جبل المجازات لأحمد كامل.. هل نعيش الحياة أم نعيش في اللغة؟

جبل المجازات
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

علي قطب

الروايات التي تحمل أفكارا قليلة بخاصة حين تأتي الأفكار في خلفية السرد الدرامي دون إقحام أو جدل ذهني وإنما تطرح نفسها في العالم الروائي وكأنها الهيكل أو العمود الذي يحمل المبنى والمعنى معا، من الروايات التي تؤسس لفكرة محورية جبل المجازات لأحمد كامل وفكرتها تطرح السؤال الذي وضعه العنوان كفرضية لهذا المقال وتكاد تكون إجابته أننا نعيش في اللغة ولا نحيا في عالم خارجها ولا يمكن تصور ذاك العالم الخارجي إلا من خلال اللغة وبالتالي فإن مشاعرنا واحتياجاتنا ومفاهيمنا وسلوكنا كلها معجم لغوي وأسلوب تعبيري ولو أدركنا ما في اللغة من عناصر جمالية سحرية إيحائية ثرية لاستطعنا أن نضع أيدينا على جوهر الحقيقة التي يمكن أن نعيد تشكيلها وإن ذاك التشكيل سيصبح بدوره ضربا من الأداء اللغوي وسيغلب عليه في كثير من الأحيان المجاز. لذلك اختار أحمد كامل لروايته ذاك العنوان الفذ وهو “جبل المجازات” وفيه مفارقة فالجبل صلب راسخ يمنح الرائي نوعا من اليقين والثبات في مواجهة متغيرات الطبيعة والمجاز على العكس من ذلك فيه انسيابية وحرية وحركة دائمة بين المفاهيم المتنوعة حيث ينتقل الذهن من مجال إلى مجال أو من معرفة إلى معرفة، ولكن المفاهيم التي يصنعها المجاز في اللغة تسيطر على الذهن مثل جبل فلا يستطيع الإنسان أن يتجاوز ذاك الرسوخ الذي احتل ذاكرته وأصبح يؤدي حياته وفقا لسيطرة الميراث اللغوي البيئي عليه.

تنتمي الرواية إلى واقعية سحرية تجمع بين العالم المحلي المصري والفضاء المجرد أو فلنقل هي في منطقة بينهما ميراث من التصورات الشعبية ومساحة لعالم إنساني يتشكل عبر الأمكنة والأزمنة، عالم يصنع نفسه بصراعاته ورغباته وانحيازات فئاته وآماله المنتظرة في ليل يخرج منه نهار جديد، وهذا حال الإنسانية كلها وبالتالي ينجح أحمد كامل في إيجاد صيغة روائية جامعة بين التجسيد والتجريد وهذا التكوين تطلب منه الارتكاز سمة في غاية الأهمية وهي البحث عن المعادل اللغوي الذي يمكنه من تشكيل الرواية على نحو يؤكد أننا نعيش داخل اللغة لذلك جاء المستوى اللغوي عنده واحدا محافظا على مرجعية شبه أسطورية لعالم يذكرك بألف ليلة وليلة، عالم يتحدث كله من مجاز في الحرب والسلام والفرح والحزن فيبدو أننا محملون بتلك الشحنات الخيالية العالية عبر عصور إنسانية طويلة يعبر عنها الراوي بحياد تاركا الشخصيات تمارس لغته نفسها فكل المنظومة الروائية هي تكوين لغوي يعبر عن حكاية بداخلها حكايات أو حكايات تصنع حكاية.

اللغة عند أحمد كامل مثل الغريزة التي يحيا بها الإنسان ولا يستطيع أن ينزعها من نفسه مهما ارتقى بعقله وحاول أن يكون منطقيا لكنه يجد نفسه متلبسا بتلك الطاقة الغريزة التي تتحكم في توجهاته وهي طاقة تسكن في اللغة فتمنحها حمولات خصبة يجد الناس لذة جمعية في ممارستها على هذا النحو المجازي وكأنها أبيات يعيشون فيها أكثر من الجدران، فيدرك الراوي أن الحياة بكل صرعاتها لعبة لغوية لو أحكمنا القبض على مكونتها سنفهمها ونستطيع أن نغير أفكارنا إن أردنا.

حصلت هذه الرواية الصادرة عن داري سرد وممدوح عدوان على جائزة يحي حقي وهي بالفعل قريبة من عالم يحي حقي مع حضور هوية المؤلف الشخصية بوضوح فكانت جائزة مستحقة لها.  

مقالات من نفس القسم