أنا مدينٌ للرماد

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

البهاء حسين

لا تحاول أن تستعيد حباً قديماً

النفخُ فى الرماد يُعشى العين

حاولتُ أكثرَ من مرةٍ

لكنه لم يتقد

:

لا دورَ للرماد

سوى أنه يذكّرك بماضيه

،،

كانت “إيمان” مدفأتى

قطعَ الخشب

وإصبعى هو عودُ الثقاب

:

حين نشعرُ بالدفء

حين نقدحُ الأجسادَ ببعضها، كحجرين

تندلع الشرارة

،،

حين تنتشلك إحداهن من الأنقاض

بصوتٍ طفولى

بأنوثةٍ كاملة

عندما تحبُك بقلب يحبّ لأول مرةٍ

رغم أنها تخطت الخمسين ولديها أحفاد وأسرة

عندما ترممّك بقبلةٍ

بصورةٍ لحلمتها

حين تحبك لدرجة أن تُدخل نارك فى فمها،

كى تعيدَك إلى جوفها

إذن لا بد أن تقول لها يا أمى

:

كل لقب، مع حبيبتك، يختلفُ عن استعمالنا له

وأنا أقول لإيمان.. يا أمى

كنت أولد فعلاً مع النداء

المعنى فى بطن العاشق

:

كم تمنيتُ يا إيمانُ أن يتسع جوفى لنارك

،،

الحب سيخ يقلّب الجمر

فى المدفأة

،،

من المحزن أن ينتهى الحب، ككل شىء

مع الوقت

ننسى حبيباتنا

الفمَ الذى كان يتلكك، ليقول كلمة أحبك

ينسى، كأنه لم يقلها

ننسى أولادنا الذين قُتلوا أمام أعيننا ذات يوم

ودفناهم بأيدينا فى مقابرَ شابةٍ مثلهم

ننسى الفزع

ننسى لدرجة أننا لا نذكرُ ماذا نسينا، ولا كيف نسينا

دون أن نتحطم

مع الوقت

تحمل فتاتُك لقبَ حبيبةٍ سابقة

مثل لافتةٍ تحمل اسمين لشارعٍ واحد

لكنّ الكلمات التى تخرج منا لأجل واحدةٍ بعينها

تظلّ باسمها

:

من يجرؤ حقاً على النسيان

،،

نعم تولدُ الكلماتُ منا

نولدُ من الكلمات

:

كل امرأةٍ تحبنا

كل قبلةٍ

نحفظها عن ظهر قلب

،،

حين استعملتُ كلماتنا يا إيمانُ من بعدك

لم يكن لها الطعمُ نفسُه

الحماسة وأنت تصكّ كلمة جديدة لحبيبتك، كأنها مولودكما

لم تكن تخرجُ من القلب

فى كل مرةٍ كنتُ أحسّ يا إيمان أنها ثقيلة على لسانى،

وأنا أقولها لغيرك

كنت أشعر، بينى وبين نفسى، بالتدليس

كأننى أنسب طفلاً رضيعاً لواحدةٍ غير أمّه

أشعر أننى عريان حين أنطقها

لا شىء يستر عورتى

:

تصبحُ الكلماتُ لقيطة، حين نستعملها مرتين

لكن من أين تأتى بلغةٍ لكل حبيبةٍ

من أين تأتى بماء

،،

أريدُ ألا أنطفئ

لهذا أحبّ

أحببتُ بشراهةٍ فى السنوات الماضية

انهار بيتى فجأة

كما تنهارُ البيوت تحت وطأة الزلزال

فاعتبرتُ الحبّ عذراً وجيهاً، لأستكثر منه

القشةَ التى تنجّى الغريق

،،

الحب لا يُنسى، حتى إن أردنا

لا ننسى من أحببنا

حتى بعد أن نفقد الذاكرة

،،

يدفعنى الفضولُ إلى النسيانِ يا إيمان

لكننى لا أنسى

أتمحّك فيه، لأبدأ قصة أخرى

ربما أنا مريض، لأحب أربع سيدات فى وقتٍ واحد

ربما هو الملل، أو رغبة الإغواءِ،

لكنى أحبهم فعلاً

أشفى من الوحدة حين أُحبّ

:

آه

يا وحدتى

يا ذنباً لا توبةَ منه

يا لعنة لا تُغتفر

،،

ندّعى أننا نسينا، كى نُحبّ

كى نجرّب تلك الرعشة

الحربَ الحقيقية التى يجدرُ بنا أن نخوضها

من آنٍ لآخر

ليعرف المرءُ جسدَه

روحَه

ليعرف إلى أين وصلتْ به الشيخوخة

:

القبلة صراعٌ على الروح

من يمتلك الآخر بشفتيه

القبلة حربٌ عادلة

،،

كم ضحكنا يا إيمان

كم تبادلنا الكلمات عن التلاشى الذى سيحدث لنا إن تعانقنا

كنا نصدق ما نقول، كأى عاشقين

كأننا فعلاً سوف نتلاشى

،،

يا لها من حسرةٍ

أن تُنصت الآن للماضى، ولا تسمع له صوتاً

كأنه بندقيةٌ فقدتْ شهيتها

لا شىء يذكّرنا بأنها بندقية

لا ذخيرة

سوى الطلقاتِ التى تجترّها فى صمت

دون دوىّ

كم كانت تهزنى قبل أن تصدأ،

وتُعلق كتذكارٍعلى الجدار

،،

أنا رجل يُثمّن حظه

فقدتُ كل شىء، وبقى لى الحب

بقيتْ لى الوحدةُ التى تملأ بيتى

أنا مدينٌ للوحدة

لقلبى

للبرد

للمدفأة

لقطع الخشب

للدخان

للنار

للرماد حتى

للماضى

أنا مدينٌ يا إيمان للنسيان .

 

مقالات من نفس القسم

يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

نصوص