النساء مزدهرات جدًا لأنهن يحكن الحياة في كل خطوة يتخذونها، ومحاطات بأسرار كونية، جبل الزمرد وجبل المغناطيس والعنقاء، وعلى خلفية ذلك يسعين لتغيير الواقع، هن المتمردات الثائرات، هن اللاتي يورِّثن أفكارهن وتعاليمهن لبناتهن، ويحلمن بترك عالمهن الثابت إلى مساحات أخرى. واللافات أن النساء لايبدون ضعيفات أبدًا أو يسعين لأشياء عادية أنثوية معتادة، لكنهن يتجهن إلى مصير أكبر يغير خارطة حياة من حولهم.
تصحيح الأسطورة:
الحدوتة مستوحاة من ألف ليلة وليلة عن أسطورة أميرة جبل الزمرد، التي بسبب اللعنة تحترق ويزول معها الجبل ويتشت الرعايا في البلاد انتظارًا لعودة الأميرة مرة أخرى وعودة الجبل. وهذه العودة تتم عبر الفتاة هدير التي أضاعت في طفولتها خاتم زمرد.وهذا يقول أن الأشخاص والأشياء مربوطون ببعضهم جدًا على مدار الأزمنة، وذلك حتى يتم التاريخ المحتوم ليس لجبل قاف وسكانه فحسب بل للحياة.
تقوم بطلة الرواية “بستان” بتنقيح الأسطورة والحصول على الحدوتة الحقيقة لكي تتمكن من استعادة جبل قاف وأميرته. لأن كل التفاصيل المغلوطة في حكاية الأميرة تعيق استعادتها. تظهر دعوة تصحيح الأسطورة كأنها أحد البوابات لتنقيح حياتنا نفسها من المشاهد التي لا تنتمي لها ومن كل ما ندعيه. تبدو الرواية رواية بحث عن الإنسان في مكانه الحقيقي، محاولة للكف عن التزوير وأن نكون نحن، إذ كل التفاصيل المغلوطة عن حياتنا تعيق امتدادنا.
لا تعامل الكاتبة أي شخصية على أنها شخصية ثانوية، بل تخوض فيهم جميعًا، وتقدمهم للقارئ بوضوح. فيحضر المجنون المقيم في الشارع، كما تعلن عن ذاتها المناضلة اليسارية التي ضعفت أمام التعذيب، وتتجلى أم هدير وهى تعاني في غربتها، حتى إيليا وهو مقيم في عزلته بجبل المغنطيس بعد أن استرد بصره.
إلى المصير:
الشخصيات غنية جدًا، ومتفردة عن بعضها البعض، والجميع يبحثون عن زمردتهم الخاصة، لتبدو رحلة الحياة هي رحلة البحث عن هذا الزمرد، البعض يجدها في طريقه، وأحيانًا تكون في طريق آخر، بعيد قليلاً.. موجودة بعد أن تركها آخرين لنا لنلتقطها على التوالى. تصبح الحياة هي رحلة الانتظار لتلك اللحظة.
كل نساء الرواية يبحثن..بستان تبحث عن تمام حكايتها والأميرة تبحث عن أحجار للتخلص من الحية وتحرير سكان جبل قاف، الأم تبحث عن الاستقرار في البلد البعيد، والابنة تبحث عن حياتها بعد انفصال أبيها وأمها، حتى الحية القابعة والحارسة لجبل الزمرد في انتظار مصيرها، ليسبق موتها أغنية عذبة.
الاتجاه إلى المصير هو الحركة الدائمة للشخصيات في الرواية، يتحركون بهدوء، ويتركون البركان يتحرك أيضًا. غير أن بعض الأشياء تتغير فيهم، يكبرون وهم يفارقون القديم المألوف، تبدو زمردة ابنة ملك الجبال وهي تحترق كأنها تنضج، تمامًا كما يحدث لهدير البطلة التي يمكن للأميرة أن تعود من خلالها. الاتجاه نحو المصير يترك علاماته: “خرجت من العملية سالمة، لكن فكرة الموت لم تغادرها، بل عششت داخل جسدها الجميل، ولونت رؤيتها للعالم“.
الخروج للأسطورة محاولة قيِّمة من الكاتبة منصورة عز الدين في روايتها “جبل الزمرد” لنجد أنفسنا في أسطورة لا يصدقها أحد، عدا شخص ربما يأتي بعد زمن آخر. تمارس الكاتبة لغة مميزة، وألفاظها تقوم بالشعوذة لصالح الحدوتة، تبني تفاصيل وصورة كبرى لما يحدث للأبطال وتهتم أيضًا بخلفية الحدث بتصوير حركة الرعايا والمجاميعوهم يتحركون نتلقط تفاصيلهم.
اللافت أن في كتابة منصورة، المستوحاه من أالف ليلة وليلة، قدرة على التفرد، وكتابة عالم ينتمي للشرق، أسطورة مذاقها شرقي، ولا تبدو أبدًا تقليدًا لفيلم أجنبي كما اعتدنا. تعيد الرواية الخيال إلى بيته الأصلى ألف ليلة وليلة، وتسرد تفاصيل إنسانية وداخلية في شخصيات الأسطورة ربما هذا ما يمنحها الطعم الشرقي، في مواجهة أساطير أخرى تهتم بالحركة والمظهر المثير وتنتمي تلك الأساطير لمنطقة أخرى ليست لنا.