أسرار ونوادر لم تنشر من قبل في حياة نجيب محفوظ

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 2
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

كانت للأديب الراحل نجيب محفوظ ندوات فكرية معروفة؛ يقصدها الأدباء ليتعلموا من أستاذهم، يتحلقون حوله يقرأون له أعمالهم، ويسمعون نقده لها؛ يتحاورون في شتي أمور الحياة، سياسية وفنية وأدبية، ويستنيرون بآرائه. ورغم مرور ستة عشر عاماً على رحيله ومائة وواحد عشر عاما على ميلاده وعشرات الكتابات النقدية والتسجيلية والحوارية التى كتبت عنه وسجلت معه متناولة كل صغيرة وكبيرة فيما أخفى الرجل وأعلن. رغم ذلك هناك الكثير والكثير مما هو محجوب ومخفي بقصد أو بغيره، ولم لا وهو الذي برع في تقديم وسرد كل آلامه وأحلامه وتوقه وخيباته.

هنا شهادات ورؤى تنفرد بها النهار لبعض من رافقوا “الأستاذ” في جلساته وحواراته وحزنه المحجوب قبل فرحه.

 

سعيد الكفراوي:

سعيد الكفراوي

زجرني لأنني شتمت أم كلثوم

كان محفوظ ـ رحمه الله ـ يقصد الندوة في “ريش” ويتحلق حوله الأدباء. نكتب نصوصاً مخطوطة، ونعطيها له فيقرؤها، ثم يأتي بعد أيام ليقول رأيه فيها.

وحضر يوماً وكانت هزيمة يونيو 1967 قد أصابتنا باليأس، وكان صوت أم كلثوم ينطلق من مذياع عتيق من فوق الرف في مقهي “ريش” وأنا عائد منهوك القوي، وانفلتت أعصابي وقمت بسب الست، ساعتها رأيت الشرر يتطاير من عينيه، وهب واقفاُ وانصرف، ليتوقف أمام إحدى العمارات العتيقة بناصية سليمان باشا، وأنا ما زلت أتفوه بأفظع العبارات ضد الست أم كلثوم؛ معتبراً إياها بوق دعاية للنظام الذي تسبب في هزيمتنا، ومغيبة لوعي الناس، والأستاذ نجيب واقف بعيداً لا ينبس بحرف، وفوجئت به يناديني؛ فهرولت ناحيته، فحدق لي بغضب، ثم وضع يده علي كتفي، وقال بصوت عال: إياك أشوفك أنت وعفيفي! فاهم يا كفراوي؟

وانصرف.

 

الناقد الأدبي مصطفي عبد الغني:

عندما سألته ذات يوم عن الشكل والقناع الديني؛ الذي اتخذه ستاراً متعمداً في روايته المصادرة “أولاد حارتنا” قال لي: يا مصطفي أنا كان لازم أبحث عن شكل جديد يحميني من السلطة، وأضاف: أولاد حارتنا يا مصطفي بيه تناقش قيما ثلاث: الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

قلت للناقد الأدبي مصطفي عبد الغني: وماذا عما قيل بأن ثمة أدوار ما لمفكرين يهود كتبوا عدة تقارير كانت سبباً في فوزه بجائزة نوبل؟

ـ رأيت بنفسي في منتصف الثمانينات الكاتب الراحل يوسف إدريس وشخصيات يهودية معروفة، كانت تزكي اسمه من خلال عدة تقارير مطولة وأنا أعرف نجيب محفوظ جيداً، فهو لم يسع َ للجائزة بل هي التي سعت إليه، فإذا قرأنا أعماله فسنكتشف أنه لم يتعرض لذكر اليهود ولا الديانة اليهودية.

 

الفنان التشكيلي محمد الشربيني:

غزو لبنان كان سبباً في دخوله المستشفي

ما زلت أذكر وكأنه قد حدث منذ لحظات آخر كتاب قرأته، وهو بعنوان “الإسلام والعلم” وترجم من المجلس الأعلى للثقافة، عقب الأستاذ نجيب محفوظ قائلاً:

الموضوع ليس جديداً، لكن التناول جديد. الإسلام يا محمد قيمة أخلاقية عظيمة وسامية.

وانتهت الجلسة، وبدأت الحرب الإسرائيلية علي بيروت في نفس الأسبوع، وفوجئت بخبر سقوط الأستاذ علي الأرض وارتطامه بقطع من الأثاث في منزله.

 

الأديبة فوزية مهران

 كان يسألني: لماذا أنت مصرة على حكْيك لي عن تفاصيل هذا المسرح (اللامعقول) فهل ترين هناك تشابهاً في أعمالي؟، قلت: مسرح اللامعقول غرائبي وكثير التفسيرات، وأنا أرى فيك موهبة كتابة مسحية عبثية تفوق هذه الأعمال اللامعقولة، فأنت تملك روح المرح والسخرية والروح الشعبية المصرية في خلق النكت. ضحك وفوجئت بعد ذلك بأنه عكف على قراءة النصوص لـ “آداموف” و”بيكيت”، و “يونسكو”.

وأتذكر أنني كنت أحكي له قصة “الأستاذ” لكاتبها يونسكو، وهي قصة قصيرة وحولها إلي مسرحية من فصل واحد ومشهد واحد فاستغرقته، وضحك محفوظ كثيراً وعقب علي قائلاً: وماذا ترك لي يونسكو لأكتبه؟

 

الشاعر أحمد الشهاوي:

أحمد الشهاوي

كنت قد تعودت على إجراء حوار سنوي مع الأستاذ: ينشر في جريدة مصرية شهيرة بشكل شبه دوري؛ صعدت إلى مكتبه في جريدة الأهرام؛ لأستطلع وجهة نظره في الحوار عقب نشره مباشرة علي صفحة كاملة ففوجئت بالأستاذ نجيب، وقد استدرك بشكل عبقري يندر وجوده، ومعقباً علي فقرات الحوار من أسئلة وأجوبة قائلاً:

يا أستاذ أحمد، الحوار محذوف منه أربعة أسطر! وهذا جعلني في غاية الحرج والدهشة لغلبة اليقظة وقوة الذاكرة عند أديب نوبل.

 

الناقد أسامة عرابي:

كان يطلب مني الحضور مبكراً لقراءة ما يكتب عنه من مقالات ودراسات، وأذكر أنني قرأت له على جلسات ثلاث دراسات غاية في الأهمية قدمها جورج طرابيشي عن رواية “رحلة ابن فطومة”. أما إذا انتظم عقد الجلسة وحضر رفاقها فإنه يمتنع ويتوقف عن سماع قراءة أي شيء يتعلق به: قائلاً لي بحسم “الجلسة الآن أصبحت ملككم فلا داعي للاستمرار في قراءة أشيائي”.

وكان يسأل صديقين لنا عرفا باللطف والظرف ورواية الملح والطرائف هما “بليغ بطرس” و”رأفت موريس” عن أحداث النكت والقفشات بين الحوارات الساخنة.

 

الناقد السينمائي محمد عبد الفتاح:

سألت الأستاذ نجيب ذات يوم: أنت في كل الأعمال التي قمت بكتابة السيناريو لها كنت راضخاً لأهواء المنتج، ومن بعده المخرج، فرد نجيب محفوظ قائلاً: طالما قبلت أنك تشتغل “ترزي” يبقي لازم تكون في خدمة الزبون، وليس حسب هواك!.

 

الفنان نور الشريف:

قدمت أكثر من خمسة عشر عملاً سينمائياً مستوحاة من قصص وروايات الكاتب الكبير مع علي بدرخان وعاطف الطيب وحسن الإمام وغيرهم، ولكن الرواية التي توقفت عندها وسحرتني بل أوجعتني رحلة بطلها الوجودي كانت رواية “قلب الليل”. قرأتها أكثر من سبع مرات، وفي عدة جلسات مع المخرج عاطف الطيب والكاتب الراحل بمكتبه في الأهرام قال لي عبارة لا أنساها: يا أستاذ نور أنت عارف أنني أحبك جداً وأنت كمان بطلي من أول كمال عبد الجواد في الثلاثية لكن ليتك تعرف أن جعفر الراوي في قلب الليل هو امتداد طبيعي لحيرة عرفة الحمزاوي والناجي والناجي الكبير

ويقول نور: كانت شخصية جعفر الراوي بطل “قلب الليل” هي حقيقتي المخفاة وحقيقة كل إنسان مثقف حقيقي.

مقالات من نفس القسم