أناشيدُ الخراب

amal salem
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أمل سالم

كُلُّ بِنَاءٍ

فَوْضَى مُنَظَّمَةٌ،

وَالْحِجَارَةُ الَّتِي تَصْطَفُّ – كَمَا لَوْ أَنَّهَا عَالِمَةٌ بِقَوَانِينِ الْكَوْنِ – مُتَدَاعِيَةٌ،

حَقِيقَةٌ مُتَدَاعِيَةٌ،

تَرْتَجِفُ عِنْدَ أَوَّلِ نَفْخَةٍ مِنْ رِيحٍ عَاصِفٍ.

 

رُبَّمَا تَيأَسُ فِي وَقْفَتِهَا،

فَتُغْمِضُ عَيْنَيْهَا،

فَتَنْبُتُ عَلَى جُفُونِهَا خُضْرَةُ الطَّحْلَبِ

عَقِبَ الأَيَّامِ الْمَاطِرَة.

 

عِنْدَمَا أُنْصِتُ إِلَيْهَا،

بِصَوْتٍ يَخْتَلِطُ بِالذَّهَابِ، تَهْمِسُ لِي:

“كُلُّ شَيْءٍ مُؤَقَّتٌ،

وَأَنَا.. مَرَامِيَ الرُّسُوِّ عَلَى الْبَسِيطَةِ الْجَرْدَاء”.

 

أُعْشِقُ الْخَرَابَ،

الصَّادِقَ كَأَوَّلِ فَجْرٍ طَلَّ عَلَى الْبَسِيطَةِ،

حَيْثُ لَا يَتَظَاهَرُ شَيْءٌ بِشَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ،

وَلَا يَخْدَعُنِي شَكْلٌ عَنْ جَوْهَرٍ.

 

فَتَحْتَ الرَّمَادِ دَائِمًا تَكْمُنُ الْحَيَاةُ فِي أَوْجِهَا،

تَتَلَأْلَأُ بِوَقَارٍ خَفِيٍّ،

وَتَتَسَمَّعُ بِرِفْقٍ لِمُوسِيقَى هَارِبَةٍ،

مُوسِيقَى هَارِبَةٍ مِنْ جُدْرَانٍ مُفَكَّكَةٍ،

مُوسِيقَى تُنَبِّئُ بِأَنَّ مَزِيدًا مِنَ الْمَوْتَى

قَدْ قَضَوْا دُونَ وَعْيٍ بِجَمَالِيَّاتِ الْخَرَاب.

 

فَخَلْفَ كُلِّ نَافِذَةٍ مَكْسُورَةٍ،

وَبَابٍ مَائِلٍ،

وَجِدَارٍ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ بِبُطْءٍ،

قِصَّةٌ تَتَقَوَّتُ مِنْ جِيفَةِ الزَّمَنِ الْمُنْهَدِّ،

حَيْثُ الْقُلُوبُ فِي ارْتِبَاكٍ هَادِئٍ،

وَبَيْنَهَا قَلْبِي،

يَقِفُ مَشْدُوهًا،

مُصْغِيًا إِلَى أُبَّهَةِ الْفَوْضَى،

وَهِيَ تَتَحَسَّسُ طَرِيقَهَا بِأُلْفَةٍ فِي بَهَائِهَا.

 

أُعْشِقُ الْخَرَابَ – كَمَا قُلْتُ سَابِقًا –،

وَسَأَقُولُ ثَانِيَةً،

فَلَنْ يُثْنِينِي عَنْ عِشْقِي

بَهْرَجُ الْمَدِينَةِ الْمُزَيَّف.

 

أُعْشِقُهُ،

لِأَنَّهُ لَا يَعِدُنِي بِالْخُلُودِ،

وَلَا يُدَلِّسُ حَقِيقَةً.

كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ صَادِقٌ،

الصَّمْتُ فِيهِ صَاخِبٌ جَلِيْل،

صَاخِبٌ بِمَا يَكْفِي لِيُوقِظَ غُفَاةَ الْمُدُنِ،

وَيُقَشِّرَ عَنْهُمْ وَهْمَ الزِّينَة.

……………………

*النص من ديوان “طقوس آسنة”- تحت الطبع.

مقالات من نفس القسم