الميراث الكبير الذي تتركه المدن هو ذلك العالم الواسع من البشر وحكاياتهم والتاريخ وبصمات كل ذلك على كل من يمر بهذا العالم، تبدو الاسكندرية مدينة عالمية صغيرة بسكان متعددي الجنسيات، يهاجرون كلما تحركت الظروف السياسية والاجتماعية أو الحروب حولهم، ويتركون صناديق بها فراشات محنطة، أو أشياء صغيرة تشير إلى وجودهم هنا يوما.
البطل في الرواية يحمل كل الحكايات على سبيل الخيط الذي يربط بيوت الشارع بأصحابه، والذي يربط تاريخ جدود عائلته بأحفادها.. الخيط الذي يستمر في التحرك رغم كل ما يحدث، فيتقدم الزمن، ويذهب الذين جاؤوا.
يقدم علاء خالد خلاصة رؤيته لحياة كبيرة، ضمت عائلة وجيران وأشخاص يحركهم الموت والحزن وكل أنواع الخسارات. تبدو مسيرة الحياة مثل رحلة، ويبدو اختيار الانسان للقدوم للدنيا هو الاختيار الجميل لعالم يتقدم رغم كل شيء، وحياة مستمرة رغم الخوف والموت والعداءات والأمراض القاتلة التي تصيب الأبطال وتأخذها معهم. تبدو الحياة رحبة جميلة رغم قسوتها، كل هؤلاء الأشخاص عبروا منها، كانت الأحداث تنحت في شخصياتهم وتشكل طبيعتهم، وكانوا يقومون من جديد.
الكم هائل من البشر الذين يمرون بحياتنا، دون أن نتمكن من رؤيتهم بوضوح أو إدراك تفاصيلهم الصغيرة التي تميزهم والتي نحتها الزمن فيهم على مدار ما حدث ويحدث.
ومع ذلك لا تبدو الشخصيات مثالية، بشر محملون بأخطاء كثيرة، قد نشعر تجاه بعضها بالتقزز، لكنها في النهاية محطة بشرية، تبدو مثل مراحل، وفي أحيان أخرى يكونوا أشخاص لا يتبنون الحلول الأخلاقية أصلا. ومن المفترض أن مواجهة أخطائهم في الرواية يمنحنا نحن القوة لأن نرى أخطائنا مكشوفة بدرجة تدفعنا للاقلاع عنها وتفهم منحيات المغامرة.
رواية علاء خالد تخبر بأن خلف كل إنسان عادي نمر به كل يوم رواية كبرى، وكلنا مؤهلون لدخول الحكايات.
تبدو قسوة الحياة ضرورية لكي نكون. ورواية علاء خالد رواية ضمن ميراث روائي ضخم يعمل عليه الروائيون ليقتفوا آثر الحياة ومساحات السير التي قطعها البشر.