أحمد فاضل

ولد ميا كوتو عام 1955 في موزمبيق وهو من أصول برتغالية، حيث هاجرت أسرته إليها في أثناء إحتلال البرتغال لها آواخر القرن التاسع عشر، وكوتو يعتبر على نطاق واسع واحدا ممن يمسك بلغته البرتغالية بقوة في كتاباته.

 تم نشر الكثير من أعماله في أكثر من 20 دولة وبلغات مختلفة بما في ذلك البرتغالية، الإنكليزية، الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، الصربية، والكاتالونية.

وعلى الرغم من أن أعماله تحفل بالخيال كثيرا لكنه تعامل بواقعية وهو يتناول الحرب الأهلية في موزمبيق، والتي حدثت عام 1977 وحاول من خلالها استكشاف طبيعة وسلوك النظام القائم آنذاك، وتعمق كثيرا في هواجس الناس كما يقول وهم يبحثون عن هويتهم الحقيقية، العديد من النقاد ذهبوا إلى تشبيه أعماله بالواقعية السحرية لكتاب أمريكا اللاتينية نظرا لتأثره بهم، واستطاع من خلال لغته البرتغالية أن يصف بصدق الحالة التي تعيشها موزمبيق وسط كل تلك المآسي .

إلتقيناه في عقر داره وليكون هذا اللقاء حوارا لذكريات طويلة مر بها في بلده موزمبيق، الذي لم يغادره لأنه وجد فيه سحرا مضافا لبرتغاليته:

 

 

– ما هي أنواع التأثيرات الثقافية التي طرأت على أعمالك من داخل موزمبيق؟

– موزمبيق كبلد ولدت وعشت فيه أوحى لي بالكثير من الأفكار التي جاءت بها كتاباتي ، لكنني لا أستطيع تحديد أهم التأثيرات عليها لأنها واسعة ، فإذا قلت طفولتي قفزت أمامي بلدتي التي تربعت بالقرب من المحيط الهندي ، وإذا قلت بلدتي قفزت أمامي تلك الجموع من الناس حولي ، لكن يمكن أن يكون المصدر الرئيسي لإلهامي هي تلك الثقافة الشعبية المتمثلة بالرقصات والأغاني والشعر كلغة فريدة من نوعها.

 

– وجدت الصحافة هنا تطلق مفهوم الواقعية السحرية على كتاباتك ، هل هذا يعني أنك قد تأثرت بها وانعكست بالنتيجة على أعمالك؟

– أنا لا أهتم لتلك الأنواع من التصنيفات نظرا لأنها لم تخلق أساسا من قبل الكتاب ، لكنها جاءت من اختراع النقاد ، إضافة إلى أنني لدي شكوك جدية بوصف الكتابة الأفريقية أنها متأثرة بها ، الكاتب الأفريقي لديه شخصيته الأدبية التي يتميز بها وسيكون من الصعب عليه أن يفكر بهذه الواقعية كون الطريقة التي يشعر ويفكر بها لا يمكن أن تذهب بعيدا خلف حدوده إلا في بعض الحالات الضيقة والنادرة .

 

– لاشك أن البرتغال تعيش في عروقك وهي لاتشبه أية مدينة في موزمبيق، ماذا وجدت في هذه المدن الأفريقية كي تحكي عنها وعن ناسها؟

– البحث عن الهوية هي القضية الرئيسية في كل كتبي ، لقد ولدت في بلد في لحظة تاريخية هي أبعد ما تكون عن تحديد تلك الهوية ، فخلال السنوات الثلاثين الماضية في موزمبيق عرفت من أنا ولمن أنتمي ، هويتي الوطنية كانت قد انتقلت من عائلتي الصغيرة إلى الأمة الكبيرة ، من العرق والجنس المختلفان كليا إلى كيان آخر موحد هنا ، هذه الرحلة هي نتيجة لعبور الحدود ، وهناك تحديا قائما على فلسفة أن جميع المخلوقات يتم تحديد جنسها من خلال الحدود ، وفي سياق عملي كعالم أحياء شاهدت كيف أن تلك الأحياء متعطشة لطبيعة تلك الحدود ، هذا يتم في الطبيعة أما نحن الذين نعيش داخل مجتمعاتنا الحضرية نجد صعوبة في تخطي تلك الحدود فنصنع ملاحمنا بصمت داخل حدودنا .

 

ما هو شعورك وأنت تنظر إلى النساء هنا وهن يلعبن دورا رئيسيا في تخطي تلك الحدود التي كانت مقتصرة على الرجال حصرا؟

– أعتقد أن دورها عالميا ، فهي مرتبطة ارتباطا وثيقا أكثر من الرجال بالنسيج الإجتماعي والإنساني ، وكانت تتطلع دوما أن تلتقي بمثيلاتها من نساء العالم خارج حدودها لأنها تشعر بعظم المسؤوليات الملقاة على عاتق المرأة في كل مكان ، خاصة وأنها في موزمبيق لعبت دورا أساسيا وكبيرا في إعادة بناء السلام بعد ستة عشر عاما من الحرب الأهلية ، ولدينا مقولة هنا إذا لم تكن لديك امرأة لم تكن لديك قبيلة ، هذا المثل يستحضر قدرة وقوة المرأة على عبور الحدود وخلق هويات أكثر تماسكا وانسجاما ، وأنا ككاتب أفضل الشخصيات النسائية على الكثير من الرجال الذين لازالت شخصياتهم غامضة ومعقدة .

 

الحديث مع كوتو لم ينتهي حيث رحنا نقلب كتاباته منذ سبعينيات القرن الماضي فوجدنا أنه قد كتب شعرا وقصة ورواية استمد وقائعها من حياته في موزمبيق منذ ولادته في مدينة بيرا ، روايته الأولى ” تيرا سونا مباولا ” والتي اعتبرت واحدة من أفضل 12 رواية في أفريقيا صدرت في القرن العشرين المنصرم ، أما روايته الأخيرة ” اعتراف لبؤة ” فهي شهادة ضد روح الإنسان التواقة للانتقام من الحيوان حيث يكلف الصياد اركانجو بالذهاب إلى إحدى القرى الموزمبيقية لقتل عائلة من الأسود هناك، لكنه يتبين أنها كانت تدافع عن نفسها ضد همجية سكانها بسبب التمدد العشوائي فوق أراضيها .

أعماله تلك نموذج جديد للسرد الأفريقي، أما استخدامه للغة فيذكرنا بالكاتب البرازيلي غيمارش روزا مع تأثره الواضح والشديد بالكاتب خورخي أمادو أيضا.

 

كوتو لم يفته تعليقنا على مجمل أعماله فقال معلقا:

– القصص في أفريقيا أو في أي مكان في العالم يمكن أن تساعدنا على التعرف أكثر على الحياة النمطية فيها ، مع أننا بحاجة إلى عزل وتحييد الكثير من قوانينها حتى لو كانت افكارا أو كلمات ما يجعل من تلك القصص أو الروايات مستساغة من الجميع وتلك هي حالات الإبداع التي لايمكن أن تنفصل عن التفكير العقلاني لها.

 

أردنا في نهاية حوارنا مع كوتو أن نبتعد قليلا عما شغلنا من أسئلة جادة أجاب عليها بجدية أكبر:

 

– لنغلق حوارنا ونسأل عن أصل الإسم ” ميا ” الذي أطلق عليك لحبك الشديد للقطط ، فهل هذا صحيح؟

– نعم هذا صحيح ، عندما كنت في الثانية من عمري وجدت العديد من أنواع القطط في بيتنا حيث كانت والدتي تطعمهم كما تطعمني ، أما والدي فكان يقول لي دائما أنت لا تحب القطط ، لكنه وجدني عندما صرت شابا أطعمها كما والدتي حتى عرف الجميع مدى حبي لهذه المخلوقات وبت لا أستطيع أن أعيش دونها حتى فوجئت يوما أن أسمي اصبح ” ميا ” ولم يعد أنطونيو وهو إسمي الحقيقي ، وهن يشاركنني حتى عندما أكتب ووجدت الكثير من الأسماء اللامعة في الأدب يعشقونها مثلي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سكوت اسبوزيتو

مجلة باريس ريفيو الأدبية

2 مايو  2013

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد فاضل

مترجم وناقد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

 

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار