الأحلام

دار شرقيات
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

قالت أمي : راقبي اللبن .

فرأيتُ تنيناً يخرج من النار ، و يبثُ لهـبه في وجهي ، فأنزاحُ قليلاً لأُفوّتَ اللهب ، و أنفخ فيه ، فيخرجُ الهواء ، و يتلاشى التنين .

و أرى إيزيس ، و قد نسيت تعويذة إحياء أوزوريس، و رقدَ جسده دون حراك، أُقلّبُ الملعقةَ في اللبن، فيطول جسده، و يهبُ واقفاً .

وأرى الإسكندر على فرسه يقاتلُ، ثم يهوى، و يبكي بين يديّ المُعلّقة في الفراغ، و الممسكة بالملعقة، و أسمع صوت طقطقة النار، و أنا لازلتُ أحـدقُ في الفراغ، و أرى أحلاماً لا تنتهي .

حلمتُ البارحة بتمرٍ و ماء، و كنتُ عطشى، شربتُ من الماء و لم أرتو ، مددتُ يدي إلى البلح المُكوّم وسط الصينية الموّشاة باللون الأخضر الداكن ، أدفس الحبة في فمي فأستشعرُ مدى مرارتها .

من أين تأتي الأحلام؟ و هل هي حقاً فائض حفظ العقل الباطن للأحداث؟ و لماذا يفكرُ عقلي الباطن في البلح المر أو الماء أو السراديب المظلمة كالمتاهة تحيطُ بي .

يقول إسخيليوس : ” إن أجدادنا ما قبل الإنسان ، عاشوا و هم في اليقظة ، حالة تشبه حالة الأحلام عندنا ، و أن أهم مميزات تطور الذكاء الإنساني ، القدرة على تفهم طبيعة الأحلام و أهميتها ” .

و يزعم فيروم أننا نحقق في حالة الحلم أفكاراً فاتتنا في اليقظة ، أما محمد المخزنجي فيقول : ” نحسُ في أحلامنا أحياناً بأن جزءاً منا يشاهدنا ، و كأنه يوجد في ركنٍ ما من الحلم ، مُرَاقِب من نوعٍ ما ، و في أغلب الأحيان يكون المُرَاقِب صامتاً تماماً ” .

فلماذا في أحلامي لا يراقبني أحد، بل دائماً أراقبُ الآخرين، هل لأنني لستُ البطلة على كل حال؟!

و أراني أرى قابيل يصرخُ في البرية : لِمَ كنتُ أخاف عينيه إلى هذه الدرجة ؟!

و يحدثني كارل ساجان قائلاً : ” إن في المنطقة الطرفية بالمخ عضو على شكل اللوزة يُسمى (الأميجدالا )، هو المسئول عن عمليات الخوف و العنف ” .

إذاً فالخوف والعنف يخرجان من منبع واحد ، فلماذا نقول إن أول غريزة ولدت في الإنسان هي الطمع أو الشهوة أو الامتلاك أو القتل و العنف، لماذا لا نقول إن أول غريزةٍ ولدت في الإنسان هي الخوف .

أحلامي تتآمر عليّ ، و تدفعني كي أعيد النظر في كل ما فات ، و أراني في مكانٍ بعيد باردٍ ، ينزلُ الثلجُ فيه من كل اتجاه ، و أجري أبحثُ عن طريقٍ آمنٍ ، فيخرجُ لي شيخ مُسن يُحذرني : لا يوجد طريق ، الطريقُ تصنعه الأقدام الآتية .

فأصنعُ طريقي و أسير ، أهمسُ لنفسي : باختياراتنا نصنعُ هزائمنا أو انتصاراتنا .

الطريق طويل يوصلني إلى نفقٍ معتم خالٍ من الهواء ، موحش ، كلما أمر على قومٍ يلقون لي أمانة كي أودعها بين يدي مولاي عند المثول ، و قُذفَ بي ، فإذا النور يغشي الأبصار ، فأغمضتُ عيني و انتظرت .

و حين قُدر لي أن أفتح عيني و أنظر، كنتُ وحدي في حجرة مظلمة ، دققتُ على الباب ، و صرختُ أعرضُ حجتي ، عَلّهم يفتحونه :

– خُلِقتُ من أديم الأرض ، و ترابه و طينه ، روثه و حنطته ، بياضه و سواده ، خبثه و طيبه ، أُعطيتُ عقلاً ، و قدرة على التجريد و استعمال المنطق ، و توقع المستقبل ، بُسِطت من تحت قدمي الأرض ، و قَطّرَ الله لي من علمه ، و أغدق عليّ بالعطايا ، ركبتُ الدابة و المركبة الفضائية ، حفرتُ حتى باطن الأرض، و صعدتُ إلى القمر ، أنا التي بحثتُ في كل شيء ، و لم أصل بعد لسر شيء ، مربوطة بحبال الأمل، أتأرجحُ بين خوفٍ و خوف ، و أشعرُ دائماً أن بيني و بين الموت نَفَس لا حياة .

و فُتح الباب ، فدخلتُ رافعةً يدي بالدعاء ، حينها صرخت أمي:

– اللبن .

كان اللبن فائراً حول عين البوتاجاز ، و العين مُطفأة ، و رائحة الغاز منتشرة في المطبخ ، و يدي مرفوعة ، و أصابعي تحيط بالملعقة.

 

ـــــــــــ

اللوحة للفنان: عصمت داوستاشى

ــــــــــ

خاص الكتابة

 

 

مقالات من نفس القسم

ali reda zada
تراب الحكايات
موقع الكتابة

قصة صورة

mohammed Al fakharany
تراب الحكايات
محمد الفخراني

السَّهَر

حسين جداونه
تراب الحكايات
موقع الكتابة

هواجس