الأدب النسائي…حقيقة الزيف

فن تشكيلي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبدالرحمن أبو المكارم

الجدل حول المعنى الحقيقي لمصطلح الأدب النسائي قائم بين رؤية البعض أنه لا يجب أن نجعل الأدب نسائيا وغير نسائي، فقضايا المرأة هي جزء أصيل من قضايا المجتمع، فلا يجب أن نقسمها، فالأدب يناقش جميع قضايا المجتمع دون تقسيم، وبين رؤية البعض الآخر أن المرأة لها خصوصية في الكتابة عنها وعن حقوقها و حريتها دونًا عن باقي قضايا المجتمع.

و يقول الكاتب عمرو العادلي مفصحًا عن رأيه في هذا المصطلح : ( لا أوافق على هذا التصنيف من الأساس، فالأدب هو الأدب إن كان العقل المنتج له لرجل أو لامرأة، و ما يحدد قيمته جودته فحسب…لا أعترف بمصطلح الأدب النسائي، وإن كنت تقصد الكتاب الذكور الذين يكتبون عن قضايا نسائية فالذي يحدد الحكم هو الجودة والأسلوب لا القضية، بمعنى أنني مثلا لو تحدثت عن مشكلة الطلاق أو الأمومة أو تأخر سن الزواج للبنات، فهذه ليست قضايا نسائية، ولكنها قضايا اشترك في حدوثها رجال، الطلاق فيه زوج تقاعس بسبب ظروف اجتماعية و الأمومة بسبب تكاسل رجل عن أداء مهامه، و تأخر سن الزواج للإناث بسبب قوانين أصدرها قضاة رجال تسببت في قضايا أخرى مثل الهجرة و العمل بالخارج وغلاء المهور وارتفاع أسعار الذهب و الأثاث و الشقق، فلا يمكننا أن نقول أن هذه قضايا نسائية و نصمت).

بينما قال الكاتب أسامة علام : (أنا لا أحب التصنيفات الأدبية، فأنا لا أحب مصطلح الأدب النسائي ولا أدب..إلخ، فالأدب أدب، وهو منتج معرفي إنساني، ليس له بالضرورة حتمية للتصنيف، فهذا قد صار تجاريًا، فمصطلح الأدب النسائي أنا لا يمكنني – في وجهة نظري – تقبله، فأنا أرى أن الأدب لا يمكن تصنيفه ).

وقالت الكاتبة ميرنا المهدي: (في رأيي أنه مصطلح يشوبه الكثير من سوء الفهم عند القارئ العربي. فالبعض يعتقد أن الأدب النسائي هو التعريف لأي كتاب مؤلفته أنثى دون النظر للونه الأدبي، بينما المعنى الأدق هو أنه الأدب المعني بشؤون المرأة وحقوقها وقضاياها والمساواة بين الجنسين حتى و إن كان كاتبه ذكرًا).

وقالت الكاتبة لينا النابلسي : (لا يوجد – من وجهة نظري – ما يُسمى أدب نسائي، لأننا لو فرضنا جدلًا أن هذا المصطلح يمكن أن يوجد، إذًا فيجب أن يوجد أدب ذكوري أو رجالي و هذا ليس موجودًا. و لو أن الأمر أن هذا الأدب ينتصر لقضايا المرأة، فبالتالي هل هذا معناه أن الكتابة عن المرأة و قضاياها يجب أن يكون حكرًا على النساء فقط !!! و هل هذا يصلح تطبيقه في كل المجالات، بمعنى هل مثلًا دكتور أمراض النساء يجب أن يكون مرأة فقط و ممنوع أن يكون رجلًا ؟! المصطلح ليس منطقيًا و ليس سليمًا و مجحف جدًا من كل النواحي).

بالطبع مع هذا الجدل الذي يشوب مصطلح الأدب النسائي وُجدت أزمات له، خاصة مع تمسك العديد من الناس بالإيمان بتقسيم الأدب على حسب جنس صاحبه، ويرى الكاتب عمرو العادلي أن أزمات الأدب النسائي تكمن في كون مشكلات المرأة التي نتكلم عنها في مصر أصبحت قديمة جدًا بالنسبة للعالم، حقوق المرأة و المرأة العصرية و المرأة الجديدة…إلخ، كلها لا علاقة لها بمشكلات المرأة الحقيقية، و ربما سبب ضعف هذه القضايا في الأدب ناتج من ضعف الطريقة التي تقدم بها أدبيًا و ليس بسبب أحقية القضايا ذاتها.

لكن رأى الكاتب أسامة علام أن هذه الأزمات سببها أننا نتكلم عن دولة سعر الورق فيها به مشاكل كبيرة جدًا، و دور النشر، و المجتمع و نظرته لأدب المرأة، و أنه يتخيل أن كل ما تكتبه المرأة سيكون عن حياتها الشخصية، و القيم و التقاليد البالية، أنا أقول كلامًا معروفًا، لكن هذه هي الحقيقة، نحن لدينا شوارع النساء لا يستطعن أن يمشين فيها آمنات، فكيف يكون الأدب النسائي آمنًا ؟!

و قالت الكاتبة ميرنا المهدي عن هذه الأزمات : ( ما يواجه هذا النوع المعقد من الأدب في وطننا العربي هو قلة الشفافية و الإخلاص إليه. على سبيل المثال، قد تتحسس بعض الكاتبات عند تناول موضوعات جريئة وقضايا حساسة عن المرأة خوفًا من نظرة المجتمع إليها. خاصة و أن أغلب القراء العرب لا يملكون ثقافة الفصل بين شخصية الكاتبة في الواقع، و بين ما تكتبه على لسان بطلاتها. فتجد الكاتبة تتردد بخصوص ما تكتبه وكأنها تتعامل مع قنبلة قد تنفجر بوجهها إذا أساءت اختيار مفرداتها أو مشاهدها و تضيع مكانتها الاجتماعية و احترام أهلها لها. هذا بعكس حال الأدب النسائي خارج الوطن العربي الذي يتناول قضايا هامة لا مفر من التطرق إليها إن كنا نسعى لتحقيق تغيير حقيقي من خلال الكتابة وليس مجرد السعي وراء المبيعات فحسب. أما لو كان الكاتب رجلًا لن يتعرض للضغوط و للوصمات الاجتماعية نفسها التي تتعرض إليها الأنثى العربية، فكثيرًا ما أجد للأسف بعض الكتاب الذكور يكتبون عن قضايا نسائية دون وعي كامل بها و من منظور ذكوري ضحل فيه شئ من التمسح بالنسويات من أجل “الترند”).

و قالت الكاتبة لينا النابلسي: (نحن بحاجة إلى أن نخرج من القوالب التي وضعت للمرأة من أكثر من مئة سنة، بحاجة إلى أن نتعامل معها باعتبارها موجودة في  سنة ٢٠٢٢ و ليس ١٩٠٩. فكرة أنك تتعامل بنفس الطريقة لا تنعت سوى بالسذاجة، وسأعطيك مثالًا، أنا من جيل تربى على أن النهاية السعيدة لأي بنت هو الفستان الأبيض و أمير سندريلا، هذا الذي لم يعد موجودًا و الذي بات لا ينفع، أحلام البنات اختلفت، طموحها اختلف، متطلباتها اختلفت، فكرة أن البنت تجلس في البيت تصنع الكروشيه و تطبخ أصبحت رفاهية لا تتناسب مع صعوبة الحياة التي تحتم مشاركة حقيقية من البنت حتى لو اختارت حلم الفستان الأبيض. ما أريد قوله أن الكتابة بالمنطق القديم لإرضاء المجتمع الذي تعود على نظرة ثابتة ما هو إلا عقبة حقيقية و تخدير للعقل لا يتناسب مع العصر الذي نعيشه و هذه أزمة كبيرة).

هناك العديد من الكاتبات اللائي أثبتن جدارتهن في هذا النوع من الأدب الذي يطوف حوله الجدل و الضجة دائمًا، فمن هؤلاء الكاتبات العرب اللاتي عبر الكاتب عمرو العادلي عن حبه لأعمالهن: إنعام كجه جي، هدى بركات، جنى فواز الحسن، ريم الكمالي، بشرى خلفان.

وقال الكاتب أسامة علام: ( أنا لن أقول العرب فقط، فأنا من أكبر عشاق إيزابيل الليندي، إيزابيل الليندي كاتبة تشيلية تعيش في أمريكا، و أنا حضرت لها حفل توقيع و رأيتها بشكل مباشر، إيزابيل الليندي كاتبة عندما تقرأ أعمالها لن تشعر أنه هناك كتابة نسوية مثل ما تكتبه أحلام مستغانمي مثلًا، أحلام مستغانمي تكتب كتابة نواعم، فليس مفروضًا أن تكون الكتابة النسوية كلها عن النساء و البنات و الخائن و الزواج…إلخ، يمكن أن تكتب مرأة رواية كاملة كل أبطالها رجال، أو العكس، يمكن أن يكتب رجل رواية كل أبطالها نساء. أنا أحب جدًا من كاتبات الأدب النسائي – من الشباب – نورا ناجي، و نهلة كرم، و أريج جمال، هؤلاء من كاتبات الأدب النسوي الصغار في السن، ومن الجيل السابق، هناك الدكتورة ضحى عاصي، و إيمان مرسال، و سعاد سليمان، هن الحاضرات في ذهني الآن، و هذا ليس معناه أن هؤلاء هت الأحسن…و بمناسبة الأدب النسائي، يمكن أن أقول لك من المغرب على الأقل خمس كُتاب مهمين، و من الجزائر كذلك، و من ليبيا مثلًا عندهم إبراهيم الكوني، واحد من أهم الكُتاب العرب، إنما لا يمكنني أن أقول لك مَن الكاتبات، لذلك يبدو أن هناك ظلمًا، مع أن هناك كاتبات كثيرات يكتبن بشكل جميل جدًا، فمثلًا هناك بثينة العيسى، و هناك نساء كثيرات يكتبن. )

 و ترى الكاتبة ميرنا المهدي أنه يوجد في وطننا العربي كاتبات عظيمات الموهبة، و لكن الكاتبة النسائية الأقرب إلى قلبها هي إليف شافاك. حتى و إن لم تكن عربية فهي ترى أنها الأقرب إلى ذائقتها الأدبية. و قالت الكاتبة لينا النابلسي عن الكاتبات اللائي تحب أدبهن : ( بعيدًا عن التصنيف…رضوى عاشور علامة فارقة و كبيرة و لا يمكن أن يتخطاها أحد، و هناك أيضًا الدكتورة ريم بسيوني، و نورا ناجي، و نهلة كرم، و شيرين هنائي، و غيرهن كثيرات. و كلهن يكتبن بعيدًا عن القالب الظالم الخاص بالأدب النسائي، و فكرة أنه أدب رومانسي و بناتي أو ينتصر لقضايا المرأة، فلا يوجد أحد كتب رائعة مثل رواية “ذات” و ومن كتبها كان رجلًا و هو الأستاذ صنع الله إبراهيم.)

مهما اختلفت الآراء، ومهما طال هذا الجدل، و الذي من المؤكد أنه سيبقى حيًّا ما دامت تُكتب أعمال أدبية عن المرأة و حقوقها، فإن وجوده لا يقلل من إبداع الأقلام الأنثوية المبدعة بحق، فالأدب النسائي – كما ذكرت – ليس له علاقة في الكتابة بجنس المرأة، و ليس له علاقة بتلك المفاهيم الخاطئة التي تقلل من شأن الأقلام الأنثوية، فالإبداع جوهره لا يعتمد على جنس صاحبه.

 

مقالات من نفس القسم